رغم إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، في مارس/آذار 2011، بحظر بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا، إلا أن تدفق الأسلحة المتجهة للجماعات المسلحة، تواصل من دول داعمة لهذه الجماعات وعلى رأسها تركيا، التي ترتبط بعلاقات إيديولوجية مع هذه الجماعات بمباركة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يمثل ذراع تركيا لنهب ثروات البلاد.

ومع انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة التي تجثم على صدر المدينة منذ سنوات،تحركت تركيا في محاولة لمنع سقوط المليشيات الموالية لها،وأمام الضربات المتتالية للجيش الليبي وتقدمه المستمر،بدأ التدخل التركي يزداد ويصبح أكثر علانية في موقف يعكس بوضوح نوايا أنقرة لاطالة أمد الصراع.

ففي تتطور جديد،أعلنت،السبت 18 مايو/أيار 2019،عملية "بركان الغضب" التابعة لقوات الوفاق، وصول إمدادات جديدة لقواتها متمثلة في مدرعات وذخائر وأسلحة نوعية، دون أن تلتفت إلى ما يمثله وصول هذه الأسلحة من خرق للحظر الدولي على توريد السلاح إلى ليبيا الذي يفرضه مجلس الأمن.

ونشر المكتب الاعلامي لعملية "بركان الغضب"،صورا لعشرات المدرعات على أحد أرصفة مرفأ طرابلس.وأظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرها المكتب الاعلامي وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز (بي.إم.سي كيربي) تركية الصنع إلى ميناء طرابلس.وتم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر فيها آليات عسكرية لدى إنزالها من سفينة شحن تحمل اسم "أمازون".

وقد أفادت مصادر ملاحية متخصصة، أن السفينة أمازون رو -رو كارجو وصلت ميناء طرابلس البحري،يوم السبت قادمة من ميناء مرسين بتركيا، وقد رست السفينة التي ترفع علم دولة مولدوفا بميناء طرابلس عند الساعة 11 صباحا بالتوقيت المحلي وتقدر حمولتها الاجمالية 4400 طن.

ويؤكد وصول شحنة السلاح الجديدةصحة كلام المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري،الذي كشف في وقت سابق عن صفقة توريد اسلحة وقعها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مع تجار سلاح أوروبيين، مؤكدا أن شحنات الأسلحة المتفق عليها ستصل تباعا من الموانئ التركية إلى مينائي طرابلس ومصراتة.

وتأتي هذه الشحنة من السلاح في وقت يضيق فيه الخناق على المليشيات المسلحة وسط تأكيدات من الجيش الوطني الليبي على قرب حسم معركة تحرير العاصمة الليبية.ونقل موقع "إرم نيوز"،عن مصادر تأكيدها إن المدرعات التي جرى استعراضها في شوارع العاصمة الليبية السبت زج بها فورًا في محاور القتال؛ ما يعكس الحاجة الماسة لها في ظل انهيار الجبهات تحت ضربات الجيش الوطني، وكون مقاتلي الميليشيات تلقوا تدريبات عليها في تركيا، قبل وصولها إلى ميناء طرابلس.

وكشفت المصادر أن الاتفاق بشأن هذه الشحنة والتدخل التركي لدعم الميليشيات جرى التوصل له أثناء زيارة وزير الداخلية فتحي باشاغا ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى تركيا الشهر الجاري.وبينت أن ما لم يكشف عنه الناطق باسم حكومة الوفاق مهند يونس، حين قال عقب الزيارة " إن طرابلس طلبت من تركيا ودول أخرى داعمة لها (لم يسمها) أمورًا جديدة، دون تفاصيل"، بات واضحًا الآن، ويتعدى ذلك إلى تدريب مقاتلي الميليشيات على أسحلة حديثة، وتدخل تركي مباشر في الأزمة الليبية في حال الطلب".

وليس غريبا على نظام أردوغان محاولاته التدخل لمنع تحرير العاصمة الليبية التي تمثل الملاذ الأخير للمليشيات الموالية لتركيا.حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.

فمنذ العام 2011،انخرطت تركيا في الأزمة الليبية وبحثت عن موطئ قدم لها أملا في أن يوفر لها هذا البلد الغني مصدر تمويل لاقتصادها المهتز في ظل العقوبات الدولية.ومثلت المليشيات المسلحة اليد الطولى التي سعت من خلالها تركيا لنهب الثروات الليبية ولذلك كانت تدعمها بالسلاح لفرض نفوذها.

