أكد عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي للشؤون الأفريقية، على قيام بلاده باتخاذ عدة إجراءات لتأمين حدود البلاد ومنع تنقل المتطرفين وتهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» في مدينة طبرق في الشرق، إن تنظيم داعش في ليبيا لا يقتصر وجوده على مدينة درنة فقط، ولكنه يوجد أيضا في كل من طرابلس وبنغازي، بسبب التصرفات التي تتشابه بين المتطرفين في هاتين المدينتين، وتصرفات داعش في العراق وسوريا من قتل للخصوم وقطع للرؤوس. ودعا عبد المجيد إلى طي صفحة الماضي مع دولة السودان التي قال إنها كانت حتى وقت قريب تدعم مجموعات إرهابية في ليبيا، لكنها غيرت موقفها وأعلنت أخيرا اعترافها بشرعية مجلس النواب المنتخب، مشيرا إلى اتخاذ بلاده خطوات مع دول الجوار، خاصة مصر وتشاد والنيجر والجزائر، من أجل تأمين الحدود المشتركة. وكشف عن إجراءات لفتح قنصلية مصرية في طبرق، للتيسير على المواطنين وتبسيط الإجراءات للذين يرغبون في التنقل بشكل رسمي وقانوني بين جانبي الحدود. وقال إن هذا سيكون بشكل مؤقت حتى عودة الحياة إلى طبيعتها في بنغازي التي كانت توجد فيها قنصلية مصرية. وفي ما يلي أهم ما جاء في الحوار..

* أثيرت في الفترة الأخيرة الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول موقف دولة السودان من ليبيا والأحداث الحالية فيها، وانحيازها لطرف على حساب البرلمان الشرعي وحكومته، ودعمها لبعض المتطرفين والخارجين عن سلطة الدولة؟

- أولا نشكر صحيفة «الشرق الأوسط» على الوجود في ليبيا في ظل هذه الأحداث.. ثانيا بالنسبة للسودان.. في الماضي كان هناك بالفعل دعم سوداني لمجموعات إرهابية في ليبيا، ولكن السودان أعلن قبل أسابيع أنه مع مجلس النواب (البرلمان)، وأكد على شرعية المجلس. ونحن لا داعي أن نتحدث عن الماضي. الماضي انتهى، والان نفتح صفحة جديدة بإذن الله، بدليل أن الرئيس السوداني، عمر البشير، كان في زيارة رسمية لمصر الشقيقة، وأكد في مؤتمر صحافي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دعم بلاده للجيش الليبي والسلطة الشرعية. وبالتالي حين نتحدث عن العلاقات الليبية السودانية لا نفضل التطرق إلى ما كان يحدث في السابق، ولكن نريد أن نتطرق إلى كل ما يتعلق بتوثيق العلاقات بين البلدين لما فيه صالح الشعبين. ما كان في الماضي نأمل أن يكون قد انتهى بالفعل.

* وماذا عن تعاون البرلمان والحكومة مع دول أخرى مجاورة لليبيا، مثل النيجر وتشاد، لمنع تهريب السلاح وانتقال الجهاديين عبر الحدود؟

- أولا دولة تشاد حاربت الإرهاب منذ فترة.. وأثناء أحداث مالي (بين المتطرفين في الشمال والسلطة المركزية في مالي) كان لتشاد دور في ضرب هؤلاء المتطرفين.. كما أن تشاد مستهدفة من جانب المتطرفين، سواء من منظمة «بوكو حرام (في نيجيريا)» أو من المجموعات الجهادية الأخرى. وتشاد دولة جارة وصديقة ولها تاريخ مع ليبيا، وقمنا بزيارة لفخامة الرئيس التشادي، إدريس دبي، أخيرا، ومن خلالها التقى بفخامة الرئيس المستشار عقيلة صالح، رئيس دولة ليبيا ورئيس مجلس النواب والقائد الأعلى (للقوات المسلحة).. وتباحث الطرفان، الليبي والتشادي، في عدة جوانب مهمة للدولتين. وتشاد أكدت الوقوف مع ليبيا ومع الشرعية ودعم ليبيا في المحافل الدولية، سواء في الاتحاد الأفريقي أو مجلس الأمن. وبهذه المناسبة أشكر الرئيس التشادي على حفاوة الاستقبال للوفد الليبي وعلى كرم الضيافة.

