ساهمت الفوضى العارمة والانفلات الأمني، وغياب دولة مركزية قوية،في بسط الميليشيات المسلحة نفوذها في ليبيا،كما كانت البوابة التى سهلت دخول التنظيمات الإرهابية إلى الأراضي الليبية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذى سعى إلى إستغلال الإنقسامات والفوضى لتأسيس موطئ قدم له فى المنطقة.

ولئن شكل الإعلان الرسمي عن تحرير مدينة سرت الساحلية،مصدرا لفرحة عارمة لدى جموع الشعب الليبي، خاصة بعد المجازر التي ارتكبها هذا التنظيم ضد المئات من الليبيين والأجانب، إلا أنه في الوقت نفسه طرح العديد من التساؤلات عن مستقبل التنظيم في البلاد ومدى الخطر الذي مازال يشكله فيها.

هذه التساؤلات،يجيب عنها التنظيم الذي يطل بوجهه في ليبيا،بين الحين والآخر في محاولة للعودة للمشهد، وإراقة مزيد من الدماء من خلال عملياته الإرهابية، التي تأتي انتقاما لخسائره السابقة في عدة مناطق من البلاد، وسعيا لإعادة وجوده في العمق الليبي.

وعلى خلاف مايقوم به المسلمون في مختلف انحاء العالم، باستقبالهم لعيد الإضحى المبارك، واستقبال أجواءه وروحانياته التي تطهر القلوب،يستقبل تنظيم داعش الإرهابي هذه الأيام السعيدة بالمزيد من القتل وسفك الدماء، وترويع الآمنين، في مختلف دول العالم.


** هجوم جديد

إلى ذلك،شهد ثالث أيام عيد الأضحى المبارك،هجوما دمويا على بوابة كعام الواقعة بين مدينتي الخمس وزليتن،وهو ما أسفر عن وقوع عدد من القتلى و الجرحى في صفوف أفراد الأمن.وأكد مصدر من مدينة مصراتة، في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية، أن الهجوم نفذه ثلاثة أشخاص ملثمين يرجح انتمائهم لتنظيم داعش الإرهابي أطلقوا أعيرة نارية على أفراد الأمن المتواجدين بالبوابة.

وكانت مصادر أمنية متطابقة، من مدينة زليتن ( 150 كم شرق طرابلس ) قد أكدت تنفيذ تنظيم داعش هجوما مسلحا على بوابة "عين كعام" بمدخل المدينة الغربي فجر الخميس 23 أغسطس/آب.وأوضحت المصادر أن عددا من مسلحي داعش هاجموا البوابة مستغلين عطلة العيد، حيث تقل الكثافة الأمنية فيها ووجهوا فوهات بنادقهم على أفراد الحراسة وألقوا قنبلة يدوية بجانب مبنى البوابة.

وتحدثت تقارير إعلامية عن تمكن الأجهزة الأمنية من قتل أحد الإرهابيين،ونشرت بعض الصفحات التابعة لمديرية أمن زليتن صورة الإرهابي الذي قتل،وكشف مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة، في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، أن منفذ الهجوم هو شاب ليبي من سكان شارع كلمبيه بمدينة سوق الخميس في الخمس، ويدعى علي إبراهيم الذيب من مواليد (1992) ويعمل أسطى طلاء بالمدينة.

وبحسب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فإن علي إبراهيم الذيب،يشتبه منذ فترة طويلة في انتمائه لتنظيم داعش.ونقل النشطاء معلومات على صفحاتهم تفيد بأن الذيب هو أحد رفاق رمضان الشربجي، أحد قادة تنظيم داعش، والمعتقل لدى قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق منذ أكثر من سنة، والمتهم في المشاركة في تنفيذ هجوم إرهابي في مدرسة تابعة لخفر السواحل الليبي بمدينة زليتن في يناير من عام 2016 راح ضحيته قرابة السبعين طالباً بالمدرسة.


** تنديد وإستنكار

وفور وقوع العمل الإرهابي،تصاعدت الأصوات المنددة،حيث عبرت الحكومة المؤقتة في بيان لها عن "إدانتها الشديدة للهجوم الإرهابي،ووصفته بأنه "يشهد على خسة ونذالة تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات المتطرفة التي تستهدف الأبرياء لزرع الشقاق بين الليبيين".مؤكدة "استعدادها التام لتقديم أي دعم لوجستي فوري لبلدية زليتن، مؤكدة أن كافة وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها ومصالحها الخدمية على استعداد تام أيضا لتقديم أية احتياجات تطلبها البلدية" بحسب نص البيان.

