بعد عامين من انتهاء الصراع المسلح فى ليبيا بين الثوار الليبيين ونظام القدافى ومع إطلالة الذكرى الثالثة للثورة الليبية  ، لا تزال أوضاع حقوق الانسان فى ليبيا سيئة ودون المأمول ، فقد تغير بعض الثوار الذين ثاروا وقاتلوا ، وأزاحوا نظام القذافي ، وأصبحوا حجر عثرة فى طريق بناء ليبيا فقد أعادوا منظومة الظلم أكثر من ذى قبل وسأت الأوضاع بصورة مخيفة حتى  أصبح الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والقتل تحت التعذيب والاغتيال والتفجيروالاختطاف سمة أساسية ، ومعلماً يميز هذه الحقبة من تاريخ ليبيا .

السجون والمعتقلات

انتشرت المليشيات المسلحة في كافة ربوع ليبيا، وفى كثير من الأحيان أسست هذه المليشيات على أسس قبلية وجهوية وإيديولوجيات راديكالية، وتبع انتشار المليشيات انتشار السجون والمعتقلات، حتى أصبح لكل مليشيا سجن خاص، وتم القبض على الآلاف من الليبيين، وزج بهم في غياهب السجون، حتى بلغ عدد المعتقلين 8000 سجين حسب تقديرات وزارة العدل الليبية ومنظمات محلية ودولية، أغلبهم متهمون بالعمل والقتال في صفوف قوات القذافي، وبعضهم قيادات سياسية وأمنية، والبعض الأخر سجن تصفية لثأرات قبلية وعمليات ابتزاز مالية، مارس أعضاء المليشيات كل أنواع التعذيب بحق هؤلاء السجناء، حيث أتخذ القائمون على هذه السجون من التعذيب كالضرب بالسياط والكي بالنار وتكسيرالعظام والصعق بالكهرباء والحرمان من النوم بل والتحرش الجنسي في بعض الأحيان، وسيلة لانتزاع الاعترافات.

هذا هو حال المعتقلين في سجون المليشيات، الكثيرين منهم تجاوزت مدةاعتقالهم العام بلا تهم ولا عرض على القضاء، وفى المرات القليلة التي تمكن بعض السجناء من العرض على النيابة، أفرجت عنهم بعد فترات اعتقال طويلة قاسوا فيها مرارة التعذيب بلا جريرة، حيث أثبتت النيابة العامة في بعض الحالات القليلة التي عرضت عليها كذب وتلفيق وكيدية التهم،العشرات قتلوا تحت التعذيب في مقار ومعتقلات هذه المليشيات، ورغم توفر الأدلة في الكثير من الأحيان ضد من قاموا بعمليات التعذيب والقتل، لكن يبقى المجرمون وهم في العادة قادة وجنود في هذه المليشيات طلقاء أحرار، لعدم وجود السلطة القادرة على جلب هؤلاء وتقديمهم للعدالة.

وأصبح الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والقتل تحت التعذيب والاغتيال سمة أساسية، ومعلماً يميز هذه الحقبة من تاريخ ليبيا، بل تحولت بعض السجون لمعتقلات تشبه معتقلات بوسليم وعين زارة في عهد النظام السابق وعلى رأسها معتقل اميعتيقة، حيث كان يحتجز آمر السجن المدعو”هيثم التاجوري” العشرات من الرجال والنساء تحت سمع وبصر الدولة ولا يستطيع أحد التدخل أو رفع الظلم عنهم وتقديمهم للنيابة،وبعد أحداث غرغور الدامية، وهى مواجهات حدثت بين الشعب الغاضب المطالب بخروج المليشيات والتشكيلات العسكرية من العاصمة، وبين أفراد هذه المليشيات راح ضحيتها قرابة 50 قتيلا و500 جريح من الشباب المدني الأعزل السلمي الغاضب، خرجت المليشيات من العاصمة، لكن بقيت المليشيات التي ينتمي قادتها وأفرادها لمدينة طرابلس داخل العاصمة، حيث قامت بإعادة انتشار خارج العاصمة محتفظة بالسجناء، حيث قام هيثم التاجوري بنقل السجناء لسجن مشروع النعام ولم تفلح كل المحاولات للإفراج عنهم حتى إعداد هذا التقرير.

