انخرطت تركيا في الصراع الليبي منذ سنوات،ولكن معركة طرابلس التي انطلقت في الرابع من ابريل/نيسان الماضي كشفت بوضوح حقيقة الدور المشبوه الذي تلعبه أنقرة في دعم المليشيات.فمن تدفق سفن الموت المحملة بالأسلحة والمعدات العسكرية،مرورا بنقل العناصر الارهابية من سوريا والعراق نحو الأراضي الليبية،وصولا الى الطائرات المسيرة التي تسفك دماء الليبيين وتدمر بلادهم.

الى ذلك،أعلن الجيش الوطني الليبي،الخميس، إسقاط طائرة مُسيّرة تابعة للميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، في مدينة الجفرة، وسط البلاد.وقال المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة" التابعة للجيش إن دفاعات قواته أسقطت طائرة تركية مسيرة للميليشيات الإرهابية، حاولت استهداف قوات الجيش في منطقة الجفرة الواقعة على بعد 650 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة طرابلس.

وقال مكتب آمر قاعدة الجفرة الجوية إنه تم إسقاط الطائرة التركية التي كانت قادمة من الشمال بعد اقترابها من المجال الجوي للقاعدة، فيما أوضح اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم قوات الجيش الوطني، أن وحدات الدفاع الجوي بمنطقة الجفرة تمكنت من إسقاط الطائرة بعد رصدها وتتبعها، حيث تم التعامل معها وتدميرها.

ويرى مراقبون ان الهجوم الذي نفذ على القاعدة الجوية في الجفرة تم عبر طائرات مسيرة تركية قامت أنقرة بتسليمها لحكومة الوفاق.ويظهر ان قوات الوفاق غير قادرة على مواجهة الجيش الليبي دون الاستعانة بالاسلحة والمعدات التركية حيث تحولت الطائرات التركية المسيرة الوسيلة الوحيدة لاستهداف قواعد الجيش في وسط وجنوب البلاد.

وتعتبر هذه سابع طائرة "درون" تركية من نوعها يقع اسقاطها،وكان الجيش الوطني الليبي،أعلن الأحد الماضي أنه أسقط طائرة مسيرة،في ضاحية عين زارة بجنوب طرابلس.ونقلت تقارير اعلامية عن مصادر عسكرية إن الطائرة كانت تنوي مهاجمة مقدمة قوات الجيش التي استطاعت طرد الميليشيات من محور عين زارة الذي يبعد فقط 3 كيلومترات عن وسط العاصمة الليبية.

ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الجاري،عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها،رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.

وأشار التقرير إلى حاجة حكومة السراج الماسة إلى هذه الطائرات بعدما دمر الجيش الليبي 3 من أربع طائرات سلمتها تركيا لها قبل ذلك.وكان الجيش الوطني الليبي قد دمر العديد من طائرات درون، التي تستخدمها ميليشيات حكومة الوفاق، كما دمر غرفة التحكم الرئيسية بهذه الطائرات في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس.

وقالت غرفة عمليات سلاح الجو بالقيادة العامة بالجيش الليبي، خلال بيان صحفي، إنه تم تدمير البنية التحتية الكاملة لغرفة التحكم بالطائرات التركية المسيرة داخل قاعدة معيتيقة بما فيها هوائيات التحكم والتوجيه.ومثل ذلك ضربة موجعة للمليشيات التي باتت تعتمد على الطائرات التركية بعد فشلها على الأرض ونجاح الجيش الليبي في تحييد سلاح الطيران لمليشيات مصراتة.

فمنذ بداية معركة طرابلس خسرت المليشيات المسلحة -بحسب ما أعلنت عنه القيادة العامة للجيش الوطني الليبي- ثلاث طائرات؛ منها طائرتا ميراج إف 1 في أجواء الجفرة وفي أجواء الهيرة جنوبي العاصمة، بجانب طائرة هجوم أرضي خفيفة من نوع إل-39 الباتروس، أسقطتها الدفاعات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي فوق ترهونة.

