اليوم العالمي للمرأة في ليبيا يختلف حضوره عن باقي الدول. فالمرأة الليبية تجد أن احتفالها به ناقص، لما تعانيه من الاضطهاد ومن انتقاص لحقوقها.

إن وصول معمر القذافي إلى الحكم في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1969 لعب دوراً في تحديد ملامح جديدة لتطور حال المرأة الليبية، إذ فتحت التشريعات الجديدة الباب للمرأة لاقتحام أبواب العلم والخدمة الاجتماعية، بما في ذلك انتسابها إلى قوى الأمن والجيش في البلاد. 

لكن بعد أحداث فبرايرو سيطرة الإسلاميين على جزء مهم من المشهد الليبي، وجدت المرأة الليبية نفسها مبعدة تماما عن المشهد السياسي وحتى الاجتماعي والثقافي في ظل وضع أمني متأزم وفوضى الميليشيات المسلحة.

ولكن إذا أردنا مقارنة وضع المرأة الليبية في مرحلة حكم القذافي بوضعها في ما بعد سقوط  نظام الحكم عام 2011، يمكننا القول كانت المرأة الليبية في أثناء حكم القذافي تتمتع بحريةٍ وأمنٍ نسبيين، وتعدُّ من أفضل النساء في العالم العربي وفقاً للإحصاءات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وقد ظهر أول تراجع عن حقوق المرأة ودورها الاجتماعي من خلال ما أعلنه السيد مصطفى عبد الجليل من رفع القيود القانونية القائمة على تعدد الزوجات. 

وقد لاقت قرارات الإسلاميين بحقّ المرأة وحرياتها وحقوقها انتقادات واسعة لدى جمهور النساء الليبيات. وقد تبيّن أن المرأة الليبية بعد الثورة على نظام حكم القذافي خسرت كثيراً من مواقعها المتقدمة السابقة في المشاركة في الشأن الوطني العام. إذ إن الإسلاميين رفعوا شعاراتٍ رنانةً تثني على المشاركة الفاعلة للمرأة الليبية في الثورة، وتعدها بحرياتٍ وضماناتٍ دستورية أكثر، وتمثيلٍ برلماني أكبر، ولكنها لم تجد سوى الوعود.

الناشطة الليبية والمحامية نيفين الباح تتهم الإسلاميين بالسطو على الحريات والحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة الليبية قبل سقوط القذافي، وتقول إنها أجبرت على اللجوء إلى مصر بعد أن هددتها جماعات إسلامية متشددة بالتصفية الجسدية بسبب مواقفها الداعمة لحقوق المرأة وانتقادها سياسة الإسلاميين.

لم تخف الباح استياءها من تصريحات سابقة لرئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل مباشرة بعد تسلمه مقاليد السلطة في ليبيا، حين أعلن "رفع القيود القانونية القائمة على تعدد الزوجات" والتي فرضها القذافي، بحجة أن تلك القيود ضد الشريعة الإسلامية.

في هذا الإطار،فقد أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا بعنوان "ثورة للجميع: حقوق المرأة في ليبيا الجديدة" في آيار/مايو 2013.

ورصد التقرير شهادات حية لحقوقيات ليبيات أكدن دعمهن أحزاب بعينها خلال الانتخابات البرلمانية الليبية في 2012 بعد تبنيها شعارات تنادي بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، لكن بمجرد انتهاء الحملات الانتخابية وقع التخلي مباشرة عن خدماتهن وأقصين من الحياة السياسية.

لقد حيّت الأمم المتحدة في تقرير صادر عنها بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يصادف في 8 مارس/ آذار عام 2014 الدور الذي لعبته المرأة الليبية إبان الثورة، كما حيّت مشاركتها في انتخابات لجنة الستين المكلّفة بإعداد الدستور في بداية المرحلة الانتقالية التي بلغت نسبتها 40,8 في المئة.

وعلى الرغم من ذلك فإن المرأة الليبية باتت تحذر المجاهرة برأيها في موضوع سياسي وطني، لأنها إن عبّرت عن هذا الرأي، وكان رأياً مختلفاً عن آراء جماعات سياسية أو قبلية، فإنها ستتعرض إلى حملاتٍ تنال من سمعتها وكرامتها الإنسانية، وتحديداً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تُظهرُها بمظهرٍ مشوه. وقد تعمد إلى تهديدها بحياتها وحياة عائلتها.

يرى مراقبون أن المرأة الليبية التي نجحت في تطوير قدراتها العلمية والبحثية، ودخلت في سوق العمل، لم تستطع أن تزيد من نسبتها في هذه السوق. فهذه النسبة ما تزال منخفضة بسبب الأوضاع الاجتماعية التي تشكل حاجزاً أمام عملها. إذ ما يزال التمييز بين الجنسين قائماً، وتحديداً النظر إليها بوصفها ذات قدرات عمل منخفضة.

فالقوانين الليبية المتعلقة بحماية حقوق المرأة ، تفصح عن وجود تشريعات وطنية عمالية مبنية على مبدأ المساواة والتكافؤ, وهذه التشريعات تمنح مزايا مهمة للمرأة لكن مشكلة المرأة الليبية لا تتعلق بالقوانين والتشريعات، وإنما تتعلق بوعي المجتمع الذكوري، وتقبله لهذه القوانين والتشريعات والعمل بها.

وبالرغم من تعالي الأصوات من داخل ليبيا وخارجها للمطالبة بمزيد من الحريات والحقوق المدنية، يبقى مستقبل المرأة الليبية رهين ما ستؤول إليه البلاد في ظل تناحر سياسي وعسكري مفتوح على كل الاحتمالات.