* هل مثلا جرى التوصل للاتفاق حول نقاط محددة بشأن تأمين الحدود ومنع تنقل الجهاديين؟

- نعم.. كانت هناك اجتماعات بين رئيس الأركان التشادي ورئيس الأركان الليبي، وإن شاء الله ستتكرر مثل هذه الاجتماعات، كما أن الأمور الأمنية لا ينبغي التحدث عنها عبر وسائل الإعلام، لأنها أمور سرية عسكرية، ودعني أتحدث معك عن العلاقات بين البلدين في الأمور السياسية، في حدود اختصاصي.

* لكن هل أنت متفائل بأن التعاون بين البلدين يمكن أن يؤدي للاستقرار في جنوب ليبيا؟

- بكل تأكيد.. استقرار ليبيا من استقرار تشاد، والعكس صحيح، استقرار تشاد من استقرار ليبيا. وكذلك الأمر بالنسبة للنيجر.. استقرار ليبيا من استقرار دول الطوق، خاصة الدولة الشقيقة مثل مصر التي لها دور كبير مع ليبيا. وانتهز هذه الفرصة لأشكر مصر رئيسا وشعبا، وحتى الدول الأخرى سواء الجزائر أو تونس.

* وهل هناك زيارات مستقبلية أو اتفاق على تعاون معين مع دولة النيجر، خاصة في مجال الهجرة غير الشرعية؟

- أنا قمت بزيارة قبل شهر للنيجر. والتقيت رئيس وزراء النيجر ووزير خارجيته، وأكدوا لنا بشرعية مجلس النواب الليبي، وإن شاء الله ستكون هناك زيارات متبادلة قريبة مع النيجر، وبالفعل أحد مصادر الهجرة غير الشرعية تأتي من النيجر. وأنت تعرف أن النيجر ذات مساحة كبيرة على المناطق الحدودية مع ليبيا خاصة بين منطقتي المدامة ونيامي.. وإمكانيات النيجر معروفة، ونحن إن شاء الله سيكون هناك تنسيق مع الجهات المعنية بالهجرة غير الشرعية سواء مع إيطاليا أو الاتحاد الأوروبي لوضع خطة للتعامل مع هذه المشكلة، في أقرب فرصة، بإذن الله.

* هناك تقارير ومعلومات تتحدث عن وجود قيادات جزائرية متطرفة في جنوب غرب ليبيا من أمثال مختار بلمختار وغيره من الشخصيات الخطرة التي يمكن أن تكون مصدرا للقلق في المستقبل. إلى أن حد تتعاونون مع الجزائر لمجابهة هذا الخطر؟

- هناك اجتماعات لدول جوار ليبيا عقدت عدة مرات وسوف يتم التنسيق بين وزارة الداخلية الليبية ونظيرتها الجزائرية، وكذا الأجهزة المعنية كالاستخبارات. وفي حال وجود جهاديين في الجنوب الليبي فهذا خطر على الجزائر وخطر على ليبيا أيضا.. الجزائر تهتم بأمنها وليبيا كذلك تهتم بأمنها، وإن شاء الله ستكون هناك اتفاقات واجتماعات وسيجري التعاون الأمني وتبادل المعلومات، وتفاصيل هذه الأمور لدى جهات الاختصاص كرئاسة الأركان ووزارة الداخلية الليبية والمخابرات.

* لكن هل تعتقد أن التقارير التي تتحدث عن وجود جهاديين في الجنوب الغربي الليبي صحيحة؟

- بكل تأكيد.. هناك مجموعات متطرفة بما فيها ما يسمى بـ«داعش».. وبعض هذه المجموعات موجودة في أماكن مختلفة في ليبيا بما فيها العاصمة طرابلس، ودرنة وبنغازي حيث يقوم الجيش بمواجهتهم الآن.

* درنة أصبحت إمارة موالية لتنظيم داعش. ما تعليقك؟

- نعم.. جرت مبايعة مجموعة في درنة لما يسمى «داعش» في الأسابيع الماضية. وأنا، بالنسبة لي شخصيا، أصنف مجموعات المتطرفين الموجودين في طرابلس وبنغازي بأنهم «داعش» أيضا بسبب الأساليب التي يستخدمونها ضد خصومهم من قتل وقطع للرؤوس وتمثيل بالجثث وهي نفس أساليب داعش في العراق وسوريا.

* مصر تقول دائما إن لديها مشكلة في ضبط حدوها مع ليبيا منذ سقوط نظام القذافي. هل لدى الدولة الليبية في الوقت الحالي إجراءات يمكن أن تعزز وتساعد بها الجانب المصري في ضبط الحدود؟

- نعم.. مصر من أوائل الدول المتعاونة مع ليبيا، ومصر شقيقة لليبيا، ومصر دولة مهمة ولها دور مهم جدا ليس في ليبيا فقط ولكن في الأمة العربية والإسلامية وفي أفريقيا. دور مصر معروف ونحن نشكرها على ما تقوم به من أجل ليبيا.

