سلط الكاتب والشاعر الغنائي عمر رمضان، الضوء على السيرة الذاتية ومراحل من حياة الشاعر مسعود محمد القبلاوي.

وقال رمضان، في تدوينة مطولة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان (تفاصيل)، "كان ــ منذ فتح عينيه ــ يحس أن شيئا ما يهجس في حناياه، كان يلمس في نفسه شيئا ما يدوي في نبضاته، لم يكن يعرف ــ معرفة اليقين ــــ ماهو هذ الشيء الحاد الهادئ ... المريح المزعج ... القريب البعيد .. ولكنه كان يجد فيه لذة عالية إذا خلا بنفسه وجعل يركض وراء فراشات خياله يحاول القبض عليها ذلك هو مسعود القبلاوي ابن "سهل الجفارة " حيث الخضرة والماء واتساع الأفق والبيئة التي لاهي بادية رحالة لا تستقر في مكان ولاهي حضرية يقيدها المكان بكل قيوده، وتحاصرها الحياة بثقل تكاليفها، وإنما هي بيئة جمعت بين البادية والحاضرة في كل شيء، وفي " ورشفانة" في العزيزية ولد الشاعر الكبير مسعود القبلاوي عام 1937م وفي "العزيزية" تلقى أولى مراحل تعليمه قبل أن يستكملها في " الزهراء " ومنها تقوده خطاه إلى طرابلس حيث يدخلها فتى خجولا يمشي متلفتا في كل اتجاه وهو يحس أن العيون ترصده وتتبعه بل و.. تأكله لاشك أنه كان مبهورا بــ أم السر ايا ومهد الفنون والحضارة والتمدن، ولاشك أن أهلها " شاطرون " وهم يحصون عليه تعثره وخطواته وأخطائه". 

وتابع رمضان، "في طرابلس دفعته ظروف الحياة أن يلتمس عملا فــ عمل في "البريد " ثم في " التأمين " ثم استقر في الدار الوطنية للنشر وفيها أحس شيئا قريبا منه ولكنه ليس هو الشيء الذي يهجس في حناياه منذ فتح عينيه وتهجى بروحه الحياة ثم قرأها بعينيه وأذنيه و..... قلبه الذي لا يهدأ، وبدأ يتلمس طريقه إلى ما يدور في خوالجه فبدأ بــ " التمثيل " في المسرح في " المسرح الليبي " صحبة رفيقيه / أحمد إبراهيم الفقيه و.. شعبان القبلاوي وفي المسرح تفتحت مداركه ولامس الغناء والشعر الغنائي فــ بدأ رحلة القبض على ما يكان يطارده ولا يعرفه وبدأ يكتب الأغاني التي لفتت الانتباه سريعا فـــ قد كان منذ بدايته ممتلئا بما كان يدور بينه وبين نفسه في خلواته بها والشعر إذا كان ممتلئا بــ صاحبه امتلأت به القلوب والشعر الذي تلده الخلوة بين الشاعر ونفسه هو شعر يولد طائرا كالفراشات التي كان مسعود القبلاوي يطاردها في هواجسه وهكذا طارت فراشات مسعود القبلاوي غناء زاهيا ملونا بالربيع والبديع،  ومسعود القبلاوي شاعر كبير بلا جدال فهو من رواد الأغنية في ليبيا الذين جعلوا طعما ولونا و"شخصية" وقد لحن له كبار الملحنين وغنت له أروع وأحلى الأصوات من ليبيا ومن خارج ليبيا وشكل ــــ في فترة من الفترات ــــ ثنائيا عملاقا مع الموسيقار على ماهر فأثريا الإذاعة بروائع من مثل " أم الضفائر" و" طوالي مروح طوالي " و"حنيت يالون الغروب " و" إيش قيمتك ياحب " التي غنتها ميادة الحناوي، واقترن لفترات مع العملاق "سلام قدري "الذي لحن وغنى له " لاتغيبك ع العين يا بوالعيلة " و" انشد ياسيد الحلوين " و" والله امشوا وانسوك يا محبتنا " / وغنت له نازك / وسعاد محمد / وغنى له فهد بلان أغنية " ياشوق ياجايبني على جناحه " من ألحان المبدع " إبراهيم أشرف " وغنى له المطرب المغربي الكبير عبد الهادي بالخياط وغنى ولحن له الراحل العملاق / محمد حسن أغنية " بلادنا زين على زين". 