من جهته،أدان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،بأشد العبارات الهجوم الإرهابي،وتقدم رئيس المجلس فائز السراج، في بيان أصدره بـ"أحر رالتعازي لأهالي رجال الأمن الذين سقطوا نتيجة لهذه الجريمة البشعة داعيا الله أن يعجل شفاء المصابين" بحسب تعبيره.وأشار السراج إلى إعطائه تعليمات لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بالتحقيق الفوري والقبض على المعتدين.

وبدورها،أدانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان (فرع ليبيا)، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،العملية الإرهابية، وقالت المنظمتان في بيان مشترك، إن "تلك الجريمة تعد واحدة من أسوء الجرائم الإرهابية التي تشهدها المنطقة في الآونة الأخيرة، مؤكدتان على أن التصدي للتنظيمات الإرهابية في ليبيا يستدعي الإسراع بإنهاء الانقسام الوطني وتفعيل اتفاق المصالحة الوطنية، والتوقف عن المماطلات والتجاذبات غير الصحية".ودعت المنظمتان إلى "تكاثف الجهود الرسمية وغير الرسمية لمجابهة هذا التنظيم الذي كشر عن أنيابه مجدداً بعد بث التسجيل الصوتي لأمير تنظيم داعش أبوبكر البغدادي".


** تحريض البغدادي

ويأتي الهجوم على البوابة الأمنية،بعد ساعات من كلمة صوتية لزعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، دعا فيها عناصر التنظيم إلى هجمات مضاعفة في ليبيا ودول أخرى.ودعا مقاتلي التنظيم وأنصارَه إلى الاستمرار في القتال، في الوقت الذي يعيش فيه داعش أسوأ أيامه مع تقلص مناطق احتلاله في سوريا والعراق.

وبثت وكالة الفرقان أحد الأذرع الإعلامية لتنظيم داعش،مساء الأربعاء 22 أغسطس/آب،تسجيلا صوتيا لزعيم تنظيم "داعش"،توعد من خلاله من وصفهم بـ "أتباع الصليب" في هذه الدول بالموت والجهاد وما سماها العمليات الاستشهادية ثأرًا منهم على ما قاموا به ضد عناصر التنظيم.كما دعا الإرهابي البغدادي؛ أتباعه في ليبيا وسيناء والعراق وسوريا إلى الصبر وما وصفه بالاحتساب كل في مجال عمله إلى حين تحقيق النصر وذلك على حد زعمه.

وبالتزامن مع عملية "بوابة كعام الإرهابية"،تبنى تنظيم داعش هجوما بسكين نفذه مجهولا صباح الخميس 23 أغسطس/آب 2018، في مدينة تراب قرب باريس والذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.وجاء الإعلان عبر وكالة أعماق التابعة للتنظيم، حيث قالت إن منفذ الهجوم "من مقاتلي الدولة الإسلامية ونفذ الهجوم استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف".

وقالت الشرطة إن المهاجم تحصن في أحد المباني في ضاحية تراب في باريس.وتعد المدينة نحو 30 ألف نسمة، وتقع قرب فرساي جنوب غرب باريس. وكانت مصادر أمنية فرنسية قد قالت سابقاً لوكالة فرانس برس ان المدينة تضم عدداً كبيراً من المسلمين فيما يشتبه بأن نحو 50 من سكانها غادروا فرنسا للقتال الى جانب تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.

وأعلن داعش مسؤوليته عن هجمات في أنحاء العالم منها واقعة إطلاق النار في 22 يوليو في تورونتو بكندا والتي أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 13.ويشير مراقبون إلى أن رسالة أبو بكر البغدادي الجديدة من شأنها أن تكون دعوة لسلسلة عمليات إرهابية في عدة بلدان وعلى رأسها ليبيا.

ووردت أنباء مرارا عن مقتل البغدادي أو إصابته منذ أن قاد مقاتليه في اجتياح شمال العراق،فيما كانت آخر رسالة من زعيم "داعش" في صورة تسجيل صوتي مدته 46 دقيقة نشرته مؤسسة الفرقان في سبتمبر الماضي ودعا فيه أنصاره في أنحاء العالم لشن هجمات على الغرب ومواصلة القتال في العراق وسوريا ومناطق أخرى.