* كيف تنظر للاتهامات التي تتحدث عن قيام مصر باستخدام طائراتها لضرب مواقع للمتطرفين في ليبيا؟

- جماعة داعش الليبية وجماعة الإخوان، هدفهما واحد، وهو تشويه صورة مصر.. مصر لم تتدخل في شؤون ليبيا إطلاقا، وما يتردد بهذا الشأن من استخدام للطائرات أو التدخل العسكري، هو كلام عار عن الصحة. ومصر هي أقرب دولة إلى ليبيا.. ويوجد بيننا وبين مصر برامج لتبادل الخبرات والتعاون في مجال التدريب في كل النواحي.

* وماذا عن إجراءات تسهيل تنقل المواطنين بين البلدين؟

- في الأيام المقبلة إن شاء الله سيكون هناك افتتاح لقنصلية مصرية في طبرق، للتيسير على المواطنين وتبسيط الإجراءات للذين يرغبون في التنقل بين جانبي الحدود. ولدينا بالطبع قنصلية ليبية في الإسكندرية بمصر، بالإضافة إلى سفارتنا في القاهرة. لكن كل هذه الإجراءات تأتي في إطار الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. طبعا أنت تعلم أنه بسبب الأحداث في بنغازي (المواجهات بين الجيش والمتطرفين)، قررنا فتح قنصلية مصرية في طبرق بدلا من القنصلية الموجودة هناك مؤقتا، وذلك للتسهيل على الليبيين والمصريين.

* وإلى أي حد ترى تقدم الجيش في مكافحة الإرهاب. سمعنا أن الجيش أغلق منافذ الدخول والخروج في بنغازي، وأصبح يسيطر على مناطق واسعة؟

- نعم.. أكثر من سبعين في المائة من بنغازي تحت سيطرة الجيش والشرطة. والأوضاع تغيرت خلال الأيام الأخيرة، والجيش حاليا يغلق جميع منافذ الدخول والخروج. وخلال الأيام المقبلة ستكون السيطرة للجيش والشرطة على بنغازي بنسبة مائة في المائة بإذن الله.

* ومتى سينتقل مجلس النواب إلى بنغازي؟

- بمجرد التأكيد على إخلاء بنغازي من المتطرفين وتحريرها من الإرهابيين، سينتقل مجلس النواب إلى هناك وفقا للإعلان الدستوري. وهذا يحتاج إلى وقت. أي أنه يمكن القول إن انعقاد جلسات مجلس النواب في بنغازي ما هي إلا مسألة وقت. الجيش، كما قلت، أصبح يسيطر على أكثر من سبعين في المائة من بنغازي، لكن حتى بعد سيطرة الجيش بالكامل على بنغازي، لا بد من القيام بأعمال لتطهيرها من فلول داعش من المتطرفين والإرهابيين.

* ومن هي الأطراف التي ترى أنها قابلة لفتح حوار معها في ليبيا. هل هي بعض التيارات في «فجر ليبيا» وهل هي بعض القيادات في «مصراتة» و«بنغازي». أقصد هل مكافحة التطرف تجري بالتزامن مع فتح أبواب للحوار؟

- فخامة الرئيس المستشار عقيلة صالح (رئيس البرلمان) قال مرارا وتكرارا إنه لا حوار مع من يحملون السلاح. قد يكون حوارا بين بعض الأعضاء المتغيبين عن جلسات مجلس النواب والأعضاء المنتظمين في الحضور، لكن من المستحيل أن يكون هناك حوار مع من يحمل السلاح ويقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وضباط الجيش والشرطة ويقوم بقطع الرؤوس للمواطنين والخصوم. لا حوار مع مثل هؤلاء، لكن نحن نرحب بالحوار مع كل من يترك السلاح جانبا، ويرضى بمسار العملية الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع. وأعود وأقول لك إنه حتى على صعيد الأعراف الاجتماعية، مَن يقتل لا بد أن يسلم نفسه للشرطة، ثم يبحث عن مسار للصلح. لا يمكن أن يكون هناك حديث عن مصالحة وهم مستمرون في حمل السلاح.. لا بد أن يسلموا أسلحتهم للدولة أولا، وأن يعترفوا بالسلطة القائمة، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

*نقلا عن الشرق الأوسط