لا شك أن الاتفاقيتين اللتيين وقعتهما حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج مع تركيا وسط تكتم شديد خلال في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي،تمثلان تطورا لافتا في الأحداث المتسارعة في ليبيا منذ أشهر حيث تشهد العاصمة طرابلس معارك عنيفة بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق.

وتشير ردود الفعل المتواصلة والرافضة لتوقيع الاتفاقيتين الأخيرتين بين حكومة الوفاق وتركيا الى أن الأولى قد وضعت نفسها في مأزق كبير،ذلك أنها باتت في مواجهة اقليمية ودولية تهدد شرعيها المستمدة من الخارج والتي تعول عليها في ظل فقدانها للشرعية المحلية بعد عجزها عن نيل ثقة البرلمان الليبي خلال السنوات الماضية.

آخر ردود الفعل جاء على لسان وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس،اليوم الإثنين،والذي دعا الإتحاد الأروبي إلى "إدانة صريحة لمذكرة التفاهم البحرية بين تركيا وحكومةالوفاق ، وإنشاء إطار للعقوبات إذا لم تمتثل تركيا وحكومة طرابلس".وقال الوزير أن القضايا التي أثيرت في إجتماع الإتحاد الأوروبي ببروكسيل  هي التوقيع على المذكرتين الباطلتين بين تركيا وحكومة طرابلس ، وانتهاك اتفاقية الصخيرات والانتهاك المباشر للقانون الدولي وقانون البحار.

وفي سياق متصل،أكد من جهته الدكتور علي عبد العال،رئيس مجلس النواب المصري، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد كل ما يهدد مصالحها، ولن تقبل أي عبث من أية دولة أجنبية على الحدود الغربية في دولة ليبيا.وذلك في تعقيب له على البيان العاجل من النائب مصطفى بكري، بشأن توقيع اتفاقية بحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، وفقا لبوابة "الأهرام" الحكومية.

وشدد عبد العال على أن الاتفاق "يمثل خطرا على مصر ويخالف اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، موجها التحية لموقف الخارجية المصرية التي أعلنت رفضه.وأضاف "هذا الاتفاق مرفوض، وليس كل من ترادوه لحظات الجنون أن يعبث أو يقترب من الحدود الجوية أو البرية أو البحرية المصرية نسمح له بذلك".وتابع "لن نقف ولن نسمح بأي عبث في حدودنا أو على مقربة من حدودنا البحرية، وسنتصدى لهذه المهاترات التي تحدث في لحظات من الجنون لدى البعض".

وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع جولة يؤديها رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح الى مص واليونان في سياق مناقشة تطورات توقيع الاتفاقيتين.وبدأ صالح جولته بزيارة مصر حيث سيجري مباحثات مع مشعل السلمي، رئيس البرلمان العربي، حول تداعيات الاتفاقية الموقعة بين السراج وأردوغان على ليبيا ومصر، بالإضافة إلى المطالبة بدعم البرلمان العربي لسحب الاعتراف الدولي من حكومة السراج؛ نظرًا لما باتت تشكله من تفريط في سيادة ليبيا والتفريط في حقوق الشعب الليبي،وفق ما أكد المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق.

وأشار بليحق في تصريحات صحفية،إلى لقاء مرتقب خلال الأيام المقبلة، لعقيلة صالح مع رئيس مجلس النواب المصري، لبحث العلاقات الثنائية بين المجلسين، بالإضافة إلى توحيد الموقف حيال اتفاقية السراج وأردوغان، فضلًا عن طلب دعم مجلس النواب والحكومة المصرية في سحب الاعتراف الدولي من حكومة السراج.

كما سيتوجه عقيلة صالح إلى دولة اليونان تلبية لدعوة من رئاسة مجلس النواب اليوناني، وذلك للمطالبة بسحب الاعتراف بحكومة السراج عقب توقيعها اتفاقين عسكري وامني مع رئيس النظام التركي أردوغان.وأكد بليحق ان هذا التحرك الدبلوماسي لمجلس النواب يأتي للحفاظ على سيادة ليبيا، وقطع الطريق على تركيا في دعم المليشيات المسلحة والخارجين عن القانون.

