على مر العصور والأزمة ظهر أشخاص خلدهم التاريخ، منهم من قِيل، ومازال يقال عنهم أنَهم عظماء لِما حملوه من رسالةٍ هزَت العالم، أو لشيءٍ قد اكتشفوه أو اخترعوه، أو لإبداع ترك بصمته على حياة البشرِية، وفي بعض الأحيان يقال عنهم أنهم عُظماء لحرب قد فازوا بها، أو لأرضٍ قد فتحوها،ومن المهم لكي يتقدَم الإنسان في حياته أن يأخذ نظرةً على حياة الأشخاص الَذين لولاهم ما كان سيكون لنا حاضر نعيشه، ونَعتَز به، والَّذين بفضل جهودهم جعلوا حياتنا أسهل، وفتحوا لنا الطريق لكي نمشي على خُطاهم.

وفي تاريخنا العربي الاسلامي الكثير من العظماء الذين سجلوا أسماءهم بحروف من الذهب،وسطروا بمواقفهم وبطولاتهم أروع الملاحم التي كان لها الأثر الكبير في تغيير التاريخ وتطوره. ويعتبر "شيخ المجاهدين"، أو"أسد الصحراء" المجاهد عمر المختار أحد عظماء التاريخ الليبي والعربي والذى ظل يناضل طوال حياته من أجل وطنه ليبيا ضد الاحتلال الإيطالى، وبات مثلاً يحتذى به فى القوة والتحمل والمقاومة من أجل الوطن والدين.


** نشأة وتربية عمر المختار

وُلد عمر المختار في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر عام 1862، وقيل عام 1858، وكفله أبوه وعني بتربيته تربية إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة. ولم يُعايش عمر المختار والده طويلًا، إذ حدث أن توفي والده وهو في طريقه إلى مدينة مكَّة لأداء فريضة الحج، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور) بأن يُبلّغ شقيقه بأنَّه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد.

وبعد عودة أحمد الغرياني من الحج، توجه فوراً إلى شقيقه الشيخ حسين وأخبره بما حصل وبرغبة مختار بن عمر أن يتولّى شؤون ولديه، فوافق من غير تردد، وتولّى رعايتهما محققاً رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.

حصد عمر المختار انتباه شيوخه في صباه، فهو اليتيم اليافع، الذي شجّع القرآن الناس وحثهم على العطف على أمثاله كي تُخفف عنهم مرارة العيش، كما أظهر ذكاءً واضحًا، مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين، الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدّوهم لحمل رسالة الإسلام، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في ليبيا وأفريقيا لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه.

مكث عمر المختار في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير، ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم: السيّد الزروالي المغربي، والسيّد الجوّاني، والعلّامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني، وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عمليَّة أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالًا مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم، وكان مخلصًا في عمله متفانيًا في أداء ما عليه، ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجَّل عمل يومه إلى غده.

** التوجه الفكري

تربى عمر المختار منذ صغره على مبادئ الدعوة السنوسية ذات المنزع العلمي الجهادي،وخلال السنوات التي قضاها عمر المختار في الجغبوب حيث كان يكمل دراسته، تمكَّن من اكتساب سمعةٍ حسنةٍ وقوية عند شيوخ الحركة السنوسية. وقد بلغت تلك السمعة من القوة أن قرَّر محمد المهدي السنوسي - ثاني زعماء السنوسية - أخذ عمر المختار معه سنة 1895 برحلته من الجغبوب إلى الكفرة في جنوب شرق الصحراء الليبية، وبعد هذه الرحلة اصطحبه مرة أخرى في رحلة من الكفرة إلى منطقة قرو في غرب السودان، فاصطحب معه عمر المختار، وعيَّنه هناك شيخاً لزاوية عين كلك.