وأضاف، "مسعود القلبلاوي يمتاز بأنه شاعر " التفاصيل الصغيرة " و" التفاصيل الصغيرة "هي الألوان والملامح والحواشي التي تلون الحب وتؤرخه وتؤرق الحبيب وتفتنه و... التفاصيل الصغيرة في الحب هي التي ننكرها على غيرنا إذا رأيناه غارقا فيها حتى إذا غرقنا نحن في الحب لم نجد للحب معنى إلا في هذه " التفاصيل الصغيرة جدااااا" ومسعود القبلاوي كان يغرق حتى " القشوطة" في تفاصيل الحب الصغيرة، فهو يحن إلى الوطن ... ومن منا لايحن إلى الوطن إذا ابتعد عنه، ولكن مسعود القبلاوي يرسم لك حنينه بتفاصيله فـــ تفاجئك هذه التفاصيل يقول مسعود القبلاوي في أغنية حنيت وهي من غناء الفنان الراقي لطفي العارف ومن ألحان الموسيقار عبلا ماهر (حنيت يالون الغروب في بلادنا / وسحر البحر وحنيت لأهل الوفا في ديارنا / وليلة سهر) تأملوا ... تفاصيل الحنين إلى الوطن الكبير، أرأيتم لون الغروب؟ الغروب لوحة فاتنة في " بلادنا " .... كأن الشمس لاتريد مغادرتنا إلا مضطرة ومخنوقة بحمرة الخجل .. فهي تحبنا أو كذلك يراها مسعود القبلاوي الذي قابل الغروب ولونه بـــ سحر البحر، وما رأيكم في الحنين إلى " أهل الوفا" وحدهم دون غيرهم \وأهل الوفا" في ديارنا " يستحقون التحية والحب والحنين، وما رأيكم في حنينه إلى "ليلة سهر " مع هؤلاء الأوفياء الغوالي؟ هو حنين .... نعم هو حنين ولكن تفاصيله هي سر قوته (حنيت وحالي / ياحني مايعجب حال / ماشي في طريقي وبأهلي مشغول البال بالي في اصحابي / وكليمة ود مع احبابي / وجلسة في الدار وشريبة شاهي من يد حنونة / تعرفني من واحنا صغار) هل ترجعون إلى هذه التفاصيل التي خنقته بالحنين ؟ ارجعوا فـ تأملوا / إن تصغير (كلمة ود ) إلى (كليمة ود) هي من التوفيق الذي لايناله إلا كبار الشعراء الذين تعودوا اقتناص العويص البعيد و"كليمة ود" هي غير " كليمة حب " فــ الود عشرة ورفقة ووسعة بال وتحمل ولحكمة ما جعله الله تعالى أساس الزواج وعماد البيت، ومارأيكم في " شريبة شاهي " أليست " طابعا " خاص بالليبيين؟ و"شريبة " بالتصغير هي من وقدات الحب وسحر البلاغة، و"شريبة شاهي من يد حنونة تعرفني .... من واحنا صغار" أرأيتم شاعرا من ليبيا يملك الجرأة ليتغزل هكذا وعلنا بــ زوجته، ولكن مسعود القبلاوي كسر العادة والعرف وتمرد ليعلن في كثير من أغانيه شوقه وحنينه إلى زوجته ففي أغنية طوالي يقول علنا (وأم اضغاري تلوم عليا / تحسب في الساعة بليالي) وهو يفتتح الأغنية بقوله (طوالي مروح طوالي / لصغاري ولوطني الغالي لناسي وخوتي وجيراني / لبويا وامي واعيالي، طوالي راجع لاحبابي / يكفي من الغربة يا اصحابي والبعد اللي غير حالي / طوالي)".

