في الوقت الذي تتواصل فيه الانقسامات بين الفرقاء وعلى وقع الصراع العسكري في العاصمة الليبية طرابلس،تستمر موجات الهجرة إلى أوروبا عبر البوابة الليبية والتي تتسبب في مآس إنسانية،مع تواصل غرق الآلاف في المتوسط،في مشهد مؤلم تكرر حدوثه منذ اندلاع الأزمة في لبيبيا في العام 2011 وتحولها الى ساحة لمهربي البشر الذين يستغلون أوضاعا وظروف عيش قاسية تمر بها بعض شعوب أفريقا جنوب الصحراء، وهم الأغلبية بين المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتلهفون للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مجازفين بحياتهم.

أحدث صور هذه المآسي تمثل في غرق ما يقرب من 40 شخصاً على الأقل قبالة سواحل ليبيا،فيما بلغ عدد الناجين 60 شخصا بحسب ما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.وجددت المفوضية، دعوتها العاجلة للتحرك من أجل إنقاذ الأرواح، لافتة إلى أنه قد تم نقل الناجين إلى الشاطئ في بلدة الخمس الساحلية والتي تبعد حوالي 100 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، كما باشر خفر السواحل الليبي وصيادون محليون عملية الانقاذ منذ صباح اليوم وهي ما زالت مستمرة.

وكثيرا ما تنقلب سفن متهالكة وعلى متنها أعداد كبيرة من المهاجرين قبالة ساحل ليبيا. ولقي أكثر من 100 شخص حتفهم الأسبوع الماضي وانقلب قارب يقل نحو 250 شخصا الشهر الماضي.وأكدت المفوضية، أن التقديرات تشير إلى أن حوالي 900 شخص قد فقدوا حياتهم وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط في عام 2019.

وقال المبعوث الخاص للمفوضية لوسط البحر المتوسط فينسنت كوشتيل "يجب ألا نقبل ببساطة حدوث هذه المآسي واعتبارها حتمية. يجب أن يتحول التعاطف من الآن فصاعداً إلى عمل فعلي لمنع وقوع خسائر في الأرواح في البحر، وتفادي حالة اليأس التي تحفز هؤلاء الأشخاص على المجازفة بحياتهم في المقام الأول".

ودعت المفوضية، إلى تكثيف الجهود للحد من الخسائر في الأرواح في البحر، بما في ذلك عودة سفن البحث والإنقاذ التابعة للاتحاد الأوروبي، قائلة "ينبغي رفع القيود القانونية واللوجستية عن عمليات البحث والإنقاذ التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، سواء في البحر أو في الجو، كما ينبغي أن تسهل الدول المطلة على السواحل الجهود التطوعية الهادفة للحد من الوفيات في البحر، بدلاً من عرقلتها، يجب أن تسير هذه التدابير جنباً إلى جنب مع زيادة أماكن الإجلاء وإعادة التوطين من قبل الدول لنقل اللاجئين في ليبيا بعيداً عن الأذى".

ويلقى الآلاف حتفهم سنويا في البحر المتوسط من بين مئات الآلاف حاولوا العبور من شمال أفريقيا إلى أوروبا في السنوات القليلة الماضية، غير أن عدد من يقدمون على هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر يتراجع فيما تحاول الدول الأوروبية ابعاد المهاجرين عن أراضيها والقاء الحمل على ليبيا التي تكتظ بمراكز الاحتجاز.

والاثنين، قال المفوض بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، إن "الأمم المتحدة توقفت عن تقديم المساعدة بخصوص نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم"، مؤكدا أن ليبيا تتعامل مع ظاهرة الهجرة من "منطلق إنساني".وشدد باشاغا على ضرورة "ألا يتم تحميل ليبيا في هذا الشأن أكثر من طاقتها خاصة وأنها تمر بظروف ليست خافية على أحد ومع ذلك نتعاون من المنظمات الدولية ذات العلاقة بشأن إيجاد حلول لهذه المشكلة".

وجاء حديث باشاغا خلال اجتماعه الاثنين، مع مساعدة المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كيلي كليمنتس، بديوان وزارة الداخلية في العاصمة طرابلس بحضور مدير إدارة العلاقات والتعاون بالوزارة.وكان تدفق المهاجرين من السواحل الليبية نحو أوروبا قد شهد تراجعا خلال السنة الماضية بعد توقيع حكومة الوفاق لاتفاقية مع إيطاليا.

ولا يستبعد مراقبون بحسب صحيفة "العرب" اللندنية أن تكون حكومة الوفاق قد أطلقت يد المهرّبين لاستئناف عملية تهريب المهاجرين نحو أوروبا كمحاولة للضغط للحصول على إدانة أوروبية للعملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي لتحرير طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية.

