تشهد العلاقات المغربية التونسية أزمة دبلوماسية، على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، في إطار منتدى التعاون الياباني - الأفريقي (تيكاد). ولمتابعة مستجدات هذا الملف أجرت بوابة إفريقيا الإخبارية هذا الحوار مع الباحث المغربي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالله أبوعوض الحسني، وإلى نص الحوار: 

- الروابط التاريخية تجعل المغرب في خضم المسؤولية اتجاه تونس من حيث المساعدة الأمنية.

- الشعوب العربية توحدها أشياء كثيرة ويفرقها نفاق السياسة.

- المغاربة على مرّ التاريخ يتساهلون في كل شيء ولا يتنازلون عن شبر من وطن.

- العالم يعرف لغة جديدة في التعامل مع القارة الإفريقية.

بداية ما أسباب الأزمة المغربية التونسية؟

بكل صراحة لا زال المغرب مستغربا من تصرف الرئيس قيس سعيد رئيس تونس الشقيقة بشعبها، عندما قام بتمثيلية استقبال وفد كان بمطار تونس، ثم صعد للطائرة ثم نزل كوفد رسمي يمثل عصابة مخيمات تندوف بالجزائر، هذا الاستقبال جاء في إطار تيكاد القمة الإفريقية اليابانية، وهو ما سبب أزمة بين البلدين باستدعاء السفيرين للتشاور، لكن هذه المسألة تزامنت مع خطاب ملك المغرب الأخير الذي جعل مقياس الصداقة والتعاون بين المغرب وبلدان العالم، مشروط بعدم المساس بالوحدة الترابية للمملكة، فكانت المفاجأة التونسية للمغرب، هذا الاستقبال الأرعن سياسياً، لأن انعكاساته على البلدين ستكون مضرة بمصلحة الشعب التونسي في هذه المرحلة، أكثر من المغربي، لأن تونس في حاجة ماسة للاستقرار الداخلي ورهانات التغيير السياسي واستراتيجية الإصلاح التي تدفع تونس لا محالة إلى أن تكون في توافق تام مع بلدان الجوار ثم بلدان المغرب العربي وباقي العالم العربي خاصة.

وبذلك فسبب الأزمة المفضية إلى المقاطعة، سببها الذي استنكرت له اليابان ومجموعة من الدول المشاركة، هو مشاركة غالي برمزيته الانفصالية وتمثيليته للمخيمات بتندوف، مع دول ذات سيادة.

كما يطرح السؤال حول الدور الوظيفي لهذا الوفد في العمق الإستراتيجي لليابان، في محاولتها تأسيس رؤية اقتصادية وسياسية مشتركة بينها وبين الدول الإفريقية، ليكون الجواب المباشر، أن هذا الوفد كما استنزف ميزانية الشعب الجزائري الشقيق، جاء ليضر بمصالح الشعب التونسي الشقيق، ويعثر تطلعات اليابان في إفريقيا.

-ماذا عن أبعاد تلك الأزمة وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية على الدولتين والمنطقة؟

مما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأزمة سيكون لها الأثر البليغ على العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، فمن الناحية الاقتصادية بدأت تتعالى أصوات المقاطعة، حيث دعا رئيس نادي المستثمرين المغاربة بالخارج، مقاطعة كل المعاملات الاقتصادية، علما أن المغرب وتونس، تعرف حجم مبادلات تجارية جد مهمة، تجعل منها شريكا مهما في النمو الاقتصادي المغاربي، وهذه المقاطعة، أن استقرت بسبب هذه الأزمة ستضيق على الاقتصادين معا لكن من زاوية ضيقة بالنسبة للمغرب، أما تونس فمعدلات التضخم وعدم استقرار السوق والاقتصاد الداخلي منذ حراك 2011 لا زالت تداعياتها لحد الآن تعصف بالاستقرار الاقتصادي التونسي.

وأما السياسية، فيمكن القول أن ما كان يحاضر حوله الأستاذ الجامعي قيس سعيد قبل أن يصبح رئيساً، وهو مشروع الوحدة المغاربية، المغرب العربي الخماسي الدول (المغرب، موريتانيا، الجزائر، تونس، ليبيا) صار في خبر كان، لأن كرسي الرئاسة خضع لإملاءات واهمة حول دعم الاستقرار من خلال دولة الجزائر، ودولة أوروبية لها يدها في الموضوع لإرباك استقلالية المغرب في انفتاحه الإستراتيجي على الدول العظمى، دون الخضوع للضغوطات الخارجية، وكذلك علاقات المغرب المستقبلية حول سياسته (جنوب جنوب) دفعت هذه الدول أن تلعب بورقة تيكاد مع تونس للمساس بالمغرب كتهديد مبطن حول قضيته وترسيخ رؤيتها من خلال استدعاء إبراهيم غالي.

