تشهد أسواق الماشية المغرب مع اقتراب حلول عيد الأضحى، إقبالا متزايدا لشراء أضاحي العيد، وهو ما يخلق حالة استثنائية سواء في تلك الأسواق أو في مختلف مرافق الحياة اليومية المرتبطة بتخليد هذه المناسبة الدينية.

فعلى بعد أيام قليلة من حلول موعد "العيد الكبير" كما يحلو للكثير من المغاربة تسميته، تعرف فضاءات بيع أكباش العيد رواجا غير مألوف، حيث يتم تنصيب أسواق جديدة في ضواحي المدن، بإشراف من البلديات والجماعات المحلية، تعرف إقبالا كبيرا، لدرجة تصبح معها حركة المرور وسيولتها مشكلة حقيقية في كثير من المناطق.

ولئن كان كثير من المغاربة يقضون عيد الأضحى في منازلهم بالمدن والحواضر، فإن آخرين كثر يفضلون التوجه إلى المناطق البدوية، حيث تتميز رؤوس الماشية بمميزات خاصة، لعل أولها جودة اللحوم، المتأتية من علف طبيعي، إضافة إلى البحث عن أجواء عائلية وظروف بيئية ومناخية توفرها طبيعة القرية أو البادية.

ولعل من بين المسائل التي يركز على معرفتها الباحثون عن أضحية العيد، هي مدى وفرة رؤوس الماشية، ومدى تناسب الأثمنة مع العرض، إلى جانب عنصر هام آخر وهو المتعلق بمدة سلامة وصحة القطيع قبيل العيد، وهي أمور سارعت وزارة الفلاحة المغربية إلى إصدار بلاغ بشأنها قبل حوالي أسبوع من حلول العيد، حيث أكدت أن العرض المتوفر من الأغنام والماعز لهذا العام يقدر بحوالي 7,7 ملايين رأس، مشيرة إلى أن المكتب الوطني للسلامة الصحية وهو الهيئة المكلفة بمراقبة السلامة الصحية بالمغرب، قد اتخذ مجموعة من الإجراءات والتدابير بهدف حماية صحة المستهلك والحفاظ على صحة الحيوانات.

وفيما يتعلق بتوزيع رؤوس الماشية، فقد أشار بلاغ الوزارة إلى أنه تتوفر 4,6 ملايين رأس من ذكور الأغنام و 3,1 ملايين رأس من النعاج والماعز، مضيفا أن الطلب على أضاحي العيد يناهز 5,4 ملايين رأس، منها 4,2 ملايين رأس من ذكور الأغنام و1,12 مليون من النعاج والماعز، وأن تموين السوق جرى في "ظروف جيدة" بفضل تضافر جهود الفاعلين في القطاع والدولة، بحسب البلاغ.

ومن جانب اقتصادي محض، فإن أسواق بيع الأضاحي في المغرب، تشكل أهمية كبيرة لتحسين مداخيل الفلاحين والتي تصادف بداية الموسم الفلاحي 2014 /2015، كما أنها تعتبر "بورصة" حقيقية يرتفع فيها منسوب الرأسمال المتحرك في هذا القطاع، خصوصا بالنسبة لما يعرف في المغرب بـ "الشناقة" وهم فئة من التجار يعمدون إلى شراء رؤوس الماشية من "الكسابة"، ثم يقومون بإعادة بيعها إما في نفس المنطقة الجغرافية، أو يقومون بتصديرها إلى مناطق أخرى خصوصا في المدن الكبرى، حيث تباع هناك بأثمنة باهضة، تكون أحيانا ضعف الثمن الأصلي للماشية، وهو ما يساهم في خلق نوع من اللاتوازن في "بورصة" بيع خروف العيد.

وفي نفس السياق فقد تحدث بلاغ وزارة الفلاحة المغربية عم رقم معاملات مرتفع، حيث أشارت إلى أن بيع القطيع الموجه لعيد الأضحى سيمكن من تحقيق رقم معاملات يفوق 8.5 ملايير درهم سيتم تحويل الجزء الأكبر منها لفائدة العالم القروي، على اعتبار أنه "منشأ البضاعة" التي هي بالطبع أضحية العيد.

من جهتهم يعتبر الفلاحون أن عيد الأضحى هو من بين المناسبات الهامة التي تدر عليهم دخلا محترما، بل إنه من أكبر المناسبات التي يحققون فيها مداخيل على مدار السنة، وهو ما يمكنهم من مواجهة تكاليف الأنشطة الفلاحية الأخرى.

ومن بين الهواجس التي تقض مضجع المستهلك خلال هذه المناسبة، هو هاجس السلامة الصحية للأضحية، فكثير من المستهلكين الذين لا يتوفرون على خبرة ومعرفة بأمور صحة وسلامة الأضاحي، غالبا ما يكونون ضحايا عمليات بيع لأضاحي غير سليمة، لسبب أو لآخر، وهو ما دفع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، أن يتوجه للعموم بمناسبة عيد الأضحى لهذه السنة، مؤكدا من جهته أن الحالة الصحية للقطيع الوطني خصوصا الأغنام والماعز "مرضية ومستقرة".  وعزا المكتب في بلاغ هذه النتيجة إلى المجهودات المبذولة من طرف مربي الماشية وبرامج المراقبة المستمرة وتعزيز التأطير الصحي للرصيد الحيواني، وكذا حملات التلقيح ومعالجة الحيوانات ضد الأمراض المعدية التي قامت بها المصالح البيطرية التابعة للمكتب طول السنة بجميع أنحاء المغرب.

