تحل غدا الذكرى الأولى لإطلاق عملية « طوفان الكرامة » التي قال الجيش الوطني الليبي أنه يهدف من خلالها الى تحرير العاصمة طرابلس من براثن الميلشيات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية ، ففي فجر الرابع من ابريل 2019 سيطرت قواته بخاطفة على مدينة غريان ، ذات  الموقع الإستراتيجي الرابط بين الجنوب والساحل ، ثم إتجهت الى الضواحي الجنوبية لطرابلس ، لتحرر أغلبها ، ولتدخل في معارك طاحنة مع ميلشيات حكومة فائز السراج

جاء « طوفان الكرامة » في سياق وضع ميداني متأزم بالعاصمة ، حيث شهدت ضواحيها الجنوبية والغربية سلسلة من المواجهات بين اللواء السابع بترهونة وحلفائه من جهة وميلشيات الوفاق من جهة ثانية ، وخاصة في سبتمبر 2018 ويناير 2019 ،وذلك كردة فعل على إتساع دائرة الفساد الميلشياوي وسيطرة أمراء الحرب على القرار السياسي والإقتصادي ، وعلى النشاط المالي وسوق العملة ، والإعتمادات المستندية الصادرة عن المصرف المركزي

كما جاءت عملية الجيش ردا على تراجع فائز السراج على إتفاق أبوظبي بينه وبين المشير خليفة حفتر في 28 فبراير 2019 ، والذي إنتظم تحت إشرف الأمم المتحدة ، وأفضى الى خارطة طريق للحل السياسي من بين بنودها تشكل مجلس عسكري مضيق ، وحكومة وحدة وطنية ، ودخول الجيش الى العاصمة بشكل سلمي ، وحل الميلشيات وجمع السلاح ، إستعدادا لتنظيم إنتخابات برلمانية ورئاسية ، لكن إخوان ليبيا سارعوا للإستنجاد بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني الذي دعا السراج على عجل الى الدوحة ، ليأمره بالرجوع عن الإتفاق ، وهو ما تم فعلا

كان الجيش الليبي قد بسط نفوذه على إقليم فزان بالكامل من خلال العملية التي أطلقها في يناير ، بينما كانت بعثة الأمم تعد لماسمي بالمؤتمر الجامع في غدامس ، وصرح المشير حفتر بأن الحل السياسي في طريقه الى التحقق على الأرض ، لكن تراجع السراج ، فرض على القيادة العامة تغيير إستراتيجيتها ، فحكومة الوفاق عاجزة عن إتخاذ أي قرار ، كونها خاضعة لنفوذ الميلشيات وسطوة الإخوان وللتدخل القطري التركي السافر

اليوم وبعد مرور عام على إطلاق « طوفان الكرامة » تتعدد القراءات ووجهات النظر حول نتائجها ، غير أن المؤكد أن الجيش سجل نقاطا مهمة على الصعيد الميداني ، ومن ذلك وصول قواته الى أحياء داخل العاصمة ، وسيطرتها على أغلب الضواحي الجنوبية ، وتحول مدينة ترهونة الى مركز مهم للقيادة القيادة العامة ، وتأمين المدن المحررة مثل صرمان وصبراتة ، وبسط نفوذ القوات المسلحة على أغلب مدن الشريط الحدودي مع تونس كالجميل ورقدالين والعسة والعجيلات ، وتحرير مدينة سرت في وسط البلاد ،

كانت القوات المسلحة قد إقتربت من وسط طرابلس  في ظل إنهيار الميلشيات ، ووجد فائز السراج نفسه معزولا إقليميا ودوليا ، عندما إستدرجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتوقيع على مذكرتي تفاهم في 27  نوفمبر 2019 ، الأولي تتعلق بالمنطقة البحرية الخالصة التي تخدم أطماع تركيا في المتوسط ، والثانية حول التعاون الأمني والعسكري بما يبعث الأمل في حكومة طرابلس عبر دعمها بالخبراء والعسكريين الأتراك والمرتزقة المستقدمين من شمال سوريا وشحنات السلاح  والذخيرة

أبدى  أردوغان في مناسبات عدة أطماعه الأمبراطورية في ليبيا ، وحاول أن يذكر بدور أجداده العثمانيين في أراضيها ، وعمل على أن يركب صهوة الشرعية الدولية المترهلة لحكومة السراج ، لإبتزازها ونهب ثروة الليبيين ، لاعبا على أوتار التاريخ والنزعات الجهوية والعرقية لبعض مكونات المجتمع ، الى أن إتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعلان هدنة في طرابلس ، بدأت فعليا ففي 12 يناير ، لتسبق مؤتمر برلين المنعقد في 19 يناير والذي أطلق جملة من المخرجات السياسية والعسكرية بدت غير قابلة للتطبيق الفعلي بسبب تعنت الميلشيات ورغبة أردغان في إعادة الجيش الى مواقع تمركزاته قبل الرابع من ابريل 2019 بهدف بسط نفوذه على إقليم طرابلس التاريخي ، ما دفع بالمبعوث الأممي غسان سلامة الى الإستقالة من منصبه في الثاني من مارس الماضي

واجهت الفعاليات الشعبية الليبية  تبعية السراج لأطماع أردوغان ، والتآمر الإخواني الميلشياوي، بغلق الحقول والموانيء النفطية منذ 17 يناير الماضي ، فكانت تلك الضربة قاصمة لظهر المشروع التركي القطري ، وداعمة لموقف القيادة العامة للجيش، لكن لا بد من الإعتراف بأن فترة الهدنة  فسحت  للأتراك مجالا لنقل المزيد من  المرتزقة والأسلحة ، وتشكيل غرف عمليات في طرابلس ومصراتة ، ومنصات لإطلاق الطائرات المسيرة ، وإعداد خطط جديدة للمواجهات في المحاور ، ففي الوقت الذي أبدت فيه القيادة العامة إلزامها بالهدنة الأولى ثم بالهدنة الإنسانية بسبب فيزوس كورونا ، كان مرتزقة أردوغان وميلشيات السراج يجيشون لمعركة الحسم بالنسبة لهم ، سواء في طرابلس أو في طوق مصراتة ، ليظهر أول أمس الأربعاء ، ظهر عامل جديد في المواجهة يتمثل في وحدة بحرية تركية  متحركة قبالة الساحل الغربي الليبي  تهدف  أولا لمنع قوات الجيش من دخول مدينة زوارة التي يطوقها من الجنوب والغرب والشرق ، وثانيا لإعلان تحديها لعملية إيريني التي يديرها الاتحاد الاوروبي لمراقبة تنفيذ قرار الأمم المتحدة بمنع توريد السلاح الى ليبيا

اليوم ،وبعد عام من إطلاق عملية  طوفان الكرامة ، لم يعد أمام الجيش الليبي إلا أن يحسم المعركة ، حتى لا يترك للطرف المقابل  مزيدا من الوقت يستغله في التجييش والتسليح وتحويل طرابلس الى ثكنة تركية على الضفة الجنوبية للمتوسط ، فقد أثبتت التجارب أن لا عهد ولا ميثاق للميلشيات ولا للإخوان ولا للحكومة السراج ولا لراعيها التركي ولا لحليفها القطري