كما قال، :"وأعود بكم إلى " حنيت " / فهو قبل أن يحدثنا عن حنينه إلى شريبة شاهي " من يد حنونة" يقول لنا " وكليمة ود مع احبابي / وجلسة في الدار، وشريبة شاهي من يد حنونة تعرفني إلخ، ثم ماذا بقي من الحنين بتفاصيله؟ (وضحكة باحساس / مليانة حب وإخلاص تنسيني في لهيب الفرقة يابلادي / وفراقك نار) أرأيتم هذه التفاصيل العالية التي جعلت فراق بلده " وفراقك نار" وبقيت تفاصيل يجمعها القبلاوي كما كان يجمع فراشاته الملونة صغيرا (ما اغلاك عليا يابلادي / ويا ما على ناسك وترابك حنيت نشوفك ونشوف الراحة في شطوطك / ونشم اصحابك) وتأملوا وحكم براعة وروعة التفاصيل أما فلا ألفت نظركم إلا إلى " ونشم اصخابك " فــ صخاب البلاد هو الذي يجعلها تتمازج مع الأم والزوجة والأخت ويجعل للأرض روائح عشق فيها كل معاني العرف والمألوف والمحترم (كل غنوة حلوة شعبية / تفكرني بيك وكل نسمة صيف بحرية/ تسلم لي عليك) ثم ماذا بقي من تفاصيل العشق التي تمازج فيها الوطن بكل شيء، وتمازج فيها كل شيء بالوطن، فكل شيء هو الوطن والوطن هو كل شيء،(شبحات قديمك وجديدك / ولبست جرد ف ليلة عيدك تسعد لي قلبي يابلادي / وعمري يخضار) و"عمري يخضار " تعني أن أعود طفلا من جديد يصطاد فراشات الخيال في لية زاهية مقمرة من ليالي الربيع العاطر".

وأضاف رمضان، :"مسعود القبلاوي هو .. التفاصيل الصغيرة، وهو الجرأة التي تعلن حبها بلا مواربة، وهو شاعر الأغنية الاجتماعية بلا منازع فــ كل أغانيه الاجتماعية هي لوحات زاهية فيها الحب وفيها العرف وفيها الدين القويم وفيها الوفاء العالي يقول عن الأب على سبيل المثال (ىاتغيّبك ع العين يا بوالعيلة // يوم ما اتغيب ما اطول علينا ليله) ومن جميل ماسمعت منه شخصيا قوله (لانك غريبة ولابعيدة دارك / قدام عيني وكادني مشوارك) ومن طريف ماعرفت عنه وكنت قريبا من الحادثة وعارفا، أنه سافر هو والمرحوم عمر المزوغي ورفيق ثالث لهما إلى تونس ... ومسعود وعمر المزوغي ... رفيقان بينهما داعبات ومساجلات وتجمعهما عشرة طويلة ورفقة أصيلة / وحدث جدال ونقلش حاد بين عمر المزغي والرفيق الثالث حتى طرده عمر من غرفته في الفندق الذي كان عمر ينزل فيه وبقي الرفاق هكذا ايامات على خلاف حاد حتى قرر مسعود أن يفصل القصة ويعيد المياه إلى مجاريها وكان واثقا من نفسه وواثقا من مكانته عند عمر فمضى إليه في الفندق وبدأ معه الحوار للمصالحة بثقة كاملة ... ثقة العارف بطباع المزغي وثقة الصديق ... وثقة الواثق من مكطانته عند رفيفه ولكن المزوغي فاجأه قائلا في حدة ـــــ تفضل حتى انت درق وجهك زنزلت الكلمة حنجرا في قلب القبلاوي فــ خرج ساكتا لايلتفت وجلس في مقهى الفندق مديرا ظهره للمصعد حتى لايرى عمر إن نزل وبعد فترة نزل المزوغي وفوجيء بوجود مسعود جالسا وحده في المقهى يشرب القهوة ويدخن بشراهة فوقف وراءه وقال ــــ مسعود ؟ التفت مسعود ولم يقل شيئا ولكن المزوغي سأل مستغربا ــــــ انت قاعد لاتوا ؟ وهنا انطلق مسعود مرتجلا ( قاعد لكن مش موجود / وسط الناس نعيش وحيد جيتك واسمايا مسعود / وروّحت اسمايا امسيعيد ) وهنا تعانق الرفيقان عناقا طويلا وذهبا معا إلى الرفيق الثالث رحم الله الجميع فـ قد كانوا كبارا في المزح وفي الخصومة وفي المصالحة ورحم الله مسعود القبلاوي فقد كان شاعرا فريدا من طراز فريد".