** تحذير أممي

وبعيدا عن تحريض البغدادي،يأتي الهجوم الإرهابي على بوابة كعام في ليبيا،بعد أيام قليلة من تحذيرات أممية بشأن إستمرار الخطر الإرهابي على الأراضي الليبية..

حيث قال تقرير خبراء بالأمم المتحدة،الإثنين 13 أغسطس/آب،والذي وزع على الدول الأعضاء بالمنظمة،إن أعداد مقاتلي داعش الارهابي المتبقين في ليبيا يتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل موزعين في أنحاء متفرقة من البلاد.

وذكر تقرير الخبراء، إن داعش الإرهابي لا يزال يملك القدرة على شن هجمات خطيرة داخل ليبيا وعبر الحدود، رغم خسارة معقله الرئيس في مدينة سرت إضافة إلى الضربات الجوية التي استهدفت مواقعه.وأرجع ذلك إلى زيادة قدرة التنظيم على استخدام تكتيكات قتالية غير متماثلة، وإلى استخدام أجهزة متفجرة وعبوات ناسفة، وفق ما نقلته جريدة "ذا تايم" الأميركية.

وفي سورية والعراق، قال التقرير إن أعداد مقاتلي "داعش" تصل إلى ثلاثين ألف مقاتل، مضيفًا أن الشبكة العالمية الموالية له تشكل تهديدًا مستمرًا، رغم خسائره الكبيرة.وتوقع أن "تنجح مجموعات سرية من عناصر وقيادات التنظيم في البقاء داخل سورية والعراق"، مع وجود مجموعات كبيرة من الموالين في ليبيا وأفغانستان وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا.

ويركز تقرير مجموعة الخبراء على تقييم أعداد عناصر "داعش" الارهابي المتبقين في الدول التي أعلن وجوده فيها، وتقييم قدرته على البقاء، وذلك بعد الخسائر التي تكبدها في سوريا والعراق وليبيا.


** داعش يعود

وتصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في الأشهر الأخيرة على يد داعش،ما ينذر بجدية محاولاته للعودة إلى الساحة الليبية بعد هزائمه السابقة. وكان التنظيم الإرهابي قد هدد،في فبراير الماضي،عبر صحيفة "النبأ" التي يصدرها التنظيم لنشر أخبار عملياته القتالية في أنحاء العالم،بإطلاق حرب استنزاف ضد المواقع الأمنية للجيش الليبي بعد أن أعلن التنظيم عن مسؤوليته عن عدة هجمات نفذها بليبيا.متوعدا بأنه سيوالي عملياته التي سوف تستهدف منطقة الحفرة وسرت والهلال النفطي.

واعتبر عضو مجلس النواب عن مدينة مصراتة وعضو لجنة الحوار السياسي فتحي باشاغا،في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن تنظيم "داعش" بدا وكأنه يسترد جزءًا من قوته، في أعقاب الهجوم الإرهابي على بوابة كعام الواقعة بين مدينتي زليتن والخمس.

وقال باشاغا في تدوينته،إن "داعش يسترد جزءًا من قوته التي فقدها في السابق"، متحدثًا في الوقت نفسه عن نجاح قوات "البنيان المرصوص بالتعاون في السابق مع التحالف مع التحالف الدولي بقيادة أميركا"، وذلك حين جرى القضاء على التنظيم في مدينة سرت خلال عملية كلفت ليبيا "700 شهيد وأكثر 2000جريح"، قبل أن يتم تسليم سرت لحكومة الوفاق الوطني.

وأضاف أن تنظيم "داعش يتواجد طرديًّا في المناطق والدول التي تكون فيها الحكومات ضعيفة وغير قادرة علي الحكم والقيادة الرشيدة، أو الحكومات المستهترة بحياة وأولويات شعوبها ومواطنيها"، وفق قوله.وأشار باشاغا إلى أن تنظيم داعش المتطرف قد ضرب بوابة كعام التي تبعد عن مكان تواجد حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس بـ 150 كم.

ومازال تنظيم داعش يمثل الهاجس الأكبر في الأوساط الليبية نظرا للفضائع الكبيرة التي ارتكبها في البلاد خاصة خلال فترة سيطرته على مدينة سرت،حيث يحاول إستغلال الإنقسامات بين الفرقاء وضعف التدابير الأمنية في البلاد لسفك المزيد من الدماء.ويرى مراقبون،أن توحد الليبيين لبناء دولة قوية سيكون الطريق الأمثل لفرض الأمن ودحر الإرهاب  نهائيا من الأراضي الليبية.