ويسعى صالح في اليونان إلى بدء حملة لسحب الاعتراف الدولي من حكومة السراج على خلفية تفريطها في حقوق الشعب الليبي.ودعت كتلة نواب برقة مجلس النواب الليبي لعقد جلسة طارئة وعاجلة لسحب الاعتراف بالسراج، من خلال إسقاط الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات، وأضافت الكتلة، أنهم يدعون البرلمان للتصويت على إلغاء الاتفاق السياسي باعتبار تصرف السراج الاخير إطلاق رصاصة الرحمة على الاتفاق واستمرار تفرده بالقرار خلافا للاتفاق السياسي يشكل في كل لحظة خطر حقيقي على سيادة ليبيا وثرواتها ووحدة أراضيها.

وكانت اليونان أعلنت يوم الجمعة طرد السفير الليبي محمد يونس المنفي بعد ان منحته 72 ساعة لمغادرة البلاد احتجاجا على هذه الاتفاقية التي لم تعلن تركيا أو ليبيا عن مضمونه.ووصف وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديدنياس اتفاق ترسيم الحدود البحرية بانه انتهاك سافر للقانون الدولي.فيما أكدت قبرص إنها ستقدم التماسا لمحكمة العدل الدولية بهدف حماية حقوقها البحرية.

وامام حالة الرفض الدولية المتصاعدة واصلت انقرة تحديها للمجتمع الدولي وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن الاتفاق البحري مع ليبيا لا يستهدف دول الجوار، وقد أُبرم للحفاظ على حقوق ومصالح تركيا وليبيا اللتين تتمتعان بالسيادة.وأضاف أكار أن طلب اليونان من السفير الليبي مغادرة البلاد على خلفية الاتفاق البحري، دليل على عجز أثينا، مؤكدا أن ذلك لن يؤثر على الاتفاق.

وحول مسألة شرق المتوسط، جدّد وزير الدفاع التركي حرص بلاده على عدم السماح بانتهاك حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك.وأردف قائلا "على الجميع أن يدرك استحالة أي حل في المتوسط وجزيرة قبرص دون وجود تركيا".وفق ما نقلت وكالة "الأناضول".وكان البرلمان التركي قد صادق في وقت سابق على الاتفاقيتين.

ويشير مراقبون الى أن تركيا كانت تسعى لهاتين الاتفاقيتين منذ العام 2018 بهدف مد النفوذ التركي في ليبيا وتدعيمه باتفاقيات عسكرية مشتركة. واستغلت أنقرة حلفائها من تيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الاخوان" للضغط على حكومة الوفاق وهو ما أكدته دعوات قيادات اخوانية في وقت سابق لتوقيع اتفاقيات مع تركيا بهدف شرعنة وجودها في ليبيا بعد أن قوبلت دعوات سابقة برفض شعبي واسع ووصفت بأنها خيانة عضمى.

لكن هذا الالتفاف الجديد أوقع كومة السراج في مأزق تجاوز الداخل الليبي ليصبح في مواجهة خارجية مكنته من الشرعية.فبحسب مراقبين الاتفاق باطل وغير شرعي وخارج صلاحيات السراج الذي تصرف منفردًا ضاربًا عرض الحائط باتفاق الصخيرات الذي أنشأ مؤسسات ليبية وحدد طريقة التعامل المعترف بها وهذا الاتفاق لا يوجد به ما يتيح لرئيس حكومة الوفاق أن ينفرد بتوقيع الاتفاق مع دولة تركيا.

واتفق وزراء خارجية مصر سامح شكري واليونان نيكوس دندياس وقبرص نيكوس خريستودوليدس على عدم وجود أي أثر قانوني للإعلان عن توقيع الجانب التركي مذكرتيّ التفاهم مع فايز السراج.وقال أحمد حافظ المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن الوزير سامح شكري، أجرى اتصالا هاتفيا بكل من نظيريه اليوناني والقبرصي واتفقوا على أنه لن يتم الاعتداد بهذا الإجراء لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي، وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال.