عيَّنه المهدي السنوسي في سنة 1897 شيخاً لبلدة تسمى زاوية القصور تقع بمنطقة الجبل الأخضر شمال شرق برقة، والتي تقع قريباً من مدينة المرج، وأحسن عمر المختار الأداء في هذا المنصب، رغم أن البلدة التي كُلِّف بإدارتها كانت تقطنها قبيلة العبيد التي اشتهرت بشدة البأس وصعوبة الانقياد. وقد أدَّت علاقته الوثيقة بالسنوسيّين إلى اكتسابه لقب سيدي عمر الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ السنوسية المعروفين.

تلك الفترة حصل عمر المختار على لقب "سيدي" عمر، الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ الحركة السنوسية الكبار (دعوة إسلامية أسسها الشيخ العالم المجاهد محمد بن علي السنوسي)، وذلك لحكمته ومكانته التي اكتسبها، إضافة إلى علاقته وقربه من العائلة السنوسية.أيضا مكث عمر المختار في دولة السودان سنوات طويلة نائبا عن المهدي السنوسي، الذي قال فيه بإعجاب قوله المعروف: "لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم"، وذلك لما أبداه الرجل من حكمة وفراسة".

وأقام المختار في "قرو" (غرب السودان) مدة من الزمن، ثم عينه السيد المهدي شيخا لزاوية "عين كلك"، فاستمر المختار بالسودان وقتا طويلا نائبا عن السيد السنوسي، وكان يقوم بتعليم أبناء المسلمين، وينشر الإسلام في هذه البقاع النائية.بعد وفاة محمد المهدي السنوسي، ثاني رجال الحركة السنوسية عام 1902، عاد عمر المختار مجددا إلى برقة بطلب من القيادة السنوسية، ليعين مجددا وللمرة الثانية شيخا لبلدة زاوية القصور، والذي أحسن إدارتها لدرجة أن العثمانيين (كانوا يحكمون ليبيا وقتها) رحبوا بإدارته للمنطقة التي جلب لها الهدوء والاستقرار.


** المسار الجهادي

شارك عمر المختار أثناء وجوده بتشاد في المعارك التي خاضتها كتائب الحركة السنوسية 1899-1902 ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية.وكان عمر المختار ممَّن اختيروا لقيادة كتائب الحركة ضدَّ الفرنسيين، كما وقد شارك خلال ذلك بالدَّعوة في تشاد. وخلال قتاله في تشاد أصيبت إبل المقاتلين الأربعة آلاف بداء الجرب، ووُكِّل هو بعلاجهم، فأمر بأخذهم إلى عين كلك لأن مائها جيّد، فتعافت الإبل.

توفي محمد المهدي السنوسي في عام 1902 الموافق 1321 هـ، واستدعته القيادة السنوسية على إثر ذلك للعودة إلى برقة، وقيل في عام 1906. وهناك عُيِّن مجدداً وللمرة الثانية شيخاً لبلدة زاوية القصور، وأحسن إدارتها حتى أنَّ العثمانيين هنَّؤوه على تمكِّنه من جلب الهدوء والاستقرار إليها بعد أن أعياهم ذلك، وقد ظلَّ عمر المختار في هذا المنصب مدَّة ثماني سنوات، حتى عام 1911. وقد قاتل خلال هذه الفترة جيوش الانتداب البريطاني على الحدود المصرية الليبية، في مناطق البردية والسلوم ومساعد، خصوصاً معركة السلوم في عام 1908 التي انتهت بوقوع بلدة السلوم في أيدي البريطانيّين.

وفي 29 سبتمبر/أيلول 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزءا منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي.يومها سارع عمر المختار بالعودة إلى "زاوية القصور" لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر 1911.وتولى قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية الذى أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد 1912 بموجب معاهدة لوزان التي تخلوا فيها لإيطاليا عن ليبيا.

