يعود الصحفي الإيطالي مانيلو دينوتشي على زيارة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى إيطاليا، موشحًا بصورة المجاهد الليبي الكبير عمر المختار لحظة القبض عليه الجيش الإيطالي في عام 1931.

ويذهب مانيلو في مقاله القديم المنشور بالفرنسية والإيطالية على موقع "شبكة فولتير" في العام 2009 إلى أنّ "الجدل الدائر حول زيارة القذافي، التي أشعلتها أحزاب المعارضة، جعلنا ننسى معنى هذه الصورة: نافذة مفتوحة على تاريخ الاستعمار الإيطالي".



ويقول مانيلو أنّه "في بداية القرن العشرين، قررت إيطاليا، وهي القوة الاستعمارية المتبقية من الدرجة الثانية، احتلال ليبيا، وهي جزء من الإمبراطورية العثمانية التي انهارت. وكانت وراء ذلك مصالح التمويل، وخاصة تمويل الفاتيكان، الذي دخل بالفعل إلى ليبيا من خلال بنك بانكو دي روما، ومصالح الصناعة الثقيلة التي أرادت الحرب لزيادة الإنفاق العسكري. وكانت أول وحدة إيطالية هبطت في طرابلس في 5 أكتوبر 1911، مسبوقة بالقصف البحري".

احتلال ليبيا، الذي عارضه الحزب الاشتراكي الإيطالي (وإن كان متأخراً وضعيفاً)، تم إعداده ورافقته دعاية قومية قوية. ويضيف الصحفي الإيطالي بالقول: "بينما في الصحف (خاصة الصحف الكاثوليكية المرتبطة بـ Banco di Roma)، كتب أنّه تم تأكيد حقنا في هذه المستعمرة بالمدفع".

غزو برقة وطرابلس، بقوة استكشافية من أكثر من 100 ألف رجل، بقيادة 24 جنرالات، أثار المقاومة المباشرة للسكان. ففي التمرد، الذي اندلع في 23 أكتوبر في واحة شارع الشط وبالقرب من طرابلس، والذي شارك فيه رجال ونساء وشيوخ وأطفال، كان القمع لا يرحم: في ضوء الكشافات التي اجتاحت الساحل من السفن أطلقت القوات الإيطالية مطاردة حقيقية ضد العرب، يقول مانيلو.

4500 شخص تم قتلهم بالرصاص أو شنقا، بما في ذلك مئات النساء والأطفال. وتم ترحيل العديد من الأشخاص الآخرين إلى أوستيكا، بونزا، جايتا، فافينانا حيث مات جميعهم تقريبًا بسبب الجوع أو المرض.

وهكذا بدأ التاريخ الطويل للمقاومة الليبية، التي تحدت القمع القاسي المتزايد، خاصة في الفترة الفاشية. وبضيف مانيلو أنّه في عام 1930، وبناءً على طلب موسوليني والجنرالات بادوغليو وجراتزياني، تم ترحيل 100 ألف شخص في برقة واحتُجزوا في معسكرات الاعتقال على طول الساحل. وأي محاولة للهروب يعاقب عليها بالموت.

وبأمر من موسوليني وإيتالو بالبو، استخدمت أيضًا الغازات الخانقة والقنابل البيضاء، وهي محظورة بموجب بروتوكول جنيف الأخير لعام 1925. فقد كانت ليبيا بالنسبة لسلاح الجو الإيطالي، كما كان غيرنيكا في إسبانيا بالنسبة لسلاح الجو التابع لهتلر: أرضا لاختبار أخطر أسلحة وأساليب الحرب.

حارب الثوار الليبيون، بقيادة عمر المختار، حتى آخر رجل. وفي عام 1931، وبغية قطع الإمدادات وعزلها، بنى الجنرال غراتزياني شبكة من الأسلاك الشائكة بطول 270 كيلومتراً وعرضها عدة أمتار، على الحدود بين سيرينايكا ومصر. ويضيف مانيلو دينوتشي أن عمر المختار أصيب وأُسر، بعد اكتشافه بواسطة طائرة. وقد خضع لاستجواب غراتسياني نفسه، رفض تقديم أي معلومات.

 وهكذا حكم عليه بالإعدام بسبب "أخطر جريمة، وهي حمل السلاح لفصل هذه المستعمرة عن الوطن الأم". وتم إعدام عمر المختار في 16 سبتمبر 1931، عن عمر يناهز 73 عامًا، في معسكر اعتقال سلوق، أمام 20 ألف معتقل أجبروا على حضور الإعدام.

بسبب تدمير المحاصيل والترحيل والإعدام الجماعي، انخفض عدد سكان برقة، بين عامي 1911 و 1931، من 198 ألف إلى 142 ألف كما يشير مانيلو دينوتشي.


