تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لانطلاق معركة "طوفان الكرامة" الذي أطلقها الجيش الليبي لـ"تحرير" العاصمة من سيطرة الميلشيات والجماعات الإرهابية المتمركزة فيها والمسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي في عاصمة البلاد.

في الرابع من إبريل من العام الماضي أعطى القائد العام للقوات المسلحة الليبية خليفة حفتر، الأمر لقوات الجيش بالدخول إلى العاصمة طرابلس، وأكد خليفة حفتر في كلمة إلى قوات الجيش يومها أنه قد حان موعد "الفتح المبين" للعاصمة طرابلس لتحريرها، داعياً إلى عدم رفع السلاح إلا في وجه من يرفعه بوجه قوات الجيش الليبي.

وقال القائد العام للجيش الليبي في إعلانه العسكري إن الأمر بدخول العاصمة جاء "استجابة لأهالي طرابلس"، مضيفًا: "اليوم نزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، اليوم يشرق النور من كل جانب بعد طول انتظار، يُبشر بالخير والازدهار".

ومنذ ذلك الموعد والخطاب من العام الماضي لازالت المعارك مستمرة إلى اليوم، رغم التقدّم الكبير الذي حقّقه الجيش الليبي في المنطقة الغربية وفي العاصمة طرابلس نفسها، حيث لم يعد يفصل قوّاته على "ساحة الشهداء" (الساحة الخضراء سابقًا) إلاّ بعض كيلومترات قليلة.

** أوراق الجيش المهمة حول العاصمة: 

معركة تطويق العاصمة تبدو أكثر وضوحا من معركة محاور العاصمة نفسها، فمع التقدّم الواضح في مختلف محاور طرابلس، رغم تأخّر الحسم لعدّة اعتبارات. تبدو بقية المعارك حول العاصمة شديدة الأهمية والإستراتيجية. فمع الدعاية الإعلامية الصاخبة والكبيرة، من قبل حكومة الوفاق، اثر خروج الجيش الليبي من غريان بعد أشهر من بداية العمليات. كانت الضربات التي تلقتها هذه الحكومة في مواقع أخرى أشد وطأة وإستراتيجية.

في سياق معركة "طوفان الكرامة" دخل الجيش مدينة سرت، وأحكم قبضته على الطريق الساحلي. كما أصبح معبر راس جدير المعبر البري الأهم على الإطلاق في البلاد تحت سيطرته منطقيا، وان لم يعلن ذلك بشكل رسمي في إطار تفاوضات (ربّما) مع مدينة الزوارة التي أصبحت مطوقة هي نفسها من كافة الاتجاهات.

الجيش الليبي يضع قدمه شرق مدينة مصراتة على بوابته القريبة، ويقطع الطريق الساحلي نحو زوارة ثم الزاوية وطرابلس. ويبسط نفوذها على معظم مناطق السهل الفاصل بين الجبل الغربي والعاصمة، ويسيطر عمليا على كافة المنافذ البرية للبلاد باستثناء معبر وازن ذهيبة. 

لا تبدو مسيرة المعركة حتى الآن، في صالح حكومة الوفاق. الضغط الوحيد المسلّط على الجيش الليبي هو ضغط الوقت. فهو المتنفس الوحيد لقوات الوفاق في المقابل. فعامل الوقت يساهم في مزيد حشد الدّعم التركي.

** الدّعم التركي.. بحثُ الوفاق عن الخلاص الأخير: 

لم يعد الدّعم التركي خافيًا على أحد في ليبيا، ولا تبدو المعادلة التركية نفسها عصية على الفهم. الأتراك أنفسهم وحكومة الوفاق، يعلنون ذلك صراحة. وتحوّل الأمر من الإنكار بداية إلى التبجّح والافتخار في النهاية. السرّاج يعطي لطلب التدخّل مسحة من الشرعية. بينما يصفه آخرون بأنه شرعنة للاستعمار. فالليبيون أصحاب تاريخ طويل في ويلات الاستعمار العثماني التركي الذي لازالت تأثيراته الحضارية المدمرة، ماثلة إلى اليوم في البلاد، وفي كثير من البلدان العربية الأخرى.

رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، يعتبر التدخل الخارجي التركي في ليبيا، أمرًا واجبًا، مؤكدًا أن حكومة الوفاق خاطبت عدة دول للتدخل في ليبيا واستجابت تركيا من بينهم وتم توقيع مذكرة تفاهم معها في المجال العسكري والأمني تهدف للدفاع عن العاصمة وعدد من المدن لوقف تقدم الجيش.

هذا التدخّل التركي الذي بدأ يحدث علانية -وبافتخار- أمام العالم كلّه، بالرغم من حظر السلاح الدّولي على ليبيا، وقرارات مجلس الأمن، يتمثّل في السّلاح الثقيل والتقني المتطور من مدرعات وطائرات بدون طيّار وأنظمة دفاع جوي. غير أنّ هذا الدّعم وصل إلى حدود إرسال مرتزقة من سوريا من التنظيمات التابعة للمخابرات التركية، وتحويلهم الى جبهات القتال في ليبيا لمزيد سكب النار على الحرب الليبية واطالة أمدها. 

وأكثر من ذلك، فقد كشف اللواء أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي عن وجود بارجة تركية تتمركز على سواحل غربي ليبيا تقصف منطقة العجيلات بالصواريخ. وهو ما أعتبر تحولاً هاماً في نسق التدخل التركي، بعد أن كانت البوارج التركية المتمركزة في عرض البحر قبالة السواحل الليبية يقتصر دورها على مرافقة سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية وإرهابيين ومرتزقة سوريين لدعم حكومة فايز السراج.

وأمام هذا التدخّل التركي السافر ليبيا ودورها الكبير في اذكاء نار الحرب بين الأطراف المتصارعة وما صار يمثّله ذلك من تهديد اقليمي ينذر بتحويل ليبيا الى بؤرة جديدة للإرهاب، أعلن الاتحاد الأوروبي عن عزمه إطلاق مهمة في البحر المتوسط لوقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا المنكوبة بالحرب، بعد طمأنة الدول الأعضاء بأن "العملية إيريني" لن تشجع المهاجرين على العبور من شمال إفريقيا. 

وكتب رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل على تويتر أن "القرار بشأن العملية إيريني هو خطوة نحو حل سياسي في ليبيا"، معربا عن دعمه لجهود الأمم المتحدة لحل الصراع الدموي في هذه الدولة. وسوف يكون مقر قيادة المهمة في روما، بقيادة الأدميرال فابيو أجوستيني.

مع تواصل الحرب في العاصمة طرابلس وبعض مناطق الغربي الليبي، يزداد الوضع تعقيدا مع تفشي فيروس كورونا المستجد الذي أصبح معظلة دولية وأوقف كافة الأنشطة في معظم دول العالم. وكغيرهم يعيش الليبيون تحت وطأة الخوف من هذا الفيروس في ظل عجز دولي عن مواجهته أو إيجاد لقاح فعال. 

وبعد مرور عام، وبالرغم من دخول فيروس كورونا على خط الأزمة الليبية، مازال الجيش الليبي يربح مزيدا من الأرض ويحرّر بشكل متواصل مساحات هامة من الرقعة الليبية مما تبقى تحت سيطرة حكومة الوفاق. بينما تواصل هذه الأخيرة ربح المزيد من الوقت من أجل الحصول على مزيدٍ من الدّعم التركي. وفي الأثناء مازال الليبيون ينتظرون الفرج.