أنتجت ثقافات ما بعد الاستعمار نظريات أعادت النظر في الفكر الغربي العقلاني الذي انطلق من قولة الكوجيطو “أنا أفكر إذن أنا موجود” التي اعتبرت الآخر غير الأوروبي هامشيا ودونيا بل أكثر من ذلك اعتبرته دون الإنسان أي بمثابة قرد، وهنا تظهر النظرية الزنجية التي جاءت لتحرير الإنسان الأسود.

إن الرواد الأوائل لنظرية الزنجية الذين استندوا إلى الحضارة الأثيوبية باعتبارها حضارة منقذة بحسب كتاب فروبينيوس، واعتبر هذا الكتاب السند الرئيسي لرواد الزنوجة الأوائل، إلا أن الكاتب النيجيري وول سوينكا سينتقد طرح الرواد الأوائل للزنوجة لاستنادهم إلى الحضارة الأثيوبية القديمة. سينطلق فانون من أرضية فكرية وهي الماركسية والوجودية وعلم النفس، وسيقوم بتدمير الثنائيات على سبيل المثال: خير-شر، أبيض-أسود، فوقية-دونية.

ولتفكيك هذه الشفرات انطلق من كتابه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” بدأ بقناع اللغة الذي تريد به فرنسا السيطرة على الآخرين، وهنا تكمن علائق القوة إضافة إلى قناع آخر وهو قناع الزواج الذي يحاول تبييض العِرق وهذا يتمظهر داخل كتاب “أنا مارتنيكي” للكاتبة مايوت كابيسيا، إضافة إلى التبعية من خلال هيمنة المستعمر على كل شيء.

إن كل التنظيرات التي انطلق منها أوكتافيو مانوني ستعود عليه بالفشل لأنها لم تجد صدى واسعا بسبب حملها للأخطاء، إن فرانز فانون باعتباره دارسا لعلم النفس استطاع بذكاء خارق أن يكتشف ضعف المستعمر الأوروبي وخاصة في مسألة العنصرية التي قال عنها مانوني بأنها تمارس من طرف طبقات البيض الكادحة الذين يضعون الزنوج أقل منهم، وبأن نخبة المثقفين لا يستعملون العنصرية ضدّ السود.

فرانز فانون يطرح في نهاية كتابه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” سؤالا لأن الأمة التي لا تسأل تموت والسؤال هو الذي يعطيك معرفة أكثر وفكرا أعمق، إن مفهوم المقاومة عند فرانز فانون لا يتجلى في كتابه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” بل يتجلى في كتابه الآخر “المعذبون في الأرض”.

سيكون فرانز فانون هو حلقة الوصل بين رواد الزنوجة الأوائل والآخرين الذين سيعتبرونه مصدرا أساسيا في كتابتهم وليس هذا فحسب بل سيتأثر به مفكرون ما بعد الحداثة وعلى رأسهم إدوارد سعيد، غياتري سبيفاك، وهومي بابا.

*نقلا عن العرب اللندنية