في الثامن من أيلول من كل عام تحتفي دول العالم، وتلتقي مع المنظمات والهيئات الدولية للتخلص من مشكلة الأمية، كل ذلك احتراماً و إجلالاً للعلم والمعرفة، هذا اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة عن طريق منظمة اليونسكو أول مرة عام 1966 لما تمثله هذه المشكلة من تحديات خطيرة تواجه المجتمع الدولي وتقف عائقاً في طريق النهوض الحضاري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات.

لقد كان لافتًا أن يتزامن الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية، مع انتشار جائحة "كوفيد-19"، والأرقام المعبر عنها من قبل الأمم المتحدة تعتبر مفزعة، حيث إن عدد الأميين البالغين في العالم بلغ حاليا نحو 800 مليون، وأن قرابة 260 مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس. وأشارت الأمم المتحدة إلى أن هناك "أزمة مثيرة للقلق" في التعليم، على الرغم من أن من بين أهداف المنظمة الأممية للعام 2030 "ضمان توفير تعليم شامل وجيد للجميع وتعزيز التعلم مدى الحياة".

وعلى المستوى العربي فواقع الحال يؤكد على أن الأمية مازالت مرتفعة في المنطقة العربية، فقد   أظهرت إحصائيات "ألكسو" لعام 2018، بأن معدلات الأمية في الوطن العربي وصلت لـ21 في المائة وهو مرتفع عن المتوسط العالمي والذي يبلغ 13.6 في المائة. وهذه الأرقام قابلة للارتفاع في ظل الأوضاع التعليمية التي تعانيها بعض الدول العربية بسبب الأزمات والنزاعات المسلحة والتي نتج عنها عدم التحاق قرابة 13.5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي بين متسربين وغير ملتحقين. كما تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الأمية لدى الذكور في الوطن العربي هي في حدود 14.6 في المائة، بينما ترتفع لدى الإناث إلى 25.9 في المائة، وتتراوح نسبة الإناث الأميات في عدد من دول المنطقة بين 60 و80 في المائة. وتعود هذه النسبة التي تعد الأعلى عالميا إلى عوامل مركبة يتداخل فيها الثقافي (التقاليد والأعراف وثقافة الأسرة الذكورية المحافظة…) مع الاجتماعي (الزواج المبكّر والتفكّك الأسري والطلاق…) والاقتصادي (المنوال الاقتصادي المحلي والفقر والبطالة وظروف العيش والمستوى التعليمي لأولياء الأمور والمحيط عموما).

تعد مشكلة الأمية من أخطر المشكلات على المجتمعات، فهي تحول دون تقدمها وتطورها، وخطرها ليس محصورا بمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإنما يتعدى جميع المجتمعات في العالم، وإن كان هناك تفاوت في نسب انتشارها، وطبيعة الأمية التي تعاني منها هذه المجتمعات، حيث منها أصبح يحصر الأمية في الجهل في استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة كالحاسوب والإنترنت وغيرهما من مستجدات العصر ومخترعاته، ومنها يرى أميته في عدم قدرة الفرد على توظيف مهارات القراءة والكتابة في حياته اليومية.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول العربية في سبيل مواجهة الأمية والقضاء عليها، إلا أنه لا تزال هناك نسب متفاوتة بين دولة وأخرى، وهو ما تعمل على خفض نسبه ومعدلاته، إدراكًا منها لخطورة الأمية في اعتراض سبيل الناس إلى التقدم بأنفسهم من حيث القراءة والكتابة والفهم والتعامل مع مخترعات العصر وإفرازاته، ومواكبة عالم المعلومات الذي تتسارع حركته، والذي يضيف كل يوم شيئًا جديدا في مجال التقنيات والاتصالات والتحديث في وسائل الإنتاج، والسعي نحو رفع مستوى القدرات وتوظيف الطاقات وتوجيهها الوجهة السليمة المستندة إلى المعرفة والعلوم والإدراك والوعي بطبيعة الأشياء وحقائقها، ومتطلبات الحياة بوجه عام.

