رغم البداية المشجعة للمبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة،خاصة مع قبول وترحيب الأطراف الليبية المتنازعة به،الا أنه فشل في الوصول إلى حلول للأزمات،وتحولت البعثة الأممية معه من طرف وسيط دوره خلق مناخ مناسب يدفع الأطراف المتناحرة للتوافق والتشاور، إلى جزء رئيسى من الأزمة الليبية وطرفا فى الصراع وهو ما كشفه تصاعد الانتقادات الموجهة له.

آخر هذه الإنتقادات جاءت على لسان المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي،الذي اتهم في مقابلة مع صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" الفرنسية، مبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة بأنه تحوَّل إلى "وسيط منحاز" في النزاع الليبي.

وانتقد المشير مواصلة سلامة الإدلاء بما وصفه بـ"تصريحات غير مسؤولة"، قائلاً:"لم يكُن هكذا من قبل، لقد تغيّر وأصبح يتحدث بنفس طريقة أولئك الذين يتحدثون عن تقسيم ليبيا أو أن الصراع قبلي". لكنه شدد على أن "هذا التقسيم مستحيل، لأن الليبيين سيظلون موحدين، وستظل ليبيا شعباً واحداً، الباقي مجرد وهم".

وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،قال في إحاطة له بمجلس الأمن أن إن ليبيا باتت قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهلية بإمكانها أن تؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد مضيفا أن رأب الضرر الذي حدث إلى الآن يستغرق سنوات موضحا أن طرابلس كانت تتمتع بقدر من الأمن المتزايد، والأهالي يتمتعون باستقرار ويعيشون تحسناً في الأفق الاقتصادي كما كان المسار السياسي يمضي قدماً على الرغم من العديد من العقبات.

وكشفت احاطة سلامة بحسب العديد من المراقبين عن مغالطات كثيرة أبرزها قوله أن "العاصمة الليبية تتمتع بقدر من الأمن المتزايد"،في حين أن نفوذ المليشيات تعاظم وتزايدت الانتهاكات وارتفع معدل الجريمة والسطو والقتل خارج سلطة القانون.كما تجاهل سلامة في احاطته وجود مرتزقة أجانب وعناصر من "القاعدة" و"داعش" بين صفوف الميليشيات التي تقاتل إلى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الليبي،وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول نوايا المبعوث.

إحاطة سلامة وصفها الجيش الليبي بأنها محاولة من سلامة لحل مشكلة تنظيم "الإخوان" في ليبيا، بدلا من حل مشكلات الليبيين، وعدم تطرقه للعصابات الإجرامية التي نهبت ثروات الشعب الليبى.وقالت غرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى،في بيان صحفى،الأربعاء،أن هدف قوات الجيش الليبى من معركة طرابلس هي تحرير طرابلس من العصابات الإجرامية، لافتا إلى أن طرابلس محتلة من المليشيات المسلحة باعتراف وزير داخلية حكومة الوفاق الوطنى فتحى باشاغا.

ولفتت الغرفة إلى أن غسان سلامة تحدث عن شبح وجود حرب أهلية وهى قراءة خاطئة لأن الجيش الليبي تحرك لطرابلس لتحريرها من العصابات الإجرامية والمليشيات المسلحة، مشددة على أن غسان سلامة تجاهل تهريب تركيا وقطر  للأسلحة إلى ليبيا وخرقهما لقرارات مجلس الأمن الدولي بتهريب أسلحة للبلاد.كما أوضحت أن غسان سلامة تجاهل الحديث عن الطيار البرتغالى واستهداف طيارة تركية بدون طيار لمنازل المدنيين.

