تعد منطقة الصحراء الليبية الجنوبية، من أخطر المناطق التي تسيطر عليها مجموعات قبلية مسلحة صغيرة، والجماعات المسلحة العابرة للحدود، ويمثل غياب الأمن وتفشي الفوضى في هذه المنطقة المهمشة البوابة الأمثل لتنظيم "داعش" الإرهابي للعودة مجددا إلى المشهد الليبي ما ينذر بمزيد من التعقيدات.

وفي الأشهر الماضية، تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في جنوب ليبيا، وقاد هجمات عنيفة بعشرات الآليات المسلحة على عدة مناطق، فاقتحم وأحرق مراكز شرطة وقتل مدنيين وعسكريين، وقام بعمليات تصفية جسدية، كما شنّ حملات اعتقال واختطاف واسعة للمواطنين.


** تحركات

وتصاعد الحديث مؤخرا عن تحركات  تنظيم "داعش" المتشدد، التي يسعى من خلالها لمزيد توسيع نشاطه في الجنوب الليبي، مستغلًا الفراغ الأمني والصحارى الشاسعة، للتحرك بسهولة والقيام بعملياته الارهابية مباغتة قصد تحقيق مكاسب جديدة وإحداث البلبلة في البلاد.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن مصدر محلي ليبي في مدينة سبها جنوب البلاد الجمعة،قوله بأن هناك تحركات مريبة لتنظيم داعش الإرهابي لعدد من السيارات المسلحة في مناطق الجنوب تحديدا في وادي عتبة ووادي الحياة".

وأكد المصدر الذي فضل عدم الكشف عن أسمه،على أنه "بعد الاشتباكات التي دارت في منطقة غدوة التي تبتعد نحو 60 كيلومترا جنوب شرق مدينة سبها في اليومين الماضيين شهدت بعض مناطق الجنوب وبالتحديد وادي عتبة ومناطق من وادي الحياة (أوباري) تحركات مريبة لعدد من السيارات المسلحة".

وأضاف بأنه "قد شوهدت هذه السيارات المسلحة في الوديان والصحاري المتاخمة لهده المناطق"، مضيفا أن "أهالي تلك المناطق تنادى برفع حالة التأهب والاستعداد لأي هجوم محتمل من التنظيمات المسلحة".

من جهتها، أشارت تقارير إعلامية إلى مقطع صوتي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، يرجح بأنه صادر من تنظيم داعش، يتوعد فيه أهالي الجنوب بالثأر لقتلاه والهدف هو مدن سبها مرزق تراغن جنوب ليبيا.

ويحذر مراقبون منذ القضاء على تنظيم داعش في سرت نهاية 2016  من انتقاله إلى الجنوب الذي يشهد غيابا شبه  تام للدولة،حيث يحاول ترتيب أوراقه واستعادة قوّته. واعتبر المحلل السياسي المصري المختص بالشأن الليبي، كامل عبدالله، أنّ "وجود مساحات صحراوية وجبلية واسعة في جنوب ليبيا يسكنها عدد ضئيل من المواطنين، فضلًا عن وجود ضعف في الانتشار الأمني والعسكري، يسهّل بصفة كبيرة تحرك المسلّحين في الجنوب الليبي".

ونقل موقع "إرم نيوز"،عن عبدالله قوله أنّ الطبيعة الجغرافية والثغرات الأمنية في جنوب ليبيا،  تعتبر ملاذات آمنة لتنظيم "داعش" ولباقي الجماعات المتطرفة، لأنها تمكنها من القيام بالتدريبات اللازمة والتنقل بحرية دون أي عوائق.مشيرا إلى أنّ "استمرار النزاعات بين القبائل وعدم السيطرة على الحدود الجنوبية لليبيا، يوفّر كذلك فضاء ملائمًا لتحفيز تنظيم داعش على اختبار استراتيجياته العملياتية والميدانية".


** عمليات انتقامية

ويأتي ذلك بالتزامن مع تحذيرات أطلقها أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي،حذر خلالها جميع الوحدات العسكرية من عمليات انتقامية، مشيرا إلى رصد تحركات مشبوهة لجماعات متطرفة.وأكد المسماري في مؤتمر صحافي،أن العمليات العسكرية لا تزال مستمرة في جنوب البلاد،مشيرا إلى أن هدف الجيش هو بناء مؤسسات الدولة وتحريرها من الإرهابيين، سواء من يحمل سلاحا أو كاميرا أو يشغل منصبا سياسيا، لافتا إلى أن الجيش يحقق انتصارات يومية.

وكان مصدر أمني بمدينة سبها، جنوبي ليبيا، صرح بأن انتحاريا فجر نفسه الثلاثاء أمام مركز شرطة بلدة غدوة جنوبي مدينة سبها.وأضاف المصدر لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): إن "تفطن الأجهزة الأمنية حال دون وقوع خسائر بشرية سوى بعض الجرحى من أفراد الشرطة"، وصفت جراحهم بالبسيطة.

وجاء التفجير ردا على هجوم الجيش الليبي، الاثنين،على مراكز تابعة لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في جنوب ليبيا. وأعلن الناطق بإسم الجيش الليبي، عن تحرير عدد من المختطفين من مدينة الفقهاء والذين تم خطفهم منذ عدة أسابيع على أيدي عناصر التنظيم وتابع أيضا أنه تم قتل العديد من أفراد الجماعات الإرهابية وهروب عدد منهم إلى الصحراء.

وكان تنظيم "داعش" الإرهابى شن هجوما إنتقاميا في التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، هاجمت خلاله نحو25 مركبة مسلحة لعناصر التنظيم مركز شرطة الفقهاء بمنطقة الجفرة، على خلفية القبض على أحد أبرز أمراء التنظيم في ليبيا وهو القيادي جمعة القرقعي،والذي قبض عليه الأهالي وسلموه لقوات الجيش الليبي منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

وشن تنظيم داعش هجمات متعددة على بلدات في جنوب ليبيا منذ انسحابه إلى الصحراء بعد خسارته في عام 2016 مدينة سرت الساحلية معقله الرئيسي التي سيطر عليها في مايو 2015، ليتخذها إمارة له.

وبعد خسارة داعش للمعركة في سرت، وطرده من بنغازي ودرنة والنوفلية (شرق) وصبراتة (غرب)، عاد للظهور من جديد، عبر هجمات استهدفت تمركزات أمنية وسط ليبيا، وكذلك مقار حكومية منها مفوضية الانتخابات والمؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس ومقر وزارة الخارجية في العاصمة الليبية.

ويقوم التنظيم الإرهابي بعمليات أكثر انتقامية، وبالأخص مع خسارته للأراضي الليبية وعناصره القياديه، ويعتبر الفراغ الأمني الذي تعيشه البلاد وخاصة مناطق الجنوب الليبي، وانقسامها بين حكومتين متنافستين وخليط معقد من الجماعات المسلحة مختلفة التوجهات، هو أحد أهم الأسباب لتزايد العنف، وأعطى التنظيم هذا المجال للمراوغة ونشر الخوف في البلاد.