و لم يعد متوفراً لمليشيا السراج أي طائرات مقاتلة في حالة فنية تسمح بالتحليق، كما أن المطار العسكري الوحيد المتوفر لها حالياً وهو القسم العسكري في مطار معيتيقة تعرض للقصف عدة مرات من جانب القوات الجوية الوطنية الليبية، التي تمكنت في عدد منها بحسب ما أعلن عنه المسماري من تدمير غرفة التحكم بالطائرات التركية المسيرة بجانب طائرتين على الأقل.

والطائرة التركية "بيرقدار تي بي-2" دخلت الخدمة في سلاح الجو التركي أواخر عام 2014، وتمتلكها أيضاً كل من اوكرانيا وقطر، وتبلغ قدرة محركها 100حصان يوفر لها سرعة قصوى تبلغ 220 كيلو متر في الساعة، ويصل مداها الأقصى إلى 150 كيلومتر، بارتفاع تحليق يصل إلى 8 كيلومترات، والقدرة على التحليق بشكل متواصل لمدة تصل إلى يوم كامل.

وتتسلح هذه الطائرة بحمولة تصل زنتها إلى 55 كيلو جرام، ويتكون تسليحها الأساسي من صواريخ تركية الصنع مضادة للدروع من نوع "أومطاس" من تصنيع شركة "روكيستان"، وهي صواريخ موجهة بالليزر يصل مداها الأقصى الى ثمانية كيلو مترات. وقد إستخدم الجيش التركي هذه الطائرة في عدة عمليات قتالية ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، وقد تم إسقاط إحداها أوائل العام الماضي قرب مدينة عفرين شمالي سوريا.

وتم تأكيد تواجد هذه الطائرة في ليبيا بعد نشر تسجيل مصور يظهرها أثناء استعدادها للهبوط في قاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس، ثم ظهرت صور لمحطتي تحكم خاصتين بهذا النوع بعد وصولها الى طرابلس الشهر الماضي.وأكد الجيش الوطني الليبي توصله إلى مسؤولي إدارة العمليات العسكرية لميليشيا طرابلس وحددهم بالأسماء والمناصب والمهام وذكر أنهم يشاركون في توجيه الطائرات التركية المسيّرة بدون طيار، والتي لعبت دورا محوريا في السيطرة على منطقة غريان الاستراتيجية ومعسكر أبو رشادة.

وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.

فالطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،مارست جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم على غرار استهداف احداها لعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود السايح "شيل السايح" ،في الرابع من يوليو الجاري، مخلفة عددًا من القتلى والجرحى.

وبينت شعبة الإعلام الحربي حينها عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" أن استهداف المدنيين جرى باستخدام طائرات تركية وقطرية،معتبرة أن الاستهداف يعد انتهاك صارخ لحقوقهم واستمرار لمسلسل الانتهاكات.وبثت شعبة الإعلام الحربي تسجيلا مصورًا يظهر تعرض عددا من السيارات للاحتراق والتدمير جراء القصف.

كما ارتكب الطيران التركي بدون طيار الذي تستعين به مليشيات طرابلس في ترهونة الليبية ما وصفه المجلس البلدي للمدينة بـ"جرائم حرب محرمة دوليا".وأدان المجلس مطلع يوليو الجاري، استهداف الطيران التركي لمنازل المدنيين، لافتا إلى سقوط عدد من الضحايا بينهم أطفال ونساء بسبب قصف الطائرات التركية المسيرة لمنازل المدنيين.

وأكد مجلس ترهونة، في بيان، أن القصف الذي تقوم به المليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة يندرج ضمن جرائم الحرب المحرمة دوليا.ونشر المجلس البلدي للمدينة على صفحته صورا ومقاطع مصورة تبين آثار الدمار الذي خلفه الاعتداء التركي.فيما قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي، إن الطائرات المسيرة يتولى تشغيلها ضباط أتراك فى طرابلس، وإن مضادات الجيش تتعامل مع هذه الطائرات لصد هجومها المتكرر على القوات والمدنيين.

ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة، وأكد الجيش الليبي أن تركيا وفّرت غطاءً جوياً لميليشيا الوفاق خلال اقتحام مدينة غريان، وكان نقطة تحوّل أمالت الكفّة لصالح هذه المليشيات.