وفي نفس السياق، فقد قام المكتب الوطني للسلامة الصحية ببث نصائح صحية وعملية عبر إذاعات وطنية ونشرها في بعض الصحف وعلى موقعه الالكتروني، بهدف تحسيس المواطنين وتقديم النصائح المتعلقة بالعناية بالأضحية وعملية ذبحها وفحصها وكذا حفظ لحومها وجلودها، وهناك أيضا جهود تبذلها الجهات المعنية لتغيير سلوكيات المواطنات والمواطنين من خلال مساهمتهم الفعالة في المحافظة على البيئة.

ولا يعتبر عيد الأضحى في المغرب مجرد مناسبة اقتصادية أو "بورصة" كما سبق الذكر، بل إنه مناسبة دينية اجتماعية محضة، فيها يتشبع الأفراد والعائلات بقيم وعبر المناسبة، من خلال إحياء السنة المباركة، والعمل على الحفاظ على مجموع التقاليد والعادات التي يتداولها المجتمع المغربي.

ولئن كانت بعض العادات التي يمكن وصفها بـ "الدخيلة" على المجتمع المغربي بدأت في الظهور، كانتشار دعوات وعروض من طرف مؤسسات فندية وترفيهية إلى الأسر من أجل قضاء العيد في أجواء أخرى مختلفة، أو من خلال سفر بعض العائلات إلى خارج البلاد، خصوصا إسبانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، فإن ذلك يبدو أنه لا يرتقي إلى ظاهرة، على اعتبار أن الأغلبية الساحقة من المجتمع المغربي، لازالت تحتفظ بعادات وتقاليد مرتبطة بعيد الأضحى، بل إن عائلات مغربية مهاجرة في الخارج، تعمد إلى العودة إلى أرض الوطن لتخليد المناسبة رفقة الأهل والأحباب، في جو عائلي اجتماعي مليء بقيم التواصل والتراحم.

فعيد الأضحى بالمغرب، هو موعد اجتماعي، يدخل الفرحة على نفوس الصغار والكبار، ولا تقتصر فيها مهمة الكبار من أرباب الأسر على شراء أضحية العيد، وما يلزم معها من لوازم الذبح والسلخ، وكذا شواء اللحم وبعض المستلزمات الأخرى، بل إن قائمة المستلزمات تتسع إلى أكبر حد، من شراء لألبسة أطفال جديدة، أو أجهزة منزلية كالثلاجات وغيرها من منتجات الفضاءات التجارية التي لا تجد مقاومة عنيدة من طرف المستهلك، الذي غالبا ما يجد نفسه مطوقا بقوائم طويلة من المستلزمات المرتبطة خصيصا بالمناسبة.

ومن بين الظواهر التي بدأت تعرف تناميا في السنوات الأخيرة داخل المجتمع المغربي بمناسبة عيد الأضحى، تنظيم حملات تضامنية واسعة النطاق، مع المحتاجين والفقراء، لأجل مساعدتهم على اقتناء أضاحي العيد، وكذا لأجل لإقتناء ألبسة ومستلزمات أخرى، حيث تقوم العديد من جمعيات المجتمع المدني بأنشطة مكثفة قبيل حلول المناسبة الدينية، ما يساهم في إدخال الفرحة والسرور في نفوس العائلات المحتاجة.

جانب آخر من بين جوانب عدة يعرف تسليط الضوء بالمناسبة، وهو مجال التنقل والسفر في العيد، فحتى قبل الموعد بأيام، تعرف الطرقات والمحاور الطرقية المختلفة بالمملكة، حركة غير عادية، ما يدفع بمؤسسات النقل العمومية والخاصة ، كالمكتب الوطني للسكك الحديدية، أو شركة الطرق السيارة وغيرها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، وتكثيف حملاتها ضمانا لإنسيابية عادية خلال العيد، لكن تلك المجهودات وإن كانت تساهم في التخفيف من وطأة الازدحام إلا أنها أثبتت في السنوات الأخيرة عجزها عن احتواء كل المشاكل المرتبطة بحركة السير في المغرب خلال مناسبة عيد الأضحى، إذ تعمد الكثير من شركات النقل إلى رفع أسعار التذاكر بعيدا عن أعين المراقبة، ناهيك عن مشاكل أخرى.

وعموما فإن مناسبة عيد الأضحى بالمغرب، تبقى من بين المناسبات التي تتوقف فيها عقارب الساعة إن صح التعبير، لتعود إلى مجتمع التقاليد والعادات، الذي لا يخلو من هواجس اقتصادية واجتماعية مختلفة.