تلقي الوضعية الإقليمية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية الشديدة التعقيد بظلالها على المنطقة، بسبب انتشار الحركات الإرهابية،خاصة في ليبيا التي باتت بيئة خطيرة لتحالف الجماعات الإرهابية في ظل الفوضى التي تعصف بها منذ سنوات،التي تمثل خطرا عابرا للحدود.ولذلك تكافح تونس لكبح جماح الخطر الذي يتمثل في تسلل العناصر الارهابية وما يمثله من خطر على أمنها القومي.
إلى ذلك،وفى إطار التدابير الأمنية التي إتبعتها لحماية حدودها،أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن تركيز وحدة جوية جديدة معززة بثلاث طائرات عمودية من نوع "بيل429" ستوكَل إليها مهام مراقبة السواحل التونسية والتدخل في أثناء الكوارث والإجلاء الصحي، ومنع تسلل العناصر الإرهابية إلى المناطق السياحية التونسية.
وذكرت مصادر أمنية تونسية أن هذه الوحدة الجوية ستتولى المراقبة الدورية للسواحل التونسية، وهو ما من شأنه أن يسهم في تقليص مختلف المخاطر الإرهابية القادمة عبر السواحل البحرية التونسية (نحو1300 كلم من السواحل)، علاوة على مراقبة الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الإيطالية على وجه الخصوص.
وكانت تونس قد أعلنت عن منطقة عسكرية مغلقة بولايات -محافظات- الوسط الغربي (القصرين وسيدي بوزيد)، ومنطقة عسكرية عازلة على طول الحدود الشرقية مع ليبيا علاوة على تركيز ساتر ترابي وسياج إلكتروني لمحاصرة التسللات المتكررة للعناصر الإرهابية الوافدة على تونس من معسكرات إرهابية في ليبيا المجاورة، وبقيت السواحل التونسية غير خاضعة لمراقبة مشددة وهو ما استوجب تشكيل هذه الوحدة الجوية المعززة بطائرات عالية الدقة على مستوى المراقبة بما يقلص المخاطر الإرهابية القادمة من البحر.
يُذكر أن تقارير أمنية تونسية قد أكدت أن الإرهابي التونسي سيف الدين الرزقي الذي نفّذ الهجوم الإرهابي، مستهدفاً فندقاً سياحياً في مدينة سوسة (وسط شرقي تونس) يوم 26 يونيو (حزيران)2015، قد تسلل عبر السواحل التونسية المواجهة لمدينة سوسة قبل أن يفتح سلاحاً من نوع كلاشنيكوف على مجموعة كبيرة من السياح الأجانب، مما أدى إلى مقتل 39 سائحاً أغلبهم من البريطانيين.
ورغم تحسن الوضع الأمني، والانخفاض الملحوظ في عدد العمليات الإرهابية في تونس التي تعيش منذ فترة استقرارا أمنيا بحسب المراقبين، لكن التهديدات بوقوع عمليات ارهابية لا تزال مستمرة من قبل العناصر الارهابية المتواجدة بالمرتفعات الغربية بالبلاد، كما تؤكدّ على أنّ خطر الإرهاب على الحدود التونسية الليبية ما يزال قائما، بسبب تواصل الوضع المضطرب في ليبيا.
وكان وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي،قال في وقت سابق إن الوضع الأمني العام بالبلاد يتسم بالاستقرار النسبي، مؤكدًا أنه "لم يتم القضاء نهائيًا على آفة الإرهاب، وأنه لا تزال جيوب إرهاب في بعض المرتفعات الغربية للبلاد وبعض خلايا نائمة ناشطة وذئاب منفردة مع تواصل تسجيل تواطؤ بعض المتساكنين القاطنين بتخوم المرتفعات المذكورة من خلال توفير الدعم اللوجيستي للإرهابيين".