** الأدب يحفظ ذاكرة المعاناة ورفض الخضوع: 

يعود تقرير لموقع قناة France Info العمومية الفرنسية بعنوان "عندما أراد الفاشيين الإيطاليين السيطرة على ليبيا"، إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما "حاولت إيطاليا الفاشية خلق إمبراطورية استعمارية في ليبيا". ويتحدّث التقرير عن قصيدة "دار العقيلة"، التي ترجمها ونشرها بالفرنسية الكاتب الليبي كمال بن حميدة، والتي تمثل ، بحسب التقرير، شهادة فريدة من نوعها على الحياة في معسكر حيث قام المحتل بترحيل البدو.

وهذا العمل الكبير للثقافة الليبية الشعبية هو من أشعار رجب بوحويش المنفي، الذي أحيا ماض مجهول، بحسب التقرير.

ففي نهاية القرن التاسع عشر، كانت إيطاليا تحلم بإمبراطورية استعمارية. وفي وقت متأخر عن منافسيها الأوروبيين، تحاول أن تطأ بقدمها في القرن الأفريقي.  لكن الهزيمة اللاذعة في معركة عدوة ضد إثيوبيا أجبرتها على تقليص طموحاتها إلى جنوب البحر المتوسط، وهي منطقة تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية المتدهورة. وفي أكتوبر 1911، أرسلت روما قوة استكشافية من 100 ألف رجل إلى واحة طرابلس. وقام الإيطاليون بقصف المدينة والاستيلاء على الموانئ الرئيسية.

ويضيف التقير بالقول: "لكن القبائل البدوية تنظم مقاومة شرسة، لا سيما في شرق ليبيا الآن. المقاومة بقيادة الشيخ عمر المختار، وهو الآن بطل وطني".

لكن القمع الإيطالي لا يرحم. فـ"يتم ترحيل الآلاف من الليبيين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، إلى الجزر الإيطالية المهجورة حيث سيموتون من الجوع والعطش. فمن بين 300 ألف من سكان ليبيا في ذلك الوقت، سوف يموت 180 ألف بين عامي 1911 و 1914، بحسب التقرير. 

وعزز وصول الفاشيين إلى السلطة في عام 1922 الأهداف الاستعمارية في روما. حيث يطمع أتباع موسوليني  في إحياء أمجاد الماضي، وأراضي الإمبراطورية الرومانية الأسطورية التي يعتبرونها الأراضي الليبية جزءًا لا يتجزأ، كما يلاحظ كمال بن حميدة في مقدمة القصيدة.

ولكن للوصول إلى هناك، عليهم هزيمة عمر المختار الذي يضايق قواتهم. وبتكليف من الجنرال رودولفو غراتسياني، سوف يستخدمون بحزم الوسائل الخطيرة "لتهدئة" شرق المنطقة التي تأسست فيها طائفة السنوسية التي سبق أن تحدت قوة العثمانيين. ويذكر المؤرخ أوليفييه فافيير في مقال له أن غراتسياني استخدم "تفجيرات الغاز عام 1928 - وهي تقنية أثبتها الفرنسيون خلال حرب الريف".

وفي نفس الوقت، سيفتتح الضابط "16 معسكر اعتقال في  برقة كما يقول أوليفييه فافيير. حيث يتم سجن كل القبائل البدوية في هذه المعسكرات. وتشير التقديرات إلى أنه من بين ألف معتقل،40 ألفًا لم يعودوا. 

ويتابع تقرير القناة الفرنسية أنّ الإيطاليين كان يقتلون الماشية ويسممون المياه من الآبار.  وقال أوليفييه فافيير "بالنسبة إلى ليبيا بأكملها، يقدر عدد الوفيات بحوالي 100 ألف". 

وفي عام 1931، تم القبض على عمر المختار. وقد شنقه الإيطاليون في معسكر سلوق أمام 20 ألف بدوي، بحسب التقرير. 

في عام 1911، وضع رجب، الشاعر المولود في عام 1879 والذي يدرس العلوم الدينية، نفسه في خدمة الشيخ عمر المختار. في الثلاثينيات تم احتجازه في معسكر العقيلة (الذي سيتم إغلاقه في عام 1934) اسم المتخذ من هذه اسم المنطقة الصحراوية على خليج سرت، على بعد ثلاثمائة كيلومتر غرب بنغازي، حيث "فرص البقاء على قيد الحياة تكاد تكون صفرا" يقول كمال بن حميدة:

يقص الشاعر ألمه ومعاناته على رفيق مثقف، إبراهيم الغماري، الذي يروي قصته. قصة ستصبح "قصيدة ذات أهمية عالمية".

النص المترجم من قبل كامل بن حميدة هو قصيدة طويلة وجميلة تكثف الإذلال الذي تعرض لهم سجناء "دار العقيلة" حيث "المعدة الفارغة" ، "جلد في الأماكن العامة" وبالكاد يقدرون على الوقوف. 

يحكي الشاعر عن الدموع تنهمر على لحيته البيضاء وعن فقدان كرامته في سن متقدمة، حيث يجب عليه أن يطيع سجانيه "كامرأة" . ويعرب عن أسفه لاختفاء أفضل الرجال أثمنهم. كما يدين التعذيب الذي تعرضت له الفتيات عاريات الأجساد. قبل الختام عن وفاة عمر المختار. أما رجب، فقد توفي بين عامي 1950 و 1952.