وفى الزاوية أفرج أخيراً عن قادة المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة ومجموعة من الشباب ظلوا قيد الاحتجاز دون تهم لمدة 14 شهرا بعد عملية اجتياح مدينة بني وليد، والتي أتت تنفيذاً لقرار رقم 7 لسنة 2012 الصادر عن المؤتمر.

كما أفرج عن مفتى ليبيا السابق المدني الشويرف، وهو رجل مسن يبلغ من العمر 83 عاماً، بعد قرابة ثلاثة أعوام من الاعتقال بأحد سجون مصراتة ، ويبقى سجن ثانوية الوحدة وسجن طمينة في مصراتة والتي تسيطر عليه عائلة الأصفر، علامة سوداء ومقبرة للتعذيب، حيث يخضع السجناء لأبشع أنواع التعذيب، وبلغ بهم أن اعتقلوا شابا معاقا مقعدا، ولم تفلح كل المحاولات لإخراجه من جحيم سجن طمينة، كما مات الهادي امبيريش وعزالدين العجيلى داخل السجون، نظراً لانعدام الرعاية الصحية، حيث كانوا يعانون من أمراض القلب والسكر وارتفاع ضغط الدم، ولا يزال العديد من كبار السن قيد الاعتقال بمدينة مصراته، ومنهم سيد قذاف الدم وهو رجل تجاوز السبعين من عمره، ويعاني من عدة أمراض كل ذلك بتهمة الأزلام والعمل مع النظام السابق.

وتبقى عملية اعتقال الطبيب هشام بن خيال من قبل مليشيا قبلية مسلحة في مدينة الزاوية وتعذيبه واعتقاله لمدة وتهديد القضاة، كلما حاول أحدهم أن يبرءه من التهم الكيدية الملفقة ثم الإفراج عنه بعد ذلك شاهداً على دموية الكتائب والمليشيات وضعف الدولة، لم تسلم النساء من الاعتقال والتنكيل بهن فقد تم اعتقال العنود عبد الله السنوسي بتهم واهية، وكذلك سلمى راشد وفوزية شلابي وغيرهن بتعليمات من قادة الكتائب وعلى رأسهم هيثم التاجوري، بل بلغ بهم العدوان اختطاف العنود وهي في طريق عودتها لذويها بعد قضاء 10 أشهر داخل السجن.

التهجير القسري

بدأ التهجير مع بداية الثورة، حيث تم تصنيف مدن وقرى وقبائل وعائلات بتأييدها لنظام القذافي وحملت وزر ما حدث من قتل وانتهاكات خلال المواجهات مع النظام، وما كادت الثورة تنجح؛ حتى تم الفتك والقتل والتهجير لسكان العديد من المدن والقرى مثل “تاورغاء، سرت، المشاشية، القواليش، الرياينة الغربية، الجعافرة، وأخيراً درج”، لم تكتفِ الكتائب بالتهجير، بل قامت بالقتل والسرقة ونهب الممتلكات، وامتلأت السجون بأبناء هذه المدن، ويبقى مشهد قرابة 60 شخصا مقيدين مقتولين برصاص في الرأس والصدر بفندق المهاري بمدينة سرت صبيحة يوم مقتل القذافي يوم 21 أكتوبر 2011 شاهداً على الوحشية والهمجية لبعض الثوار المنتصرين.

