نشرت مجلة فوربس الأمريكية اليوم الأربعاء، تقريرا حلول قمة حلف الشمال الأطلسي "الناتو" المنعقدة حاليا في العاصمة البريطانية لندن، مشيرة إلى أن ليبيا تتصدر أجندة أولويات الحلف، وأن مستقبل الحلف مرتبط بما سيحدث في قادم الأيام في الدولة الواقعة في شمالي إفريقيا.

وقالت الصحيفة إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان عصبي للغاية الأسبوع الماضي عندما وصف حلف شمال الأطلسي بأنه "ميت دماغيا"، وحث أعضاء الحلف على عدم الاعتماد على الولايات المتحدة للتوجيه -وهو أمر غير مرجح في أي حال قريبًا-. وجاءت تعليقات ماكرون في أعقاب قرار الرئيس ترامب المفاجئ والأحادي بسحب القوات الأمريكية من الحدود السورية التركية، وهو الأمر الذي سمح لتركيا -عضو في الناتو -بتغلب الأكراد السوريين الحلفاء الرئيسيين للغرب في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.

في حين أن الإجراءات التركية في سوريا تثير قلقًا فوريًا، فأن ليبيا في طليعة المناقشات في قمة الناتو الحالية في لندن. إن ما يحدث بعد ذلك في ليبيا يرتبط على الفور بمصالح الناتو الأساسية بما في ذلك مكافحة الإرهاب، ومعالجة أزمة المهاجرين في أوروبا، والحد من التوسع الروسي في الشرق الأوسط، وضمان المستقبل بعيد المدى للحلف.

وليبيا في حالة اضطراب منذ تدخل حلف الناتو في مارس 2011 الذي أطاح بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والذي حكم البلاد طوال 42 عامًا. في إطلاق عملية الحامي الموحد في ليبيا ناشد حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية وجود قاعدة إنسانية دولية طموحة وهي "المسؤولية عن الحماية". عندها أمل الكثيرون أن تكون ليبيا نقطة مضيئة بين الثورات العربية. لكن نهج عدم التدخل الذي اتبعته الولايات المتحدة وحلف الناتو شجع دولاً مثل تركيا وقطر على توجيه الانتخابات الوطنية في ليبيا لصالح الجماعات ضيقة الأفق والأقليات الإسلامية. وهذا التطور بمجرد أن أصبح واضحًا عارضه معظم الليبيين الذين كانوا عاجزين عن إيقافه. كان هذا هو السياق المباشر الذي أدى إلى هجوم 11 سبتمبر 2012 على البعثة الأمريكية في بنغازي والذي قتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز، وطرد الغرب من بنغازي وسهل استيلاء تنظيم القاعدة على المدينة ثم انتقلت السيطرة إلى تنظيم داعش الإرهابي.

ومع وعد بإنقاذ بنغازي من المتطرفين الإرهابيين أنشأ خليفة حفتر للواء سابق في عهد القذافي الجيش الوطني الليبي الذي حرّر بنغازي من قبضة داعش من تنظيم القاعدة في عام 2016 من خلال حرب استنزاف دموية. ولقد تجاهل المجتمع الدولي حفتر كرجل قوي خر وأيد اتفاقًا سياسيًا صاغته الأمم المتحدة استولى بشكل تعسفي على السلطة من حكومة منتخبة ووضعها في أيدي هيئة غير منتخبة ولا تزال غير مصنفة آملاً أن تصدق على الهجمات الجوية الغربية على الفرع الليبي لتنظيم داعش وأن تساعد على وحل مشكلة المهاجرين. لم يحدث ذلك لم تكن الضربات الأمريكية فعالة إلى حد كبير، ولم تخف أزمة اللاجئين إلا عندما دفعت إيطاليا للمهربين البشر -الذين يعملون في ظل حكومة طرابلس -لإبقاء المهاجرين في ليبيا في ظروف مروعة.

وفي الآونة الأخيرة نقل المشير خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي المعركة من بنغازي والشرق الليبي إلى العاصمة الليبية طرابلس حيث يشنون حرب استنزاف أخرى لكسر قبضة الميليشيا الخانقة. وهنا يظهر مدى الخلاف الداخلي بين حلف الناتو بشكل واضح: يُرى على نطاق واسع أن فرنسا تدعم حفتر. فيما كثفت تركيا من جهودها لدعم ميليشيات طرابلس ضد حفتر، بينما تواصل الأمم المتحدة الدعوة لوقف إطلاق نار غير مشروط يسمح للميليشيات بإعادة تجميع صفوفها. وكما هو الحال في سوريا من غير الواضح أين تقف الولايات المتحدة حيث طرح الديمقراطيون في مجلس النواب مع بعض الدعم من الجمهوريين مؤخرًا مشروع قانون ليبيا الذي يبدوا عليه الصبغة الحزبية -معارضة إيماءات الرئيس ترامب الأخيرة الواضحة لحفتر-وليس السياسة المتماسكة. وفي هذه الأثناء تواصل روسيا والجماعات المتطرفة استغلال فراغ السلطة لتعزيز مصالحها الخاصة.