وبيّن الزبيدي، خلال جلسة استماع له عقدتها لجنة الأمن والدفاع، مساء الاثنين 22 يوليو 2019، في مقر مجلس نواب الشعب بباردو، بخصوص الوضع الأمني للبلاد، أن منسوب التهديدات بمرتفعات جندوبة والكاف والقصرين وجبل عرباطة في ولاية قفصة يبقى جديًا في ظل تواتر معلومات حول تواصل رصد تحركات مكثفة لنفس الجماعات الإرهابية أمام الضغط المتواصل عليهم من طرف الوحدات العسكرية بالتنسيق مع قوات الأمن الداخلي".
وفيما يتعلق بالوضع الإقليمي، قال وزير الدفاع إن "ليبيا ومناطقها الغربية القريبة من الشريط الحدودي مع البلاد تبقى الأكثر خطورة على الأمن التونسي"، مؤكدًا أن الوضع على الحدود يبقى تحت السيطرة في ظل الإجراءات الأمنية المتخذة في المجال والمدعومة بمنظومة المراقبة الإلكترونية بالشريط الحدودي الجنوبي الشرقي (رأس جدير- الذهيبة) والساتر الترابي".
وتشهد ليبيا توترا كبيرا في العاصمة طرابلس على وقع الاشتباكات العنيفة بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وذلك في أعقاب اطلاق الجيش الليبي لعملية عسكرية منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بهدف تحرير العاصمة من سطوة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية.
وجددت تونس دعوتها إلى وقف الحرب المشتعلة في ليبيا، مشددة على ضرورة حل الأزمة فيها سياسيا وداعية جميع الفرقاء هناك للتمسك بالحوار .وأكد وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، خلال ندوة صحفية عقدها،الخميس، مع نظيره الليبي بحكومة الوفاق الوطني، محمد الطاهر سيالة، حرص تونس على مساعدة الليبيين في تخطي خلافاتهم والتوجه نحو الحل السلمي عبر المباحثات السياسية، بدل التوجه نحو المواجهات العسكرية، مشيرا إلى أنه "ليس هناك أي إمكانية لفرض الحل العسكري في ليبيا.
وأوضح الجينهاوي أن تونس ما زالت على اتصال بالأطراف الدولية الفاعلة لدفع مزيد من الجهود الدبلوماسية الرامية لإيجاد حل للأزمة الليبية ووضع حد لسفك الدماء، كان آخرها خلال الشهر الماضي حين التقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على هامش أعمال الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين تونس والولايات المتحدة.
ولفت الجينهاوي إلى أن تونس تقف على نفس المسافة من مختلف الأطراف الليبية، وأنها ليست منحازة لأي طرف كان، معربا في هذا السياق أن استقرار ليبيا من مصلحة تونس، التي تعيش مرحلة دقيقة من الانتقال الديمقراطي وتكريس المؤسسات، وفق تعبيره.وأضاف أنه مهما كانت الاختلافات بين أبناء الوطن الواحد، وجب أن يكون الحل السياسي للأزمة ليبي ليبي، مردفا أن تونس مستعدة للقيام بأي مبادرة أو توجه لوقف الاقتتال وأنها تتابع وتبارك جهود المبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة في سبيل وضع حد للنزيف الليبي.
ويشكل الواقع الليبي المشحون منذ العام 2011،بين انسداد الأفق السياسي وتواصل التصعيد بين الفرقاء،وتردي الوضع الأمني على الأراضي الليبية،مصدرا لتفشي الفوضى في هذا البلد المترامي الأطراف،وهو ما مثل بيئة خطيرة لتحالف الجماعات الإرهابية،التي شكلت خطرا تجاوز ليبيا نحو دول جوارها.
وتعتبر تونس من أشد الدول تأثرا بما يجري في المشهد الليبي،حيث ترتبط مع ليبيا بحدود برية مشتركة تمتد على نحو 500 كلم، الأمر الذي يسهل عملية انتقال المتشددين عبر الحدود، خاصة مع غياب الأمن على الجانب الليبي، جراء الانقسامات الحادة ووالصراعات المتجددة جراء انتشار الجماعات المسلحة.