كذلك ما حدث لمدينة تاورغاء التي أصبحت ندبة في جبين الثورة الليبية، هجر قرابة 40000 مواطن هم  تعداد سكان المدينة وحرقت وهدمت منازلهم، وقتل العشرات من الرجال لاتهامهم بالقتال ضمن قوات القذافي، وأصبحت المدينة أشبه بمدينة للأشباح، لا يرى فيها سوى قبور وأطلال، وأصبح كونك تاورغيا يكفى لأن توضع في سجون مدينة مصراته، وبلغ العدوان مداه بأن قامت كتائب ومليشيات مصراتة بجلب أبناء تاورغاء من كل مدن ليبيا وسجنهم وتعذيبهم في مدينة مصراته، وستبقى مقبرة جنات في مصراتة والتي تحوي قبور آلاف الشباب شاهدة على مدى وحشية ودموية كتائب مصراته، وربما يأتي اليوم الذي يفتح فيه تحقيق حول تلك المجازر وما تحويه مقبرة جنات من رفات.

واستمر استهداف المليشيات المسلحة للأهالي باقتحام مقار سكناهم في المخيمات، حيث لم يسلم التاورغيون من الهجمات واستهداف المدنيين وسقوط بعض الضحايا بين قتلى وجرحى، وكان أولها مخيم جنزور في السادس من فبراير، حيث سقط 6 قتلى وعشرات الجرحى، وكان آخرها الهجوم على مخيم الفلاح إبان أحداث غرغور، حيث سقط قتيل واحد، وخمسة مصابين، وتستمر معاناة أهالي تاورغاء في فصل الشتاء،حيث الصقيع والبرد القارص ونقص الخدمات وغرق بعض المخيمات نتيجة هطول الأمطار بغزارة.

وللعام الثالث لايزال أهل المشاشية يعانون،ما يقارب (عشرة آلاف) مهجر قهراً من زاوية الباقول، والتي أعلنت منطقة عسكرية وتم تهجيرها وإبعاد أهلها من منطقة العوينية، وحتى الآن لايزال الآلاف مهجرون وممنوعون من العودة تحت تهديد مليشيات قبلية تنتمي لمدينة الزنتان لأسباب عرقية وقبلية.

لقد سرقت المليشيات الأموال ونهبت وحرقت البيوت والمتاجر،ودمرت بالجرافات من قبل مليشيات مسلحة، ما يقارب (10000) مهجر وأكثر من (1500) عائلة مشتتة في أغلب قرى ومدن ليبيا وخارجها، وقرابة (1200) منزل محروق ومحلات ونهبت كل مرافق الحياة من معدات وأسلاك كهرباء ودمرت مؤسسات الصحة والتعليم،والأطفال المهجرون من المنطقة يعانون من الأمراض والصقيع والعوز ومحرمون من التعليم والرعاية الصحية، حتى أصبح أهل المشاشية كأهل تاورغاء لاجئون ومشردون في بلادهم، وكثرالتهديد وعمليات الخطف والتعذيب والقتل خارج القانون.

وبلغ العدوان بمليشيات مصراتة أن هجرت كل العائلات التي نزح أفرادها خارج المدينة إبان المواجهات المسلحة مع كتائب القذافي، وأسموهم بالعائدين تم حرق منازل البعض والبعض الآخر اغتصبت منازلهم، وتم تسكين عائلات مصراتية مكانهم، بالإضافة للملاحقة والتهديد بالقتل لبعض الأسر التي علا صوتها، رافضة تلك الممارسات ومنها عائلة المحامية خديجة الورفلي التي تم تهجيرها لمدينة بنغازي بعد إطلاق الرصاص على منزلهم، وتهديدهم بالقتل عدة مرات ولا تزال عشرات العائلات مهجرة، وتريد العودة والحصول على ممتلكاتها، لكن سطوة وبطش المليشيات تحول دون ذلك.