وبحسب تقارير اعلامية،فان الطائرات التركية وصلت الى ليبيا ضمن شحنة الأسلحة والذخائر والعربات المدرعة التي وصلت الى ميناء طرابلس أواخر آذار/مارس الماضي من ميناء سامسون التركي على متن سفينة شحن تحمل علم مولدوفا، كجزء من الدعم العسكري التركي للمليشيات المسلحة في طرابلس.ومن أهم ما كان على متن هذه السفينة بالإضافة الى أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ مضاد للدروع، العربات التركية رباعية الدفع المضادة للألغام.

ولم تكن هذه الشحنة هي الأولى التي ترسلها تركيا الى حكومة الوفاق في طرابلس، فقد تكرر ضبط شحنات السلاح القادمة من تركيا نحو المتطرفين في ليبيا في مشهد كشف نوايا أردوغان لابقاء حالة الفوضى في ليبيا وهو ما يمكنه من نقل العناصر الارهابية اليها بعد فشله الكبير في سوريا وسقوط معاقل الجماعات الموالية لنظامه.

وسبق أن كشف اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أن إسطنبول هي الوجهة الأساسية والوحيدة تقريباً للطائرات المدنية التابعة لشركتي طيران البراق والأجنحة الليبية.وباتت الرحلات إلى تركيا مكثفة بشكل ملحوظ وبمعدل يصل في بعض الأحيان إلى رحلتين كاملتين ذهاب وعودة خلال ساعات الليل يومياً تقريباً.

وهو ما أثار مخاوف متزايدة أعرب عن بعضها الرئيس الروسي مؤخراً حين تحدث عن تخوفه من نقل عناصر التنظيمات الإرهابية من إدلب السورية إلى ليبيا.وتمثل ليبيا بحسب الكثير من المراقبين الملاذ الأبرز للعناصر الارهابية،حيث يسمح استمرار الفوضى الكاملة في البلاد وانعدام السلطة المركزية،إضافة إلى الجغرافيا الليبية،بانتشار هذه العناصر من خلال لخروج للصحراء الواسعة بعيداً عن مدن الساحل المركزية، والتحصن بالوديان والجبال.

ويرى مراقبون،أن مليشيات طرابلس التي تحضى بدعم من تركيا وقطر،تسعى لجلب الارهابيين إلى الأراضي الليبية لتوسيع رقعة الفوضى والأعمال الإرهابية التي يحاول الجيش الوطني الليبي القضاء عليها.وكانت دول كبرى عدة ومنظمات دولية عبرت في وقت سابق عن قلقها من صدور تقارير إعلامية تشير إلى انضواء بعض الإرهابيين والمطلوبين للعدالة بصفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية في معاركها ضد الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.

ويعد النظام التركي من أكبر الداعمين لتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه "الاخوان"، إذ قدم لهم الدعم غير المحدود لبسط سيطرتهم على عدد من المناطق في ليبيا.وعلاوة على ذلك فقد أعتبرت تركيا بمثابة ملجأ لجهاديي ليبيا الذين إرتبطوا معها بعلاقات كبيرة،وخاصة  قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، كعبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، اللذين يملكان استثمارات مالية وعقارية كبيرة في تركيا، تقول تقارير ورسائل سربها موقع ويكيليكس إنهما قد نهباها من أموال مؤسسات الدولة الليبية في أعقاب سيطرتهما على العاصمة طرابلس.

ويشير تورط تركيا في نقل واستخدام الطائرات المسيرة داخل ليبيا الى مدى انخراط نظام أردوغان في دعم المليشيات المسلحة والعناصر المتطرفة ومسؤوليته عن دماء الكثير من الليبيين.وتؤكد المؤشرات على الأرض أن أردوغان في طريقه الى هزيمة أخرى على الأراضي الليبية حيث يتجه الجيش الليبي نجو اجتثاث الموالية لأنقرة من العاصمة الليبية واستعادة سلطة الدولة واعادة بنائها بما يضمن عدم التدخل الخارجي في شؤونها ونهب ثرواتها.