نشرت مجلة فوربس الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن النزاع في ليبيا، وكيف رغم التأثير الكبير لما يحدث في ليبيا على الدول الأوروبية.

وقالت فوربس إنه أثناء خروج الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي من معقله في سرت في عام 2011 كانت الطائرات المقاتلة الأوروبية - وليس المتمردون المهزومون في ليبيا - هي التي قطعت رحلته. وبمباركة الأمم المتحدة سعت حكومة جديدة إلى توحيد الدولة المضطربة في شمالي إفريقيا لكن السلام لم يدم طويلا. وليبيا الآن في خضم حرب أهلية وهو صراع كارثي اشتعلت فيه التدخلات الأجنبية إلى حد لا يمكن تقديره. ومن بين الأطراف الخارجية يدعو قادة الاتحاد الأوروبي إلى السلام ،ولكن إلى جانب الدول البارزة في المنطقة فإن صوتهم المحوري في السابق نادراً ما يكون يظهر.

وعندما تصاحب ثروة من الموارد الطبيعية حالة منعدم الاستقرار المزمن تكون المصالح الخارجية هي الفائزة. وكذلك الحال في ليبيا. ولعبت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وروسيا وتركيا دورا في الصراع الدائر في ليبيا الدولة الغنية بالنفط ذات الموقع الاستراتيجي.

وأخر المنضمين للمعارك هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ألقى بثقله وراء حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً حيث قدم القوات في "التدريب والاستشارات". أما الآخرون فقد دعموا المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي الذي برز كقوة في شرقي ليبيا في عام 2016 يسيطر الآن على مساحات شاسعة من البلاد.

ودون ضوابط حقيقة لحظر الأسلحة المطبق لكنه غير فعا تتدفق الأسلحة الأجنبية بحرية إلى ليبيا. من الإماراتيين تلقى الجيش الوطني الليبي طائرات بدون طيار هجومية صينية الصنع مما يضمن تفوقه الجوي. كما يعتقد المحللون أن المرتزقة الروس ـ بموافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ـ يعملون على الأرض مستخدمين قذائف المدفعية الموجهة بالليزر، إلا أن الكرملين ينفي أي تورط له.

ولكن على الرغم من سلسلة من المخاوف الاستراتيجية حافظت القوى الأوروبية على بعدها. يبدو أن الخطابة هي الطريق المفضل للقارة  الأوروبية في المضي قدما فيما يخص الأزمة بليبيا، حيث أصدرت هذا الأسبوع سلسلة من المطالب المشتركة لوقف التصعيد. بالنسبة إلى الدول الكبرى في أوروبا فإن ليبيا هي دوامة من المصالح المتبادلة: الهجرة والطاقة والإرهاب، لكن وراء وحدتهم المفترضة انقسامات عميقة.

وإيطاليا وفرنسا على وجه الخصوص على خلاف. وتقف روما -الحاكمة الاستعمارية لمرة واحدة في ليبيا- مباشرة وراء حكومة الوفا قالوطني بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج. وبعد أن تحملوا وطأة أزمة المهاجرين في منطقة البحر الأبيض المتوسط في أوروبا لا يسعى الإيطاليون إلى حكم رجل قوي آخر من شمال إفريقيا، ويفضلون بدلاً من ذلك الوعد بالاستقرار الديمقراطي.

ومع ذلك فإن فرنسا تتماشى بشكل أوثق مع المشير حفتر، وهو نفس وجهة نظر الولايات المتحدة. إذ ترى باريس انه بمثابة ثقل موازن لقوة للإسلاميين في المنطقة. واضعين نصب أعينهم الدرس المستفاد من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على ليبيا ذات يوم مستخدماً أيها كنقطة انطلاق - إلى جانب سوريا والعراق - للأعمال الوحشية والإرهابية في أوروبا.

بعد أن عانت فرنسا من أسوأ الهجمات الإرهابية التي شهدتها القارة لا يمكن أن تلتزم بالعودة إلى الفوضى التي سمحت للتطرف بأن يتفاقم. وبالمثل ، تعتقد باريس أن حفتر يمكنه في الوقت المناسب أن يساعد في علاج تعثر عملية مكافحة الإرهاب الفرنسية في الساحل وهي منطقة مترامية الأطراف جنوبي ليبيا.

ثم بالطبع هناك نفط. وتواجه شركة إيني الإيطالية العملاقة للحفر منافسة إقليمية شرسة من شركة توتال الفرنسية؛ لكن ثروات الموارد الليبية تلعب دوراً أوسع في الصراع. وفي أواخر العام الماضي توصلت تركيا إلى اتفاق بحري مع حكومة الوفاق الوطني في محاولة لتأمين احتياطيات هائلة من الغاز في شرقي البحر المتوسط.  لقد كانت خطوة جريئة تسعى إلى تجاوز الجهود المشتركة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي لتعزيز وصول أوروبا إلى إمدادات شرق المتوسط.

ولا يهتم الرئيس أردوغان بالتصريحات اللأوروبية الرنانة،  متجاهلاً تهديد العقوبات حيث أرسل سفن بحثًا عن رواسب الغاز قبالة الساحل القبرصي. لكنه يعرف بدون إدارة متعاونة في طرابلس سوف تضعف يده بشدة.

ربما هذا ما يفسر دعوة أنقرة وموسكو المتبادلة لوقف إطلاق النار هذا الأسبوع. على الرغم من أنهم على أطراف متعارضة من الحرب فإن كلاهما يستفيد من حالة من الجمود المستمر في السلطة - وهو ما يضمن استمرار النفوذ.

والسؤال الجوهري في هذه الأزمة هو أين هو الاتحاد الأوروبي؟ في هذه المعادلة؟.

المصدر