ربما يكون فن عبيدات الرمى، أحد أوجه الخصوصية الغنائية المغربية، إذ لايوجد هذا النمط الغنائي الفريد في دول أخرى، حتى في بلدان جوار المغرب.

يتعلق الأمر بفرقة غنائية، تتكون على الأقل من ثمانية إلى اثنى عشر فردا، يتميزون بنفس اللباس التقليدي الذي ينهل من التراث والحضارة المغربية، لكن ذلك ليس كل ما يميز عبيدات الرمى، فما هي حقيقة هذا الفن الغنائي؟ وما مميزاته؟ وهل لديه رسائل فنية أم مجرد وسيلة غنائية للتسلية؟

 

من المثير أن عبيدات الرمى كفن غنائي تراثي مغربي، قد أخذ في الانتشار بشكل مثير، بل وغير متوقع في ظل تنامي موجة أغاني الراب وألوان موسيقية أخرى حديثة، لكن عبيدات الرمى أثبت "صمودا" في وجه "العواصف" الغنائية سواء منها القادمة من الداخل أو الخارج.

 

أسباب عدة جعلت هذا النوع الغنائي يتشبث بالحياة ويقف صامدا في وجه موجة الأغاني الشبابية، والعصرية، ربما لأنه يحمل بين طياته نكهة شبابية، سواء من حيث أفراد الفرق التي تؤديه، أو حتى من حيث المواضيع التي يعالجها والتي تظل مواضيع ذات ارتباط وثيق بالمجتمع، خصوصا في عمقه البدوي.

راقصون ومغنون في مقتبل العمر، يصطفون بنظام، لكل واحد منه آلة موسيقية إن صح تسميتها كذلك، يترأسهم مقدم ينظم وينسق "العمليات" الغنائية، ويضبط إيقاعات المقاطع الموسيقية.

في المغرب يلقى هذا النوع من الفن إقبالا وترحيبا كبيرا، يعشقه كثيرون لتسميته القادمة أصلا من لفظ الرماية، فمصطلح "الرمى" قد اقتبس من الرماية وتم إلصاق إسم "عبيدات" به، ليدل أكثر على فئة من الشباب اختاروا في أزمنة سابقة احتراف الرماية، سواء لأغراض الدفاع أو الصيد أو غيرها، ويمكن الحديث أيضا عن تسمية "شباب الرمى" عوض "عبيدات الرمى".

 

مناطق عديدة في المغرب تحتفظ بلونها ونكهتها الخاصة المتعلقة بعبيدات الرمى، فلون تادلة ليس هو لون ورديغة أو الشاوية، وإن كانوا يشتركون جميعا في نفس النمط الغنائي، إلا أن اختلافات قد لا تظهر كثيرا هي التي تصنع الفرق بين عبيدات الرمى من منطقة لأخرى، على أن هناك مناطق بالمغرب لا وجود بها لهذا النوع من الغناء.

 

عماد الغناء بالنسبة لعبيدات الرمى هو الشعر المحلي النابض بيوميات المواطن البسيط، في حياته المنزلية أو العملية، في تناسق وتمازج سلس بين طريقة الأداء وتناسق الكلمات، فللجسد أيضا دور هام في أداء فرق عبيدات الرمى، بل إن الإيحاءات الجسدية لأفراد المجموعة، تكون أحيانا ابلغ من الكلمة، إن لم تكن أكثر إثارة لتفاعل المتلقي معها.

فمثلا عندما يجسد مقدم فرقة عبيدات الرمى دور فتاة بدوية تقوم بجلب دلو الماء من مصب النهر، أو هي تهم بتحضير الخبز أو الغذاء أو غيرها من يوميات المجتمع المغربي العميق.

 

تحركات وسلوكات وإيحاءات تختلط بشعر منمق من كلمات مختارة بالدارجة المغربية، تجعل المتفرج على عروض عبيدات الرمى، يغوص في بحر "عبيدات الرمى" ليدرك بعدها أنه في قرية أو بادية نائية، يعيش نمط حياة مختلف عن ما نعيشه في عصرنا هذا، لكنه لا يستثني إدخال إشارات من مظاهر التمدن والعصرنة، تغلفها كلمات وأبيات شعرية، لا تخلو أحيانا من طابع السخرية والهزل، لتصنع فرجة حقيقية فوق مسرح الأداء.

 

وتوجد مجموعات كثيرة من فرق عبيدات الرمى بالمغرب، كثيراما تتلقى دعوات للمشاركة في مهرجانات وعروض لمختلف دول العالم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فهناك مجموعات بمدن، سطات، خريبكة، الفقيه بن صالح، وادي زم، أبي الجعد، قصبة تادلة، وغيرها من المناطق المغربية.

 

من جهة أخرى تشهد العديد من المدن والمناطق المغربية مهرجانات على مدار السنة، مخصصة لهذا الفن، حيث تستضيف فيه فرقا مختلفة من مدن متعددة، وتلقى إقبالا جماهيريا محترما.