شهدت هذه الفترة أعنف مراحل الصّراع ضد الطليان، وقد تركَّزت غارات وهجمات عمر المختار فيها على منطقة درنة. ومن أمثلة هذه الغارات معركة هامة نشبت في يوم الجمعة 16 مايو عام 1913 دامت لمدّة يومين، وانتهت بمقتل 70 جندي إيطالي وإصابة نحو 400 آخرين. كما دارت في 6 أكتوبر من العام نفسه معركة بو شمال في منطقة عين مارة، وفي شهر فبراير عام 1914 معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة. وكان عمر المختار يتنقَّل أثناء غاراته على الطليان بين منطقتي زاوية القصور وتكنس حتى وقوعهما في أيدي الإيطاليّين بشهر سبتمبر عام 1913، حيث انتقل إلى معسكرات جبل العبيد كما كان يتواصل كثيراً مع قبائل منطقة دفنا.

ولما انسحب السنوسيون من ليبيا إلى مصر 1922، ظلت الحرب قائمة بقيادته، وعندما حاصره المحتلون سنة 1926 في الجبل الأخضر واتَّبع أسلوب الغارات وحرب العصابات، فكان يصطحب معه 100 إلى 300 رجل في كل غارةٍ ويهجم ثم ينسحب بسرعة، ولم يزد أبداً مجموع رجاله عن نحو 1,000 رجل، مسلَّحين ببنادق خفيفةٍ عددها لا يتعدَّى 6,000.وأجبر ذلك الطليان على طلب مفاوضته سنة 1929، لكنه رفض مطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد واستأنف قتالهم.

اكتسب عمر المختار خبرة كبيرة في أساليب وتكتيكات الحروب الصحراويَّة أثناء قتاله الفرنسيين في تشاد،كما مكنته معرفته بجغرافيَّة الصحراء وبدروبها ومسالكها وكل ما يتعلَّق بها،ليحصل على الأفضليَّة دومًا عند مجابهته الجنود الإيطاليين غير العارفين بحروب الصحراء وغير المعتادين على قيظها وجفافها.وأخذ المختار يقود رجاله في حملاتٍ سريعة على الكتائب العسكرية الإيطاليَّة، فيضربوهم ضرباتٍ موجعة ثمَّ ينسحبون بسرعة إلى قلب الصحراء.

ضاق زعيم إيطاليا موسوليني بهجمات عمر المختار الناجحة ، والتي كانت تقوم على قاعدة : اضرب واهرب ، فكان يتمثل له خيال عمر المختار في كوابيسه ، فأرسل أحد جنرالاته كورقة أخيرة ويدعى غرتسياني ، والذي قام بحرب إبادة وجرائم شنيعة ضد الشعب الليبي المرابط.ومن جرائمه انه بنى جدارا شائكا على طول الحدود الليبية المصرية ، وذلك لمنع وصول الامدادات المصرية للمجاهدين الليبيين. 

** المختار أسيرا

في شهر أكتوبر سنة 1930 تمكن الطليان من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثروا عقب انتهائها على نظّارات عمر المختار، كما عثروا على جواده المعروف مجندلًا في ميدان المعركة؛ فثبت لهم أن المختار ما زال على قيد الحياة، وأصدر غراتسياني منشورًا ضمنه هذا الحادث حاول فيه أن يقضي على "أسطورة المختار الذي لايقهر أبدًا" وقال متوعدًا: "لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدًا نأتي برأسه.

وفي سبتمبر11 من عام1931 توجه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابتبمدينة البيضاء. وكان أن شاهدتهم وحدة إستطلاع إيطالية، وأبلغت حامية قرية السلنطة التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكي، فحركت فصائل من الليبيين والإرتريين لمطاردتهم. وإثر إشتباك في أحد الوديان قرب عين اللفو، جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض. وتعرف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين.

نقلت برقية من موريتي، النبأ إلى كل من وزير المستعمرات دي بونو وحاكم ليبيا بادوليو والفريق أول غراتسياني، جاء فيها: "تم القبض على عمر المختار.. في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب البيضاء وقد وصل مساء الأمس إلى سوسة الكومنداتور دودياتشي الذي تعرف عليه ووجده هادئ البال ومطمئنا لمصيره، الخسائر التي تكبدها المتمردون هي 14 قتيلا."وتم استدعاء أحد القادة الطليان، وهو متصرف الجبل الأخضر دودياشي الذي سبق أن فاوض عمر المختار للتثبت من هوية الأسير. وبعد أن التقطت الصور مع الأسير، نقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة، ومن هناك على ظهر طراد بحري إلى سجن بنغازي مكبلا بالسلاسل.

