مازالت الأوضاع الأمنية المتردية تلقي بظلالها على العاصمة الليبية ،التى يعاني سكانها من ظروف معيشية وأمنية صعبة،في ظل انتهاكات الميليشيات المستمرة،التي تسيطر على مؤسسات الدولة وتخنق العاصمة وسكانها منذ سنوات في وقت يستمر فيه عجز حكومة الوفاق ما جعلها في مرمى الانتقادات الأممية.
الى ذلك،اعترف المبعوث الأممي في ليبيا، غسان سلامة،بسيطرة المليشيات المسلحة على العاصمة الليبية طرابلس،في اعتراف ضمني بعجز حكومة الوفاق التي تتحدث باستمرار عن سيطرتها على الأوضاع الأمنية في المدينة ومحاولاتها التأكيد أمام المجتمع الدولي بعدم شرعية هجوم الجيش الليبي الهادف الى تحرير العاصمة من نفوذ المليشيات.
وأكد المبعوث الأممي في ليبيا،أن الميلشيات في طرابلس، قوضت عمل حكومة الوفاق الوطني، وأنها ليست وليدة اللحظة.ودعا سلامة، في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى معالجة ظاهرة المليشيات المنتشرة في العاصمة طرابلس منذ أعوام، مشيرا إلى أن هناك رغبة في ليبيا، لتوحيد الجيش والشرطة.
وتعاني العاصمة الليبية من سطوة المليشيات المسلحة التي تمارس كل أشكال الجرائم والانتهاكات في حق المواطنين دون حسيب ولا رقيب.وأظهر مقطع فيديو نشر خلال اليومين الأخيرين مسلّحين يترجّلون من سيارة في شارع مزدحم بالمارة والسيارات، قبل أن يقوم أحدهم برفع سلاحه ويبدأ في إطلاق الرصاص على رأس شاب،ليسقط الأخير غارقا في دمائه، ثم واصل المسلحون الانطلاق بسيارتهم على مرأى من الناس المتجمعة في المكان.
وكشفت تقارير اعلامية أن مرتكب الجريمة هو نجل أحد قيادات جماعات فجر ليبيا المتواجدة بمدينة الزاوية الليبية.وأشار متابعون للشأن الليبي أن هذه الحادثة أثبتت بما لا يدع للشك حالة الانفلات الأمني الذي تعيشه العاصمة الليبية ومدى تغول المليشيات التي لا تتردد في ممارسة جرائمها في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع دون مساءلة في ظل غياب سلطة الدولة.
وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج،أقرت بوجود انفلات أمني في العاصمة تسبب في انتشار الإرهاب في طرابلس الذي يهدد حياة المدنيين، وأعلنت عن انفلات أمني ترتّب عنه وقوع جرائم يومية ترتكبها مجموعة من الخارجين عن القانون، داعية إلى الإعلان عن حالة طوارئ.وأكدت الوزارة ، أن المتهم بجريمة قتل الشاب رشيد صالح البكوش رميا بالرصاص وإصابة شقيقه موسى، تم تسليمه إلى مديرية الأمن الزاوية، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
  وقلل مراقبون من جدية بيان وزارة داخلية الوفاق معتبرين أنها عاجزة عن ارساء الأمن وفرض سلطة القانون أمام المليشيات المسلحة التي تسيطر على دواليب السلطة في طرابلس.ويستشهد هؤلاء بجرائم سابقة من قتل وخطف واغتيال شهدتها المدينة خلال السنوات الماضية ارتكبتها عناصر مليشياوية ومرت دون عقاب.
 وكانت البعثة الأممية قد وجهت في أغسطس من العام 2018،انتقادات لاذعة لحكومة الوفاق متهمة اياها بالتواطؤ عبر وزارة داخليتها مع الميليشيات.وأعربت البعثة حينها عن "إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال الميليشيات"،  الذين يشكلون ما يعرف بـ"كارتيل طرابلس"،  في مقاربة مع وفاق الوطني،  المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال"،  مؤكدة أن"التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور".
ولم تحدد البعثة في بيانها أي أسماء،  ولم تذكر هوية الميليشيات التي اتهمتها بالتدخل في إدارة شؤون البلاد،  لكنها دعت في المقابل حكومة السراج إلى "اتخاذ الخطوات اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية". وأضافت،  أن "الأمم المتحدة ستقدّم تقريراً بهذا الشأن إلى المجتمع الدولي،  وستعمل مع جميع السلطات المختصة للتحقيق في إمكانية فرض عقوبات ضد أولئك الذين يتدخلون أو يهددون العمليات التي تضطلع بها أي مؤسسة سيادية تعمل لصالح ليبيا والشعب الليبي".
وإعتبر مراقبون،  بيان البعثة إعترافا مبطنا بفشل حكومة الوفاق في كبح جماح الجماعات المسلحة الي حاولت شرعنتها. وظاهريًا،  تتبع ميليشيات طرابلس إلى وزارة داخلية حكومة الوفاق،  وتنفذ أوامرها وتدافع عنها من جهة،  من جهة آخرى تمارس كل ما يصب في صالحها،  دون اعتبار لقانون أو عرف أو حقوق إنسان. وتبدأ نشاطات هذه الميليشيات من التجارة غير الشرعية إلى الخطف على الهوية إلى استعباد المهاجرين والمتاجرة بهم،  إلى التحكم في عمليات صرف الأموال من البنوك وقرارات المؤسسات السيادية وحتى ساعات وصول التيار الكهربائي وطرح الأحمال بالقوة.