وأما التهجير القسري خارج ليبيان فقد بلغ تعداد المهجرين مئات الآلاف بدول الجوار كمصر وتونس والمغرب والجزائر وتشاد والنيجروغيرها من مدن العالم، وهؤلاء المهجرين كل اتهاماتهم أنهم ينتمون لعائلات وصفت بأنها مؤيدة لنظام القذافي، وبعضهم كان يعمل بالجيش وكتائب القذافي، يعيش المهجرون بتلك الدول في  ظروف معيشية صعبة، فالكثير منهم تم قطع راتبه، وعجزوا عن توفير سبل المعيشة، مما اضطر الكثيرين منهم للعمل بالمهن الدنيا التي لاتناسبهم، وسكنت إحدى العائلات المقابر بالقاهرة لعجزها عن توفير ثمن الإيجار، خاصة وأن الأزمة استمرت طيلة عامين.

كما أن بعض القنصليات ترفض تجديد جوازات السفر لهم محاولة التضييق عليهم؛ كي يعودوا لليبيا، وهو أمر ينذر بالخطر؛ لأن عودتهم في ظل سيطرة المليشيات يعني موتا محققا للبعض والاعتقال والتعذيب للبعض الآخر، وهو إجراء تعسفي وغير إنساني خاصة وأن الكثيرين منهم لديهم أبناء في مراحل التعليم المختلفة ويحتاجون لتجديد جوازات سفرهم،ولا يزال هؤلاء المهجرون ينتظرون اليوم الذي يعودون فيه لبيوتهم وينعمون بدفء الوطن بعدما قاسوا مرارة الغربة والتهجيروالفقر والعوز.

المواجهات المسلحة

نظراً لانتشار الكتائب والمليشيات، واعتقالها للكثيرين وتعذيبهم وقتل البعض منهم داخل مقارها في بنغازي وطرابلس، فقد خرج الشباب مطالبين بحل هذه الكتائب، فحدثت العديد من المواجهات، ففي بنغازي فيما عرف بالسبت الأسود قتل في المواجهات أمام كتيبة درع ليبيا بمنطقة الكويفية ببنغازي أكثر من 41 وأصيب العشرات من المتظاهرين السلميين.

وفى طرابلس قتل 50 وأصيب 500 في مواجهات مع كتائب مصراتة بمنطقة غرغور، وفى جمعة إنقاذ بنغازي قتل 17 متظاهراً أمام كتيبة راف الله السحاتي، والمتهمون بالقتل معروفون لدى جميع الليبيين.

الهجرة غير الشرعية

نظراً لموقع ليبيا ومستواها الاقتصادي، فقد توافد عليها المئات من طالبي العمل والهجرة من أفريقيا والدول العربية، ونظراً لفقدان الكثيرين منهم لتأشيرات دخول قانونية، فقد تم احتجازهم في مقار الهجرة غير الشرعية وهي مقار عبارة عن مخازن للشركات تفتقد للمعاير الدولية لإدارة السجون،ومن ثم فقد حدثت بها العديد من الانتهاكات بحق السجناء، وبلغ بإحدى مقار الاحتجاز أن استخدمت بعض المسجونين في أعمال البناء.

جهود الدولة الرسمية

حدثت ولا تزال تحدث كل هذه الانتهاكات على مرأى ومسمع من السلطات الرسمية، التي لم تتخذ أية إجراءات لوقف الانتهاكات وتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا، فالمجلس الانتقالي السابق قام بخطوة غير متوقعة بأن أصدر القانون رقم 34 لسنة 2012 الذي وفرت المادة الرابعة منه مظلة قانونية لمن يقومون بالانتهاكات، وجعلت كل ما يقومون به من قتل وتعذيب الهدف منه حماية الثورة محاولاَ الحيلولة بينهم وبين الملاحقة القانونية، ولم يكن المؤتمر الوطني أحسن حالاً من سابقه، فقد قام بشرعنة الكتائب والمليشيات ومنحها الأموال والسلاح، ولم يجرم ما يقومون به، وأصبح بعض قادة الجماعات المتشددة الذين حصلوا على عضوية المؤتمر، هم الذراع السياسية لهذه الكتائب.