وتأتي هذه الخطوة التركية الجديدة باغراق ليبيا بالسلاح بالاتفاق مع حكومة الوفاق،وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا خطيرا كون هذه العمليات تمكن المجموعات المسلحة في ليبيا من الحصول على الأسلحة والمعدات الحربية،في خرق مباشرا لحظر توريد السلاح إلى ليبيا،علاوة على كونه دعم لمجموعات مسلحة غير قانونية، ويسيطر على معظمها عناصر من الجماعات المتطرفة، والتنظيمات الإرهابية.

ويثير تجاهل العالم في كل مرة للأسلحة التي ترسلها تركيا إلى ليبيا استفهامات كثيرة، خاصة وأن البلد مفروض عليه حظر تسليح دولي منذ 2011.وأعربت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب عن استغرابها لصمت البعثة الدولية على انتهاك الحظر الدولي على السلاح وذلك بتفريغ شحنات السلاح والذخائر على مرمى حجر من مقر البعثة..

وأكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طلال الميهوب في بيان له أن لجنة الدفاع والأمن القومي تستنكر الدعم غير المحدود من دولتي قطر وتركيا لعصابات داعش والقاعدة في العاصمة طرابلس مطالبا الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك العاجل لوقف التدخل السافر لهذه الدول في الشأن الليبي.

وشدد الميهوب على أن لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب تطالب لجنة الدفاع بالاتحاد الأوروبي بتحمل المسؤولية وذلك بالعمل على عدم دعم بلدانهم لحكومة السراج المسيطر عليها من قبل تنظيمات داعش والقاعدة ليتمكن الجيش الوطني من تحرير العاصمة.

وبدورها حملت وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة لجنة العقوبات بمجلس الأمن مسؤولية استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين الإرهابيين الأجانب لدعم حكومة الوفاق.وقالت الوزارة في بيان لها إنها تابعت بقلق شديد وصول السفينة التركية (امازون) قادمة من ميناء مدينة سامسون شمال تركيا لتزويد .. لواء الصمود، الذي يقوده .. صلاح بادي، بالأسلحة والمدرعات العسكرية المصفحة لقتال القوات المسلحة العربية الليبية".

واستغربت الوزارة "هذه الهجمة الإرهابية التي تقودها تركيا ضد الشعب الليبي وقواته المسلحة" مؤكدة "أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الأعمال الإرهابية الجبانة، وسوف تلاحق الجناة المعتدين أمام المحاكم الدولية للاقتصاص منهم ومعاقبتهم، وأن ما تفعله تركيا وتقوم به يضر بمصالح الشعب التركي والشراكة الاقتصادية بين البلدين".

وفي الوقت الذي تعاني فيه ليبيا من إنتشار السلاح،تزيد السفن التركية المحملة بمختلف أنواع السلاح،في إغراق البلاد في مستنقع الفوضى والعنف.وباتت التدخلات التركية تشير الى طبيعة الدور الذي تلعبه أنقرة في الصراع الليبي،حيث تسعى لدعم للجماعات المتطرفة،من خلال إدخال كميات كبيرة من السلاح والمواد المتفجرة، بشكل يتعارض مع المجهودات المحلية والدولية الرامية إلى تحقيق التسوية السياسية والمصالحة بين الأطراف الليبية، والحدّ من انتشار السلاح.

ويرى مراقبون أن تركيا تسعى لدعم المليشيات المسلحة لضمان مصالحها،ومثل تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية طرابلس تهديدا كبيرا لهذه المصالح التركية وهو ما دفعها للتحرك لمنع تحرير المدينة التي اشتهرت خلال السنوات السبع الماضية، بأنها الحاضنة الأولى للميليشيات المسلحة الموالية لتركيا وقطر، والتي تعيث في ليبيا فسادًا.

وتدور في الأطراف الجنوبية لطرابلس منذ الرابع من أبريل الماضي معارك بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق.وبدأت المعارك بعد سيطرة الجيش على مدينة غريان (80 كيلومترا جنوب طرابلس) ومدينة ترهونة (90 كيلومترا جنوب شرق طرابلس)، في محاولة للدخول إلى العاصمة الليبية التي تسيطر عليها المليشيات المسلحة منذ سنوات.