جولة مقتضبة في العاصمة الغينية كوناكري كفيلة برصد تلك الأعمال التجارية المستحدثة التي بدأت تزدهر في مختلف أسواق المدينة.. مواد مطهّرة مقدّمة من صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تواصل غزو المحلاّت والمتاجر، كبديل عن الكساد الذي تشهده الأنشطة التجارية التقليدية منذ انتشار فيروس “إيبولا”.. فبعض تجّار كوناكري ارتأوا استثمار الوباء والمواد المعقّمة التي تقدّمها المنظمات الدولية، للحصول على أرباح مادية هامة، ضاربين عرض الحائط بجملة التوصيات المرتسمة بوضوح على علب المواد، والتي تنبّه إلى أنها تقدّم مجانا، وتحظر المتاجرة بها.
“إيبولا بيزنس″، هكذا يصطلح على تسمية مختلف الأنشطة ذات الصلة بمكافحة الحمى النزفية في العاصمة كوناكري.. كارثة صحية وجد فيها البعض من صغار التجار وغيرهم، فرصة لتغيير مجرى أنشطتهم والاستفادة من الحاجة الملحّة لمنتجات الوقاية من الفيروس.
“فانتا كامارا” بائعة متجوّلة تجوب شوارع كوناكري، محمّلة بقوارير صغيرة تحرص على تصفيفها في حقيبتها بعناية خاصة.. “لقد ارتفعت أرقام معاملاتنا منذ ولوجنا لسوق الكلور، لأنّ الناس مجبرين، في هذه الفترة، على ابتياع هذه المواد، وهذا الأمر يساعد على ازدهار تجارتنا الصغيرة”.. هكذا تحدّثت للأناضول، وهي ترقب بطرف عينها السائل الأصفر والمائل للخضرة.
في سوق “المدينة”، أكبر مراكز التسوّق في غينيا، جلس “تييرنو عبدولاي” أمام محلّه الذي يعجّ بالزبائن.. بدا سعيدا بتلك الجلبة التي تملأ المكان، وبالأصوات المنبعثة من مختلف جوانبه تستفسر عن ثمن الدلاء المعروضة والمرفوقة بصنبور، المطلوبة بشدّة منذ تفشي الفيروس في البلاد.
“عبدولاي” أوضح للأناضول أنه “أينما حللت أو ذهبت في الوقت الحاضر، فإنك ستجد قطعا هذه الدلاء، سواء كان ذلك في مؤسسة حكومية أو خاصة. ويتمّ وصل الصنبور المرفق بها بكيس معبّأ بماء التطهير لغسل اليدين”.
ووفقا للأرقام التي قدّمها التاجر، فإنّ الأرباح المتأتية من بيع دلو واحد قد تبلغ دولارا ونصف الدولار، في حين أنّ نفس العملية لم تكن لتدرّ عليه أكثر من 50 سنتا قبل اندلاع الأزمة الصحية.
وغير بعيد منه، إلتقى مراسل الأناضول “مامادو نيانغ” المسؤول التجاري لشركة “مدار غينيا”، وهي شركة متخصّصة في بيع وتوزيع المطهّرات. وبمجرّد إطلاعه على فحوى الموضوع، فرك “نيانغ” يديه بسرور، وطفق يتحدّث، قائلا “قبل انتشار الوباء في غينيا، لم يكن الإقبال كبيرا على ابتياع مياه التطهير، أما اليوم، فقد شهدت مبيعاتنا ارتفاعا”.
وفي “دونكا” حيث توجد المستشفى الوطنية التي تضمّ مركز علاج فيروس إيبولا، هجر المرضى المكان، مفضّلين التداوي ذاتيا، من خلال الحصول على الأدوية والمطهّرات من “الصيدليات” المنتشرة في كامل المدينة.
“بايلو باه” هو أحد أولئك “الصيادلة” الذين تحوّلوا منذ فترة إلى باعة للأدوية والمطهّرات، بل قد يتطلّب منه الأمر، في بعض الأحيان، وصف الجرعات الواجب تناولها من قبل المريض. “باه” قال، في تصريح للأناضول: “هناك العديد من المرضى الذين يبتاعون من عندي الأدوية والمطهرات”.
ومنذ بداية انتشار فيروس إيبولا في غينيا، شهدت البلاد، بشكل يومي، ولادة العديد من المنظمات غير الحكومية المحلّية، تسعى كلّ واحدة منها إلى الحصول على نصيب الأسد من الدعم المالي للتنسيقية الوطنية للتصدّي لإيبولا، غير أنّ معظمها يفشل في تحقيق هدفه، بسبب عدم حيازته على المعايير الموضوعة من قبل الهيكل الحكومي.
“فودي تاس سيلا” المكلّف بالاتصالات داخل التنسيقية، أكّد أنّه يتلقى يوميا طلبات تمويل كثيرة، حيث بلغ عدد الملفات الواردة على مكتبه 97.
وأضاف “سيلا”، في تصريح خصّ به الأناضول، أنّ “المحافظة على نشاط منظمة غير حكومية في غينيا يتطلّب منا تمويلا بقيمة حوالي 340 ألف دولار، للقيام بحملات توعوية في كامل أرجاء العاصمة كوناكري.. الأدهى من ذلك، هو أنّ مجموعة من الشباب (الغيني) المنتظم ضمن جمعية يبحث عن تمويل بـ 4 آلاف دولار من أجل تسجيل أغنية فردية حول إيبولا”.
ومن أجل التصدّي للمنظمات غير الحكومية التي لا تسعى إلاّ للإثراء، قال “سيلا” إنّه تمّ اتخاذ قرار إسناد بعض المبالغ، غير أنها لم تصرف إلى حدّ الآن”.
في مؤتمر صحفي نهاية الأسبوع الماضي، كشف الدكتور “ساكوبا كيتا”، وهو المشرف على طلبات التمويل في تنسيقية مكافحة إيبولا (حكومية)، للصحافة، أنّه يتلقى باستمرار تهديدات بالقتل، لرفضه معالجة بعض ملفات المنظمات المحلية، مضيفا: “تلقيت رسائل على هاتفه الجوال من مجهولين، هددوني فيها بمهاجمتي في حال رفضي إعطائهم ما يكفي من الأموال لحملاتهم التوعوية، وقالوا إني أهدرت الكثير من الوقت في بحث ملفاتهم”.
ومنذ ذلك الحين، أضحى من الضروري أن يتنقل الدكتور بحراسة اثنين من رجال الدرك، ضمانا لسلامته.
ولفت الدكتور إلى أنّ “الأموال التي تديرها التنسيقية ملك للدولة، وبالتالي لا يمكن تمويل منظمات غير حكومية لا تسعى إلا لتحقيق الإثراء دون أن تولي اهتماما للعمل الميداني”، موضحا أنّ مؤسسته تهدف إلى “الحصول على نتائج الحملات التوعوية وليس على مجرد مامايا (دعاية باللهجة المحلية)”.