أما من الناحية الأمنية، فالمغرب شريك فعال للسياسة الأمنية الأوروبية، وعضو في الكثير من المؤسسات الدولية التي تعنى بمكافحة الإرهاب، ما يعني أن له قدما راسخا في الخبرة الأمنية، والدولة التونسية رغم عدم وجود شراكة أمنية واضحة مع المغرب، إلا أن الروابط التاريخية بين البلدين تجعل المغرب في خضم المسؤولية اتجاه تونس من حيث المساعدة الأمنية في ترسيخ الاستقرار الأمني الداخلي، وبعد هذه الأزمة لا أرى بوادر للاستمرار في المجالات الثلاث، لأن تونس مسّت أهم مرتكز في قضايا المغرب الوطنية.

-برأيك.. ما مدى تأثير تلك الأزمة على الروابط والعلاقات بين الشعبين المغربي والتونسي؟

لا يخفى أن الروابط والعلاقات بين الشعبين المغربي والتونسي هي ترجمة حقيقية للروابط بين كل الشعوب العربية التي توحدها أشياء كثيرة ويفرقها نفاق السياسة، وبتتبع ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي، نلمس نقمة من الطرفين المغربي والتونسي حول هذه الخطوة السياسية التي جسدتها الرئاسة التونسية، وأنها تمثل من قام بها واقتنع بخطواتها.

والشعبين المغربي والتونسي لن تذوب علاقتهما ما دامت الروابط التي جمعت بينهما ذات امتداد أقوى من السياسة، تضرب بجذورها في عمق التاريخ.

ولا ننسى أن هناك من سيرى في هذه الخطوة من الشعب التونسي، أنها تتوافق مع قرارات الأمم المتحدة، وسيغلب الشق المرتبط بالقانون الدولي، والدفاع عن موقف الحياد الذي لم يعد كذلك منذ زيارة إبراهيم غالي، إلا أنه استثناء مقارنة بقناعة الغالبية العظمى من الشعب التونسي التي تدعم الوحدة المغاربية.

-هل رد تونس مقنع؟

رد تونس مخجل، ويؤكد قناعة الإقدام على هذه الخطوة، واعتماد مقاربة الأمم المتحدة من دولة شقيقة تشترك في الدين واللغة والتاريخ والمقاومة، عار مدون في تاريخها، حيث أنه لم يعد للدول الأجنبية التي لا زالت تصعد مع المغرب في وحدته الترابية أدنى حرج في الدود عن مصالحها بناء على استثمار قيادات مخيمات تندوف بالجزائر، لاستخدامهم كعملاء ذاتيين لخدمة أجندتهم المصلحية.

وللإشارة أنه إذا كانت أبشع مظاهر حقوق الإنسان حاضرة في المخيمات، فإن تلك الدول تستثمر قيادة المخيمات باسم القانون الدولي لمصالحها.

-من وجهة نظرك.. كيف يمكن حل الأزمة؟

الأزمة مشتركة بين الداخل في تونس وبين الخارج في العلاقات المغربية التونسية، من حيث الداخل التونسي ليس هناك أدنى شك أن تونس تستحق الأفضل من حيث القيادات السياسية التي تجعل من مسيرة التنمية، إعادة الريادة الاقتصادية والسياسية التي كانت تونس دائما حاضرة فيها، ومن حيث الخارج في العلاقة مع المغرب، فالمغرب عبر عن استيائه لهذا السقوط السياسي، لأنه اعتبر أن الموضوع خاص بقناعة القيادة التونسية، وأنه لا يلمس ولو جزءا يسيرا من وحدته الترابية وإيمانه الجهادي بحماية وحدته الترابية، فالمغاربة وعلى مرّ التاريخ يتساهلون في كل شيء ولا يتنازلون عن شبر من وطن.

-ما السيناريوهات المتوقعة خلال الأيام المقبلة؟

السيناريوهات المقبلة في نظري تختلف حسب المتغير الدولي الذي بدأ يفرض سياسات جديدة متعددة الأطراف، تلعب على القطبيات المختلفة.

وتونس قطبيتها من وراء استقبال إبراهيم غالي، قد حددت مسارا إفريقيا من خلال الجزائر وجنوب إفريقيا أساسا، وعالميا من خلال الامتداد الروسي في نفوذه داخل إفريقيا، أما فرنسا فهي الغائب الحاضر في تحركاتها الماكرونية التي بدأت ترسخ ثقافة النفوذ الفرنسي داخل المغرب العربي باللعب على ازدواجية المواقف، وهو ما سيبعثر أوراقها لا محالة، لأن العالم يعرف لغة جديدة في التعامل مع القارة الإفريقية.