ولم يتوقف سلامة عن تصريحاته المثيرة للجدل،التي قال في آخرها إن ليبيا بلد "يقدم على الانتحار" ويبدد الثروة النفطية لتسديد كلفة الحرب.وقال سلامة في مركز أبحاث مقره نيويورك،الأربعاء الماضي، إن هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا "مثال على التدخل الأجنبي اليوم في نزاعات محلية".وقال إن الليبيين ليسوا بحاجة إلى مساعدة من الخارج لتأجيج النزاع،مضيفا "الحقيقة هي أن ليبيا يمكنها أن تدفع ثمن انتحارها".

وتطرح النظرة التشاؤمية للمبعوث الأممي للوضع في ليبيا واصراره المتواصل بأن الأمور تسير نحو المجهول، وأن لا حل في الأفق،تساؤلات حول مدى قدرته على ادارة الملف الليبي وتقديمه لتصورات قادرة على احداث توافق بين الفرقاء واخراج هذا البلد الممزق من أزمته المتواصلة منذ العام 2011.

السياسات المتناقضة التى يعتمد عليها المبعوث الأممى إلى ليبيا، أغضبت شريحة واسعة من الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية الليبية، وذلك بسبب فشل البعثة الأممية فى تنفيذ خطتها التى أعلن عنها غسان سلامة وانحيازه لتيار سياسى أفقده الحيادية والنزاهة، وعدم قدرته على لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين.

ويتهم سلامة على نطاق واسع بأنه منحاز ضد الجيش الوطني الليبي الذي حقق خلال السنوات الأخيرة انجازات هامة على صعيد تحرير الأراضي الليبية من المليشيات والتنظيمات الارهابية ليصبح رقما أساسيا في المعادلة الليبية، وهو ما يرفضه سلامة الذي بات يوصف بأنه جزء من الأزمة في البلاد.

وسبق للمتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري أن قال إن الجيش يعتبر غسان سلامة خصما يساهم في الأزمة العنيفة التي تشهدها ليبيا.وأضاف أحمد المسماري "الحقيقة سلامة تحوّل إلى معارض.. وأصبح جزءا من الأزمة الليبية"، وذلك بعد أن عارض المبعوث الأممي تمدد الجيش في مدينة سبها الجنوبية بما يعزز أمن السكان وحقول النفط.

كما اعتبر البرلمان الليبي أن تحركات سلامة تهدف للتأثير على المجتمع الدولي لغض الطرف على ميليشيات الإرهاب والمال العام في طرابلس ومحاولة إهمال دور القوات المسلحة في حربها على الإرهاب.وطالبت  لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب،في وقت سابق،رئاسة البرلمان بمخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة وإعلامه بأن المبعوث الخاص غسان سلامة غير مرغوب فيه لعدم حياديته.

وتكشف هذه التطورات أن غسان سلامة لم يدرس جيدا أخطاء سلفه ،مارتن كوبلر، الذي يتحمل وزر الإخفاقات والنكسات التي وقعت فيها البعثة الأممية السابقة،حيث انحاز بشكل واضح ومكشوف إلى طرف دون آخر، الأمر الذي عقد مهمته في إيجاد تفاهمات تنهي الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده ليبيا.

ويرى مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي.كما أن نجاح المبعوث الأممي في التعامل مع قيادة الجيش الليبي يعتبر أحد المرتكزات الرئيسية التي قد تساعده في الوصول إلى حلول توافقية للأزمة الليبية، نظرا للنجاحات المستمرة له بتحقيق انتصارات على الأرض.

ومنذ إندلاع الأزمة الليبية العام 2011،سارعت الأمم المتحدة للتدخل لحل الملف الليبي الشائك والملغم بالسلاح والتوجهات القبلية،حيث أرسلت عددا من المبعوثين الدوليين إلى ليبيا،والذين مكثوا في مهامهم شهورا قبل أن يصلوا إلى نهاية الطريق المسدودة والفشل في الوصول إلى أي تسوية.ويشير متابعون للشأن الليبي أن غسان سلامة رسم فصلا جديدا من فصول الفشل الأممي في ليبيا حيث يمثل انحيازه لطرف على حساب الآخر بداية النهاية لمهمته.