مما يؤكد أن السلطات الرسمية غير مهتمة بحقوق الإنسان، فقد تقدمت منظمة العفو الدولية بمبادرة لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا صوت عليها 52 عضوا من أصل 200 هم أعضاء المؤتمر الوطني العام، وقامت وزارة العدل بالعديد من الخطوات التي ساهمت في التقدم للأمام بعض الشيء منها مشروع قانون تجريم التعذيب والذي أقرته السلطة التشريعية، كما سعت الوزارة لضم العديد من السجون تحت إدارتها لكن مع سطوة وسيطرة المليشيات، ولاتزال هذه المحاولات دون المأمول لعدم تعاون قادة الكتائب ومن يسيطرون على تلك السجون مع الوزارة.

القضاء والمحاكمات

القضاء في ليبيا أحد المشاكل الرئيسة وسبب من أسباب تفاقم المشاكل، فالقضاء غير قادر على توفير ظروف وضمانات المحاكمة العادلة ليس لعيب فيه، لكن بسبب تسلط وعدوان المليشيات ومحاولات الاغتيال والتهديد المستمرة للقضاة وأشهرها اغتيال المستشار نجيب هويدي، و الاعتداء على القاضي مروان الطشاني وتهديده عدة مرات بالقتل، كما تم حرق وتفجير العديد من المحاكم في محاولة لإلغاء المحاكم وإحلال محاكم شرعية مكانها،الكثير من قيادات النظام السابق لم يتحصل على حقهم في الدفاع أو الشهود ويعيشون ظروف اعتقال صعبة، حتى إن بعضهم يتعرض للموت البطيء بسبب سوء ظروف الاعتقال، حيث يمنع عنهم الطعام والدواء وعلى رأس هؤلاء عبد الله السنوسي رئيس المخابرات في عهد القذافي وأحمد إبراهيم القذافي والذي حكم عليه بالإعدام في مدينة مصراته في محاكمة هزلية، افتقدت لكل شروط وضمانات المحاكمة العادلة، وقد برهنت عملية اختطاف العنود ابنة عبدالله السنوسي على ضعف الدولة أمنياً وعدم قدرتها على حماية المتهمين وتوفير المحاكمات العادلة لهم، فرغم كل ما تقوم به وزارة العدل من جهود لكن قوة وسيطرة الكتائب تقف حائلاً أمام تحقيق كل ما يقوم به وزير العدل صلاح المرغني من جهود لتحقيق العدالة .

يذكر أن العديد من سجناء تاورغاء تحصلوا على أحكام براءة من محكمة الاستئناف بمصراتة دائرة الجنايات ومع ذلك لم يتم إطلاق سراحهم،كما قوبل الحكم على عدد من قيادات نظام القذافي وعلى رأسهم أحمد إبراهيم بالإعدام في مدينة مصراتة بانتقادات شديدة على الصعيدين المحلى والدولي، حيث اشتكى الكثير من ذوي المتهمين من عدم توفر ضمانات المحاكمة العادلة لذويهم.

القوانين وتأثيرها على الاستقرار والبناء

أقر المؤتمر الوطني العام يوم 5 / 5 / 2013،قانون العزل السياسي الذي اعتبره الكثيرون تحديا كبيرا من قبل الكتل السياسية داخل المؤتمر الوطني”السلطة التشريعية” لبناء الدولة ؛ فالقانون يمنع كل من كان له صلة بنظام القذافي من تولي مناصب في الدولة، بصرف النظر عن دوره في الإطاحة بنظام القذافى، هو قانون تعسفي وغامض وينتهك على الأرجح الحقوق المدنية والسياسية وجاء نتيجة لتصارع القوى السياسية داخل المؤتمر وأمتد القانون ليشمل القضاء ورجال النيابة.