وكان رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج،حذر في مقابلتين مع صحيفتين إيطاليتين من أن الحرب في بلاده قد تدفع أكثر من 800 ألف مهاجر نحو السواحل الأوروبية.وقال السراج في تصريح لصحيفة "لا ريبوبليكا" إيطالية، "لن يكون هناك فقط 800 ألف مهاجر جاهزون للرحيل، سيكون هناك ليبيون يفرون من هذه الحرب".وأضاف "نواجه حرباً عدوانية قد تصيب بعدواها المتوسط برمته. على إيطاليا وأوروبا أن تكونا موحدتين وحازمتين للتصدي للحرب العدوانية التي يشنها حفتر" لافتا إلى أن الدمار سيطال أيضا "الدول المجاورة".

وفي المقابل،أكد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني (يمين متطرف) أن الموانئ الإيطالية ستظل مغلقة في حين سارع نائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو إلى الرد على السراج قائلاً "لن نسمح أبداً بأن يصل 800 ألف مهاجر إلى إيطاليا".وكرر دي مايو أن على أوروبا برمتها أن تتدخل في قضية الهجرة عبر "سياسة إعادة توزيع للمهاجرين" و"سياسة تعاون لإرساء الاستقرار في ليبيا".

واعتبرت تقارير اعلامية حينها إن لجوء فايز السراج لمسألة المهاجرين يهدف لدفع ايطاليا الى التدخل في ليبيا لصالح حكومته.لكن هذه المحاولات قوبلت بالرفض من مسؤولين ايطاليين،حيث أكدت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، إن الحل الدبلوماسي في ليبيا هو السبيل الوحيد المُجدي بالنسبة لإيطاليا.وقالت الوزيرة في تصريحات إذاعية ونقلتها وكالة "آكي"الإيطالية،"إن من يتحدث عن هجمات عسكرية محتملة لا يدرك ما يقول لأننا نشهد اليوم عواقب هجوم عسكري لم يتم التفكير بعواقبه في إشارة الى عمليات الناتو سنة 2011 مبينة أن اللحظة الراهنة لن تكون أفضل من تلك السابقة.

وأشارت الوزيرة الى أن العواقب وبشكل خاص فيما يتعلق بزعزعة الاستقرار ستلقي بظلالها على إيطاليا فوراً لذلك فمن يقول لنهجم وإلا فسيتدفق المهاجرون لا يفهم أننا إذا وصلنا إلى نشوب حرب فلن يكون لدينا مهاجرين بل لاجئين، وهؤلاء الأخيرين يجب استقبالهم،على حد قولها.

وتكتظ مراكز الإيواء في ليبيا بعشرات الآلاف من المهاجرين ممن قامت السلطات الليبية بتوقيفهم داخل البلاد أو إنقاذهم في عرض البحر وسط روف انسانية مروعة.وفي يوليو الماضي،،استهدفت نيران الحرب مركزاً لاحتجاز المهاجرين، غالبيتهم من الأفارقة، في ضاحية تاجوراء في طرابلس،وخلفت 44 قتيلاً، و130 جريحاً، وفق بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.

واعتبر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة الهجوم بمثابة "جريمة حرب"، في حين دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وقف إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا.وأعربت المفوضية عن "قلقها البالغ من روايات عن وفاة لاجئين ومهاجرين"، في حين وصفت منظمة أطباء بلا حدود الحادث، في بيان، بأنه "مأساة مروعة كان يمكن تجنبها بسهولة".

وكشفت الحادثة عن تجاوز واضح وسافر للقانون الإنساني الدولي الذي يؤكد على أن إختيار مواقع " مراكز الايواء " يجب ان يراعي فيه الظروف الامنية والانسانية وان يكون ملائم للاعداد المحتجزة فيه ويتوفر فيه الرعاية والحراسة الازمة لهم.وهو ما لا يتوفر في المركز المذكور الذي يقع في خط النار.

وحملت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب،مسؤولية الحادث لحكومة الوفاق التي تتحمل مسؤولية وضع المحتجزين في أماكن غير آمنة وكذلك للمجموعات المسلحة التابعة لها والتي لم تتردد في استخدام المهاجرين واستغلالهم لأغراضها الإجرامية في استخفاف بالغ بكافة القيم الإنسانية.

وتقيم حكومة الوفاق مراكز لاحتجاز المهاجرين بصورة سيئة وتواجه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان بسبب عدم صلوحيتها الامنية والانسانية لهذه المهمة بالرغم من الاموال الطائلة التي أهدرتها حكومة الوفاق.ويدير هذه المراكز قادة المليشيات الذين تم ضمهم للجهاز ومنحهم رتب عسكرية والذين يمارسون شتى أنواع الانتهاكات في حق المهاجرين.

ومازالت موجات الهجرة إلى أوروبا من البوابة الليبية تطرح نفسها كاحدي المعضلات التي يعاني منها هذا البلد،حيث تتسبب هذه الموجات في مآس إنسانية،مع تواصل غرق الآلاف في المتوسط.ويمثل ملف المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقا من ليبيا للوصول إلى الشواطئ الإيطالية من بين أبرز المشكلات التي تطرحها الازمة الليبية،والتي يرى مراقبون أنها حلها يبقى رهين انهاء الانقسامات في البلاد وارساء سلطة موحدة قادرة على مواجهة التحديات القائمة.