وتتحالف حكومة الوفاق مع المليشيات في مواجهة الجيش الليبي الذي أطلق منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية بهدف فرض الامن والاستقرار في العاصمة الليبية.وكشفت المعارك الدائرة منذ حوالي سبعة اشهر تعويل حكومة السراج على المليشيات وعلى دول اقليمية على رأسها قطر وتركيا التي تدعمان مليشيات تيار الاسلام السياسي للحفاظ على آخر معاقله في طرابلس بعد هزائمه في شرق وجنوب البلاد.
ومازالت المعارك تراوح مكانها فيما تتواصل الجهود الدولية في محاولة لاحتواء الصراع،وآخر هذه المحاولات تأتي مع مؤتمر برلين الذي تسعى من خلاله ألمانيا للوصول الى تسوية في البلاد.وقال المبعوث الأممي غسان سلامة في ديثة لصحيفة "الشرق الأوسط"، "هناك قناعة أكبر لدى المجتمع الدولي، بعد أن دخلت العملية العسكرية في طرابلس شهرها السابع، أن الحل السياسي في ليبيا، هو العلاج الوحيد لإنهاء الأزمة بين الأطراف الفاعلة"، مشددا على ضرورة تنفيذ اتفاق صارم لحضر السلاح على ليبيا، لضمان إنجاح الحلول السياسية، تحت إشراف دولي".
وأضاف سلامة، أن "المؤتمر الدولي حول ليبيا، التي تسعى المستشارة الألمانية لإقامته في برلين، ستشارك فيه جميع الدول المعنية بالأزمة في ليبيا"، مشيرا إلى أن "إطالة أمد الأزمة، يعود إلى المماطلة غير المجدية، وأن ليبيا المستقرة ستكون أكثر فائدة لكل الدول المعنية لملفها الداخلي". أكد المبعوث الأممي، أن "البعثة تقف مع الشعب الليبي، ولم تنحاز لأي طرف في ليبيا، وعملت على إدارة الأزمة وجمع كل الفرقاء الليبيين، دون إقصاء لأحد".
وقال الناطق الرسمي باسم مجلس النواب الليبي عبد الله بلحيق، في مدينة طبرق شرقي البلاد، اليوم الاثنين،في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية بأن مؤتمر برلين المزمع عقده خلال الفترة المقبلة حول ليبيا خاص بالأطراف الدولية فقط، مشيراً إلى أن الأطراف الليبية غير مدعوة إليه.
وتعقد الآمال على المؤتمر المرتقب بافتراض أنه سيضع بعض الحلول السياسية للخروج من الأزمة الممتدة منذ العام 2011.لكن البعض يرى أن فرص نجاح المؤتمر ضئيلة خاصة في ظل تمسك كل طرف بشروطه التي لا يراها الطرف الأخر مناسبة، أو يمكن تنفيذها، خاصة أن البرلمان الليبي والجيش الوطني متمسكان بعدم وجود المليشيات في المشهد، فيما تتمسك حكومة السراج باتفاق الصخيرات الذي يمنحها الشرعية الدولية دون الشرعية الداخلية حتى الآن.
وكان رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب،طلال الميهوب،أكد إن البرلمان لم تصله أية دعوات بشأن "مؤتمر برلين" الذي يجري التحضير له.وقال الميهوب، وفي تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء،سبتمبر الماضي:"ردنا في لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان؛ هو الرفض الذهاب للمؤتمر لأنه يعطي الفرصة وجرعة الأكسجين لميليشيات التطرف والإرهاب التي يقاتلها الجيش في طرابلس".
وشدد على أنه لن يكتب النجاح لأي مؤتمر يُعقد؛ ما لم تجرد الميليشيات الإرهابية في ليبيا من سلاحها، ويتم القضاء على الإرهاب، وأن أية محاولات في هذا الإطار من شأنها إعطاء الفرصة للميليشيات لإعادة ترميم صفوفها.
وطيلة السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في البلاد،أصرت الميليشيات المختلفة على التمترس فى العاصمة الليبية طرابلس،حيث دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.
ويرى مراقبون،أن أي مبادرات اقليمية أو دولية تهدف للوصول الى تسوية في البلاد يجب أن تركز على ضرورة الشروع فى نزع سلاح الميليشيات فورا،ووقف الممارسات السابقة التى كانت تحتمى فيها بعض القوى المحلية والخارجية بجماعات مسلحة وتوفر لها ملاذا آمنا وتعطيها شرعية تمكنها من البقاء في الساحة فترة طويلة بعيدا عن المحاسبة،ويشير هؤلاء الى أن بقاء المليشيات في المشهد الليبي لن ينجر عنه سوى مزيد من الفوضى والعنف.