وعندما وصل الأسير إلى بنغازي لم يسمح لأي مراسل جريدة أو مجلة بنشر أخبار أو مقابلات، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء، ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المحاط بالجنود المدججين بالسلاح، ونقل فوق سيارة السجن تصحبه قوة مسلحة بالمدافع الرشاشة؛ حيث أودع في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافة السجناء السياسيين، وتحت حراسة شديدة.

** الفارس يترجل 

في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار،وإنك لتلمس ذلك في نهاية الحديث الذي دار بين البطل وبين غراسياني؛ حيث قال له:"إني لأرجو أن تظل شجاعاً مهما حدث لك أو نزل بك.

في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء الموافق للسادس عشر من سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. 

وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا،سار عمر المختار بقدم ثابتة وشجاعة نادرة وهو ينطق بالشهادتين إلى حبل المشنقـة، وقد ظل المختار يردد الشهادتين: أشهد أن لا إلـه إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. لقد كان الشيخ الجليل يتهلل وجهه استبشاراً بالشهادة، وارتياحاً لقضاء الله وقدره، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وصوت مدوٍّ لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار؛ إذ ربما يتحدث إليهم أو يقول كلاماً يسمعونه، وصعد حبل المشنقة في ثبات وهدوء.

وهكذا ترجل الفارس عن فرسه، بعد 20 عاما قضاها في قتال المحتل الإيطالي، ليكتب التاريخ العربي والإسلامي اسم البطل الليبي بحروف من نور، ويصبح "شيخ الشهداء" أو "فارس الصحراء" مضرب الأمثال في المقاومة والفداء، ونبراسا يهتدي به من ساروا على دربه.وظلت صورته محفورة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.

كيف لا والرجل اكتسب احترام أعدائه قبل أنصاره.فهاهو الجنرال الإيطالي ردولفو غراتسياني،يصف لقاءه بالمختار في كتابه "برقة الهادئة" قائلا "يُخيل لي أنَّ الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال؛ له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأَسْر.ها هو واقفٌ أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح".

ويضيف غراتسياني عند وصفه نهاية اللقاء بالقول:"عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاءً كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالمية، والصحراوية، ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان، ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد". وقال فيه أيضاً إن "ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً".

المختار كان على خلاف دائم مع صديق طفولته وزميل دراسته في الجغبوب الليبية الشارف الغرياني، الذي يُتهم بعلاقاته مع المستعمر الإيطالي، والذي كان آخر ليبي يزور المختار في محبسه، قبل تنفيذ حكم الإعدام بيوم. سُئل الشارف الغرياني عن رؤيته للمختار فقال:"عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها..بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا،وفيهنّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها..نفوس الورى كانت أجلَّ وأكبرا".

كان الهدف من إعدام عمر المُختار إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، إذ ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُردت القوات الإيطالية من البلاد.من أبرز أقوال عمر المختار النضالية التي عرفت عنه عالميا وعربيا: "نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت"،والتي تمثل اصرار الشعوب على العيش بحرية مهما كان الثمن.

وفي 16 سبتمبر 2019، تمر 88 عامًا على إعدام شيخ المجاهدين أسد الصحراء الليبية عمر المختار الذي سيظل رمزًا للمقاومة والصمود والكرامة.ووسط الأجواء المتوترة التي تشهدها ليبيا، تأتي ذكري إعدام عمر المختار، لتذكر الجميع بأن ليبيا كانت ولا تظل رمزًا للوطنية، وأنها وإن طالت الأزمة، ستعود إلى "الحضن" العربي، وستلفظ ما بها من إرهاب، وسيصدق فيها قول المختار:"إن عمري أطول من عمر شانقي".