والقانون سيزيد من حدة الاحتقان الداخلي ويقلص مساحة التسامح بينا لليبيين،وهو مخالف للقاعدة القانونية المستقرة دولياً، بأنه لا عقوبة دون جريمة مثبتة بالأدلة والبراهين، كما أنه يحرم من يطبق عليه من أبسط حقوقه الدستورية، وهو حق التحقيق معه قبل إصدار أي عقوبات جزائية ضده، بالإضافة إلى كون هذا القانون انتقائيا وانتقاميا، حيث يعاقب بالعزل السياسي لمن شغل بعض المناصب السياسية، إبان النظام البائد بصورة انتقائية، بما يخل بمبدأ المساواة.

القاعدة والتنظيمات المتشددة

التنظيمات المتشددة وعلى رأسها تنظيم القاعدة ( أنصار الشريعة ) أصبحت واقعاً ملموساً، فقد انتشرت في العديد من المدن على رأسها درنة وبنغازي وسرت وصبراتة، وقد بدأت هذه التنظيمات في بث سمومها والتهام ضحاياها، ربما كان أشهرهم اللواء عبد الفتاح يونس والسفير الأميركي، وانتشرت عمليات الاغتيال بشكل مريع، حتى وصل عددهم أكثر من مائتين أغلبهم لضباط في الجيش والشرطة ونشطاء مجتمع مدني أشهرهم المحامى / عبدالسلام المسماري، ،وأكدت التفجيرات الأخيرة وعمليات استهداف مقار البعثات الدبلوماسية وجود تنظيم القاعدة، فأغلب عمليات القتل والتفجير تحمل بصمات تنظيم القاعدة، وبلغ بهم أن قامت مليشيا غرفة ثوار ليبيا بالتعاون مع مكتب مكافحة الجريمة باختطاف رئيس الوزراء على زيدان.

التمييز ضد المرأة

تواجه المرأة حالة من التمييز والإبعاد عن المناصب الهامة في الدولة، ففي الحركة القضائية الأخيرة لهذا العام التي لم يتم فيها نقل المرأة للقضاء كما كان في السابق، كما جاءت نسبة المرأة في اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور مجحفة بحق المرأة، فالستة مقاعد التي خصصت كحصة للمرأة لا، كما جاءت نسبة المرأة في اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور مجحفة بحق المرأة فالستة مقاعد التي خصصت كحصة للمرأة لاتتناسب مع تعدادها السكاني ولا تطلعاتها في المشاركة المجتمعية.

الأقليات

التبو والطوارق والأمازيغ ثلاث مكونات ثقافية، أو لنقل أقليات نظراً لقلة تعدادهم بالمقارنة بالعرب، عانت هذه الأقليات التهميش والظلم خلال العقود الأربع الماضية التي حكم فيها القذافى ليبيا، وماكادت تنجح الثورة إلا وتفاقمت مشاكلهموكثرت شكاواهم بدلاً من حلها فالامازيغ يريدون ترسيم لغتهم كلغة رسمية ثانية بالإضافة للغة العربية.

والطوارق والتبو يعانون التهميش، وبالإضافة لعدم حصول قرابة 3000 من التبو على أوراق ثبوتية ليبية، نظراً لإقامتهم في الوديان والشعاب، وهى مشكلة مزمنة موروثة من النظام السابق وتحتاج لحل سريع، التبو تعرضوا للتهميش طيلة 42 عاماً من قبل النظام السابق وتجريدهم من الهوية الليبية، بسبب تمردهم على النظام في عام1992، واستخدام السلاح في الدفاع عن حقوقهم، وبسبب أنهم كانوا مع نظام المملكة الليبية وبعد الثورة وتحريرهم للجنوب الليبي، دخلوا في مواجهات مع قبيلتي الزاوية وأولاد سليمان وتم استهداف القبيلة التي تعاني من التهميش والعيش في مساكن غير صحية ولائقة بالبشر.