ليست خافية على أحد الأسباب التي تؤدي إلى الأمية وانتشارها، والتي تتمثل في الزيادة السكانية المطردة، وضعف البرامج التعليمية، ومناهج التعليم، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والاضطرابات السياسية على النحو الذي برز بصورة واضحة وخطيرة في الكثير من الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار رغم أنها كانت وقبل استهدافها بالفوضى تسير في الاتجاه الصحيح نحو التخلص من الأمية، وكذلك من الأسباب عدم المساواة في الفرص التعليمية المتاحة، وعدم إتاحة مجانية التعليم وبالتالي عدم قدرة الأسر على إدخال أبنائها في منظومة التعليم، وعدم فاعلية البرامج التعليمية المخصصة للكبار، بالإضافة إلى ظاهرة التسرب من المدارس، وعدم ربط التنمية التربوية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من الأسباب التي لا تزال موجودة لدى الكثير من الدول.

وأمام هكذا واقع، فالضرورة تفرض على الدول العربية، تكثيف الجهود بشفافية أكبر، فإن انخفضت الأمية الأبجدية، فبالضرورة أن الأمية الثقافية والتقنية وبشكل عملي مازالت عالية... ومن هنا يأتي الحديث عن التحديات التي يمكن أن يواجهها العالم العربي، ومن أبرز تلك التحديات، الشفافية في الإحصائيات العربية، في حين أن المنظمات الأممية عادة تأخذ بياناتها من الحكومات في الدول سواء كانت عربية أو غير عربية... ولذلك فإذا اعتمدت الدول العربية مبدأ الشفافية في التعامل مع الأمية وأرقامها وإحصائياتها، فإنها بلا شك سوف تنجح في وضع الحلول الشفافة للعدد الحقيقي للأميين، وبالتالي ستتمكن من الوصول إلى حلول جذرية وحقيقية للأمية في كل دولة من تلك الدول.
 
أما التحدي الثاني فيكمن في مدى قناعة الدول العربية بأولوية محاربة الأمية واعتبار أنها لا تقل أهمية عن أولويات التعليم قبل المدرسي والمدرسي للفئات العمرية الصغيرة السن، في حين أن التماثل في الجهود لتعليم الأميين ومن هم في العمر المدرسي رغم الكلفة المالية الكبيرة، إلا أنه سيحقق نتائج إيجابية وسريعة، فضلا عن أن الحروب وعدم الاستقرار السياسي هو التحدى الأكبر لجهود محو الأمية.
 
أما الفرص، فهي حقا متوفرة ومتعددة، خصوصا وأن كافة دول المنطقة العربية مهما كانت ظروفها الاقتصادية صعبة، إلا أنها تحرص على توفير المدارس لمن هم في مراحل التعليم المدرسي، وهي مدارس مجهزة بمختلف متطلباتها من كوادر تدريسية وأثاثات وأدوات وغيرها، وبالتالي ومن الواضح أن جهود محو الأمية أمامها بنيات تحتية متوفرة ومتكاملة رغم مشاكلها، وبالتالي عليها الاستفادة منها بالقليل من الجهد التوعوي وتوفير الموارد المالية اللازمة لنفس المعلمين للقيام بدور محو الأمية. ومن بين تلك الفرص أيضا، هو المناخات الثقافية المتميزة التي تمكنت الفئات المتعلمة بمختلف أعمارها من توفيرها وسط المجتمعات العربية، حيث أسهمت تلك الفئات أي القطاعات المتعلمة بسلوكها الإيجابي المتحضر من خلق قناعات جاذبة للتعليم وللرغبة في التعلم من جانب من يعانون الأمية، ولذلك يمكن أن تلعب هذه المناخات دورها في الدفع بالأميين نحو الاستفادة من جهود محو الأمية... آملين في أن تنعم المنطقة العربية بالمزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي هو أساس نجاح أي جهود لبناء الإنسان.