ملايين البشر لا تعني لهم الرياضة ولا كرة القدم شيئا، اختاروا حياتهم هكذا بعيدا عن هذا الولع معتبرين أنهم في راحة بال ولهم أوقات يملأونها بما هو أهم حسب رأيهم. في حين هناك ملايين آخرون لا يعيشون إلا بكرة القدم. لا شيء يسعدهم في حياتهم إلا متابعة هذه اللعبة، من خلالها تكون سعادتهم وحزنهم وفي متابعتها راحة لأعصابهم وملأ لحاجة نفسيّة داخلهم. لكن ما فرضته كورونا غيّر كل شيء في حياة الناس، فكانت كرة القدم جزءا من هذا التغيير، حيث توقفّت كل ملاعب العالم عن النشاء ليجد المولعون بها أنفسهم في وضع مختلف عمّا اعتادوا به.

منذ منتصف مارس الماضي تقريبا قررت كل الاتحادات العالمية (باستثناء حالة أو حالتين) عن إيقاف كل الأنشطة الرياضية فرديّة منها وجماعية، بناء على توصية من منظمة الصحة العالمية بأن حضور الجماهير واحتكاك اللاعبين من شأنه أن يساهم في انتشار فيروس كورونا، خاصة بعد ترجيعات بأن تكون إحدى المباريات التي أقيمت يوم 19 فبراير في ملعب سان سيرو بإيطاليا سببا لذلك.

ففي تقارير إخبارية مختلفة وقعت ترجيحات بأن مباراة نادي أتلانتا الإيطالي في دوري أبطال إفريقيا أمام ضيفه فالنسيا كانت سببا في انتشار الفيروس بناء عن استنتاجات لبعض الأطباء في إيطاليا. وقالت صحيفة "كوريرا ديلو سبورتا" إن الطبيب فابيانو دي ماركو، مدير أمراض الرئة في مستشفى بابا جيوفاني في إيطاليا رجح أن "مباراة أتلانتا وفالنسيا في سان سيرو كانتقنبلة بيولوجية، خصوصا أنها كانت بحضور أكثر من 40 ألف شخص من مدينة بيرغامو.... وأن انتقال المشجعين بالحافلات والسيارات والقطارات أدى إلى سرعة تفشي الوباء على النحو الذي تشهده البلاد اليوم". وأضافت تلك التقارير الإخبارية إلى أن المباراة تسببت في وفاة 500 شخص إثر إصابتهم بفيروس كورونا، وتسببت كذلك في إصابة 35% من لاعبين فالنسيا وعدد من جماهيره.

يذكر أن إيطاليا بدأت في تلك الفترة تعرف ارتفاعا قياسيا في عدد الإصابات والوفايات وصلت حتى صدارة عدد المصابين والمتوفين في العالم قبل أن تلتحق بها كل من إسبانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي تشهد المظهر الأكبر في الكارثة بما يقرب من مليون ونصف المليون إصابة و85 ألف حالة وفاة.

المهم وبعيدا عن تسبب تلك المباراة في سرعة انتشار الفيروس في إيطاليا وإسبانيا، فإن العالم اليوم يعيش بلا متعة تلك الرياضة، فأكبر البطولات الدولية توقفت، والدوريات المحلية توقفت ولا أفق لعودتها وكل الاتحادت حتى التي قررت استئناف اللعب قد تجد حرجا كبيرا لو عاد الفيروس للانتشار مرّة أخرى. وحتى العودة ذاتها لن تكون بمثل ذلك الحماس الذي كانت عليه البطولات والدوريات قبل إيقاف الأنشطة في العالم خاصة أن اللاعبين في أغلبهم أوقفوا تدريباتهم لفترة وعودة النسق لديهم لن تكون سهلة، بالإضافة إلى أن فصل الصيف وارتفاع الحرارة في إفريقيا وأوروبا وآسيا قد يبعد الجماهير عن الملاعب، هذا إذا سمح بالحضور الجماهيري من الأساس لأن الاتحادات التي قررت استئناف نشاطها أعلنت أن ذلك سيكون دون حضور الجمهور مما سيفقد أي طعم للمباريات.

لا أحد كان يتوقع أن يعيش العالم مثل هذه اللحظات. في سنوات مضت كان هذا التاريخ إعلانا عن نهاية طبيعية لأغلب الدوريات في العالم، وكانت الجماهير قد استمتعت بموسم كروي وتستعد إما لدورة دولية أو لراحة صيفية في البحار، لكن فيروس كورونا غير كل شيء في حياة النّاس خاصة أن أغلب التقارير تشير إلى أن الملاعب لن تستعيد حماسها الجماهيري كما هو معتاد في الفترة المقبلة وربما حتى لسنتين قادمتين.