رغم عدم استقرار الجبهة الداخلية و تصاعد احتجاجات السترات الصفراء على امتداد الجمهورية الفرنسية إلا أن باريس لم تهمل الملف الليبي، حيث كانت فرنسا ولازالت لاعبا أساسيا في الملف الليبي حيث نظمت مؤتمر باريس في مايو 2018 الذي أفرز خارطة طريق بهدف عقد تسوية سياسية إلا أنها لم تنفذ.

وشهدت السياسة الخارجية الفرنسية تعديلات عميقة ،ففي منتصف عام 2017 مع تسلم إيمانويل ماكرون الحكم في فرنسا خلفًا لهولاند، وشرعت إدارته في إجراء مراجعة شاملة للسياسات الخارجية، وبما أن الأزمة الليبية تعد مهمة جدًا بالنسبة إلى باريس، بدأ الحديث فعليًا عن السياسة التي انتهجها الرئيس السابق حيال ليبيا.

من ذلك، تصدر الملف الليبي جدول أعمال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل إلى القاهرة حيث اتفق مع الرئيس السيسي على التعاون المشترك بقوة على مكافحة الإرهاب ودعم الأطراف التي تقاتل الإرهاب في المنطقة، خاصة وأن ليبيا ومصر تكافحان انتشار التنظيمات المتطرفة في القارة الأفريقية.

وشكّل دعم المصالحة الوطنية في ليبيا محورا متفقا عليه خلال القمة، حيث أشار ماكرون إلى أن بلاده تبادلت الآراء مع مصر قبل الإعلان عن بعض الفعاليات والمؤتمرات لدعم المصالحة في ليبيا.

من جانب آخر، جدد المفوض بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، خلال لقائه يوم 27 يناير من العام الجاري، السفيرة الفرنسية لدى ليبيا بياتريس لوفرابير دوهلين، "رغبة الوزارة توطيد العلاقات الثنائية بين ليبيا وفرنسا في المجالات الأمنية» وفق ما نشرته وزارة الداخلية عبر صفحتها على "فيسبوك".

وقالت وزارة الداخلية إن لقاء باشاغا وسفيرة فرنسا لدى ليبيا، الذي عُـقد ظهر اليوم بمقر ديوان الوزارة في العاصمة طرابلس، ركز خلاله باشاغا "على جانب التدريب وتأهيل الكوادر الأمنية التابعة لوزارة الداخلية على كافة الأصعدة".

وأضافت الوزارة أن السفيرة دوهلين، ثمنت من جهتها الجهود التي يقوم بها المفوض بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا "للوقوف على كافة الترتيبات الأمنية للعاصمة طرابلس وضواحيها".

في سياق متصل،كشفت السفيرة الفرنسية   بياتريس لوفرايير دويهلين عن قرب افتتاح مقر السفارة الفرنسية في ليبيا الذي يتوقع بان يكون مع منتصف السنة الحالية الأمر الذي سيعجل بعودة الشركات الفرنسية والحركة التجارية بين البلدين.

ورحب وزير الاقتصاد والصناعة لحكومة الوفاق على العيساوي بقرب افتتاح السفارة وعودة الشركات الأمر الذي سيساهم بشكل ايجابي في الاقتصاد الوطني ،كما وعد بتقديم كافة التسهيلات الممكنة لهذه الشركات أثناء عودتها.

جدير بالذكر أن التحرك الدبلوماسي الفرنسي تراجع في الملف الليبي بسبب احتجاجات السترات الصفراء منذ أسابيع، ومع ذلك فإن ماكرون أبقى حضوره في ليبيا عبر السفيرة الفرنسية لدى ليبيا.

وقالت سفيرة فرنسا إنها تزور المدن الليبية بتعليمات من الرئيس ماكرون، حتى تعاين الوضع على الميدان، وتستمع لأكبر عدد ممكن من الليبيين لتكون الصورة واضحة لدى بلادها.

يرى مراقبون أن فرنسا في عجلة من أمرها لدفع أجندتها المحدودة بليبيا وحشد جميع أصحاب المصلحة المختلفين من الليبيين والدوليين لدعمها. ومع ذلك، فقد أعربت دولٌ مثل الولايات المتحدة وإيطاليا، في الآونة الأخيرة، عن قلقها من إجراء الانتخابات دون وجود أسس دستورية قوية.

من جانب آخر،فإن اهتمام فرنسا بليبيا ينبع من أن الجنوب الليبي يعتبر بوابة لمنطقة الساحل والصحراء ولأفريقيا الغربية الفرنكوفونية، وهي مناطق النفوذ التقليدي لباريس، زد على ذلك أن الجنوب الليبي هو المستقبل النفطي لليبيا وهذا أمر معروف، كونه يحوى احتياطات ضخمة من النفط لم تستغل بعد.