ورغم تحسن الوضع الأمني،خلال العامين الماضيين فقد عاد "شبح" الإرهاب مجددا،ليضرب تونس،حين وقع تفجران انتحاريان وسط العاصمة التونسية، الخميس 27 يونيو 2019، مما خلف عددا من الجرحى، إذ استهدف الأول سيارة شرطة في شارع شارل ديغول، قالت مصادر إنه وقع على بعد 100 متر من السفارة الفرنسية، وأسفر عن وفاة رجل أمن واصابة أخر بالاضافة الى اصابة 3 مدنيين آخرين.
أما الانفجار الثاني، فاستهدف وحدة مكافحة الإرهاب،على الساعة 11.00 صباحا إثر قيام شخص بتفجير نفسه قبالة الباب الخلفي لإدارة الشرطة العدلية بالقرجاني في العاصمة، وخلف 4 إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف القوى الأمنية،تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.وفق بلاغ لوزارة الداخلية التونسية.
وتزامنًا مع هذين التفجيرين،أعلنت وزارة الدفاع التونسية أن مجموعة إرهابية أقدمت على مهاجمة محطة الإرسال بجبل عرباطة بقفصة والتي تحرسها تشكيلات عسكرية عبر إطلاق النار على الساعة الثالثة والنصف فجر اليوم الخميس 27 جوان 2019.ورغم ذلك لم تسجل هذه العملية أية أضرار بشرية.واضافت الوزارة ان التشكيلة العسكرية المتواجدة بالمكان تدخلت في الحين برد الفعل فوريا مما اجبر هذه المجموعة على الفرار بعمق الجبل.
ويثير تقهقر الجماعات الإرهابية في ليبيا وانحسار نفوذها،مخاوف السلطات التونسية من إمكانية تسلل الجهاديين إلى البلاد وتنفيذ هجمات إرهابية مشابهة لتلك التي حصلت خلال السنوات الماضية،وهو ما يدفع بالسلطات التونسية الى تعديل خططها الأمنية في مواجهة الخطر الارهابي القائم.حيث شرعت وزارة الدّاخلية منذ 7 يناير 2019، في تنفيذ خطة أمنية جديدة لمكافحة الإرهاب في القصرين والتي سيتم تعميمها تدريجيا على الشريط الحدودي الغربي من بينها جندوبة والكاف، حسب ما اكده وزير الداخلية هشام الفوراتي في أعقاب جلسة استماع بالبرلمان حينها.
وأكد الفوراتي،أن هذه الخطة الأمنية تتمثل في توحيد القيادات الميدانية في مكافحة الإرهاب ودورها الاستعلاماتي بما في ذلك التدخل الميداني مع توفير التجهيزات الضرورية، مشيرا الى ان ترتكز  أيضا على تخصيص قوة أمنية مشتركة بين الشرطة والحرس الوطني مهمتها مكافحة الإرهاب فقط   وستكون لها حرية المبادرة.
وتكافح تونس لكبح خطر الجماعات المتشددة وتضييق الخناق عليها، خاصة أن آلاف التونسيين يقاتلون في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا وسوريا، ويشكلون خطراً حال عودتهم إلى بلادهم.ورغم الاجراءات الأمنية الكبيرة فان الخطر لازال يتربص بأمنها.ودفع ذلك بالرئاسة التونسية للإعلان،مطلع أغسطس الجاري، عن قرار بتمديد حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ نوفمبر 2015، لمدة شهر إضافي.
وأوردت وكالة تونس للأنباء أن رئيس الجمهورية المؤقت محمد الناصر "قرر تمديد حالة لطوارئ في كامل تراب الجمهورية لمدة شهر واحد، ابتداء من يوم 4 أغسطس الجاري ولغاية 2 سبتمبر 2019".وكان رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي، مدد في الخامس من يوليو الماضي حالة الطوارئ في البلاد، لمدة شهر.
 وتشكل الأزمة الليبية قلقا في دول الجوار الليبي،التي تخشى تسلل متشددين يحاولون الدخول إليها عبر الحدود مع ليبيا،التي مثلت طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد "بؤرة إرهاب"،مع استمرار تداعي وتدهور الأوضاع الأمنية فيها حيث تتعثر المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السياسية وتبعاتها الأمنية.