وحذر العديد من الكتاب والخبراء في بداية الصراع في عام 2012 من أن الناتو سيتعين عليه التعامل مع العقدة الغوردية -أسطورة تتعلق بالإسكندر الأكبر ويستخدم المصطلح عادة للدلالة على مشكلة صعبة الحل يتم حلها بعمل جريء-للميليشيات الليبية عاجلاً أم آجلاً. وبينما يدرك الكثيرون في الغرب ذلك إلا أن القليل منهم على استعداد لذكر ما هو واضح: لقد كان حفتر يقوم بعمل الناتو القذر. إن التغاضي عن هذا الواقع -الآن كما في الماضي-ينطوي على مخاطر كبيرة: إذا تمكن حفتر من السيطرة على ليبيا، فإن الافتراض الشائع هو أن هذه هي النتيجة المفضلة للغرب طوال الوقت، وأن حلف الناتو والغرب سيكونان محدودين النفوذ لما يأتي عقب ذلك.

وقام حفتر بدوره من أجل إبقاء ليبيا بعيدة قليلا عن الهاوية، لكن من غير المرجح أن يوافق الليبيون على حكم يشبه السيسي بعد سنوات من الصراع الداخلي الدامي. كما أنه من غير الواضح ما هو الهدف النهائي لحفتر بالضبط: حتى الآن هو يرفض الحكومة الليبية المنتخبة في المنفى، ويصر على أنه سوف يسلم السيطرة إلى حكومة مدنية بمجرد استقرار ليبيا. يجب أن يعلن التزامه الكامل بهذه التعهد، لكن الانتظار يشجع الأحداث على الأرض لإملاء نتائج أكبر.

وضمن هذه الفوضى وبافتراض أن الناتو قادر على إبراز جبهة موحدة -في الواقع كان هذا هو جوهر تحدي ماكرون-فإن لدى الناتو فرصة غير تقليدية لزيادة زخم حفتر لتحقيق الاستقرار في ليبيا ومعالجة أزمة المهاجرين والتعامل مع الإرهاب والتوسع الروسي دون خلق شقوق جديدة.

وستكون الخطوة الأولى هي وضع شروط قوية ومحددة لتقدم حفتر. يمكن أن يعرض الناتو على سبيل المثال التوسط وفرض وقف لإطلاق النار يوفر للمقاتلين من جميع الأطراف ممرًا آمنًا وحصانة من جميع الجرائم باستثناء جرائم الحرب، ولكن مقابل نزع فوي للسلاح. ويجب عليها أن تلوم تركيا على أعمالها المدمرة في كل من سوريا وليبيا وتمنع التدفق الإضافي للأسلحة والمقاتلين إلى البلاد. وينبغي أن تساعد ليبيا على تشكيل حكومة مؤقتة تكنوقراطية في انتظار انتخابات وطنية جديدة ووفقًا للدستور المؤقت -يبدو أن إجماع شبه داخلي قد ظهر فيما يتعلق بأهمية الدستور الفيدرالي لعام 1963 في عملية وطنية طويلة الأجل التكامل والمصالحة-. وسيكون لهذا فائدة إضافية تتمثل في إنهاء فعلي -مرة واحدة وإلى الأبد-للتصور الخيالي بأن حكومة الوفاق التابعة للأمم المتحدة هي إطار قابل للتطبيق لحل مشاكل ليبيا. وعلاوة على ذلك يجب على حلف الناتو أن يساعد في حماية موارد ليبيا من النفط والغاز وهو أمر مهم لكل من ليبيا وأوروبا للرفاه الاقتصادي، وتشجيع الدول الإقليمية على الاستثمار في تنويع اقتصاد ليبيا في مجالات مثل الخدمات البحرية والسياحة والبنية التحتية الطبية.

وبشكل جماعي تشكل هذه التدابير تطبيقًا متأخرًا للغاية لمسؤولية إعادة البناء التي اعتبرت في الصياغات الأصلية مكونًا لا غنى عنه لأي تدخل من أنشطة المسؤولية عن الحماية.

وعلى الرغم من أزمة هويته الحالية قد يكون الناتو المنظمة الوحيدة التي لا تزال قادرة على تحقيق ذلك...، ومن المفارقات أنه من خلال التغلب على العقبات التي تحول دون اتخاذ موقف موحد بشأن ليبيا، قد يتم تذكير حلف الناتو سبب وجوده.