وتزيد هذه التطورات من مأزق حكومة الوفاق التي تعيش وضعا صعبا في ظل تشديد الجيش الليبي لضرباته وتقدمه في عدة محاور.وأكد عضو مجلس النواب أبوبكر بعيرة أن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج تعيش وضعا صعبا سياسيا وعسكريا انعكس في تصريحات وزير الخارجية محمد سيالة التي قال فيها إن طرابلس قد تسقط بيد الجيش. 

ونقلت صحيفة العرب اللندنية عن بعيرة قوله أن تلك التصريحات تعبر بوضوح عن حقيقة الوضع السياسي والميداني المعقد والمتدهور لحكومة السراج نتيجة استمرار قوات الجيش في التقدم بثبات وبزخم كبير نحو العاصمة طرابلس لتحريرها من التشكيلات المسلحة.وبين بعيرة أن الوضع الميداني يتحرك في اتجاهات تشير إلى أن ليبيا ستشهد خلال الفترة القادمة تطورات فارقة وهي تطورات تُنبئ في مجملها بأن حدثاً كبيراً سيحصل قريباً.

وكان محمد سيالة وزير الخارجية المفوض في حكومة الوفاق الليبية،قال خلال مؤتمر الحوار المتوسطي الذي اختتم أعماله مساء السبت بالعاصمة الإيطالية روما إن "طرابلس قد تسقط في يد الجيش الوطني".وأضاف في مقابلة أخرى مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية،"ربما يتمكن حفتر من دخول طرابلس، مع تزايد الانخراط الروسي من خلال تزويده بالطائرات المسيرة والمرتزقة، فإن احتمال سقوط العاصمة قائم".

ومن جهته،لم يستبعد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة هو الآخر إمكانية دخول قوات الجيش الليبي إلى طرابلس.وقال سلامة في تصريحات نشرتها الأحد صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية إن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر "يقترب من إحكام القبضة على طرابلس، وربما تحقيق انتصار كبير، وذلك بفضل الدعم الروسي له".

وتشهد حكومة الوفاق خلافات داخلية كشف عنها فرض ميليشيات موالية لحكومة الوفاق ما يشبه الحصار على مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة،بالاضافة للانتقادات المتكررة من حلفاء السراج ول أداء حكومته وآخرها تلك التي وجهها مفتي طرابلس المعزول الصادق الغرياني،حيث حذر من "تباطؤ حكومة الوفاق في نصرة الجبهات القتالية"، مشيرا في تصريحات له إلى أن تلك القوات لم تتقدم خطوة واحدة.

وفي غضون ذلك يواصل الجيش الليبي تقدمه الميداني حيث أعلن آمر التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة الليبية، خالد المحجوب، أن وحدات الجيش   حققت تقدما وسيطرت على مناطق الساعدية، وكوبري الزهراء، وعين زارة جنوب طرابلس، وذلك خلال معارك ضد القوات الموالية لحكومة الوفاق.

ونقلت وكالة نوفا عن المحجوب قوله إن تقدم الجيش في كوبري الزهراء جاء بعد معركة عنيفة ضد قوات الوفاق استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة موضحا أن قوات الجيش أجبرت قوات الوفاق على الانسحاب من شمال منطقة عين زارة، كما عززت سطرتها على ما تبقى من أحياء في منطقة الساعدية والطريق الرئيسي خارجها، بينما انسحبت قوات الوفاق شمالا.

يأتي ذلك فيما يواصل الجيش الليبي تدعيم قواته والدفع بالتعزيزات تمهيدا لدخول طرابلس وتحريرها بالكامل وفق مسؤولين عسكريين.ويرى مراقبون أن الأوضاع في العاصمة الليبية تتجه نحو تطورات كبيرة قد ترسم ملامح المشهد السياسي والأمني في البلاد.ويشير هؤلاء الى أن انهاء سطوة المليشيات المسلحة وتوحيد مؤسسات الدولة سيكون الخطوة الأولى في طريق اعادة بناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار فيها.