وفى وقت سابق من العام الماضي،قبيلة الزوية قاموابقصف أحياء التبو الشورى والقدرفيي من قبل مليشيات قبلية تنتمي لقبيلة الزاوية، وتم قتل عدد من النساء وبعدها تم الاستعانة بقوات درع ليبيا بقيادة وسام بن حميد الذي تمركزت قواته خارج الكفرة، وبدأ بقصف الأحياء بالراجمات والهاون قتل 34 من النساء والأطفال وكبار السن داخل منازلهم، وفى سبها تعرض أحياء الطيوري ” القاهرة” للقصف بالراجمات والهاون من قبل مليشيا قبلية تتبع لقبيلة أولاد سليمان.

بالإضافة للأقليات الثلاث، توجد مجموعة من المواطنين العائدين من المهجر من دول الجوار وينتمون لقبائل ذات أصول ليبية يعانون من عدم حصولهم على الجنسية الليبية رغم إعطائهم بطاقات شخصية، لكنهم يظلون مواطنين ناقصي الأهلية لعدم حصولهم على الجنسية نظراً 21 لافتقادهم أحد الشروط المحددة في قانون الجنسية الليبية، وهو وجود أقرب الأقارب من الدرجة الأولى، هؤلاء بالإضافة لمن لم يحصلوا على أوراق ثبوتية من التبو والطوارق أصبحوا يشكلون طبقة دون هوية، وهو أمر ينذر بالخطر في حالة استمراره وعدم وضع حلول له بعد إقرار الدستور والقوانين المنظمة لمنح الجنسية.

التهديد بقتل النشطاء والإعلاميين

كثرت التهديدات بالقتل ومحاولات استهداف نشطاء المجتمع المدني، مما لجأ الكثيرون منهم لترك ليبيا والهجرة خارجها، فبعد مقتل عبد السلام المسماري وأنيس الجهاني وعز الدين القوصاد، والمحامية حميدة الأصيفر، وغيرهم ومحاولة قتل ناجي حماد ومحمود عيسى البرعصي، ونيفين الباح، وحنان المقوب، والصحفي إبراهيم عبد الحميد، والضابط محمد الحجازي، ونور الدين بوشيحة، وعصام التاجوري، وحنان النويصري، وخديجة الورفلي، والمحامية حليمة الشح،والإعلاميين محمود الفرجاني، وخديجة العمامي،والحقوقي ناصر الهوارى وغيرهم، أصبح واضحاً وجلياً أن هؤلاء القتلة طيور الظلام، لن يستكينوا حتى يسكتوا كل الأصوات المنادية بالحق والمدافعة عن المظلومين، والساعية لبناء وطن تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة.

التهديدات بالقتل للنشطاء تتواصل من أعضاء القاعدة، أو ما يسمى بجند الله، وهذا التهديد وصل للعديد من نشطاء المجتمع المدني.

وجاء فيه : (  بسم الله الرحمن الرحيم : { قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }صدق اللَّهُ العظيم، بأمر من الحاكم بأمر الله وشرعه في شرق البلاد ” ليبيا ” قررنا القصاص منكم خدمة لصالح البلاد والعباد حق شرعي منزل في شرع القصاص تطبيقاً لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }صدق اللَّهُ العظيم، ولتكون عبرة لمن ضل، تحكيماً لشرع الله سبحانه وتعالى، وقد وجب ونفذ مقاضاتك واستوجب القصاص منك ومن أزارك ومن على شاكلتك في الدنيا والآخرة والله المستعان على ما تصفون ).

ولم يقف الأمر لعند تهديد الأفراد، بل قامت بعض المليشيات باقتحام مقرات بعض القنوات الفضائية وعلى رأسها قناة العاصمة واختطاف بعض العاملين بها.

المصالحة الوطنية ونشر العفو بين الليبيين

بعد سيطرة الخطاب الإقصاء العدواني على ليبيا لسنتين، وكان نتاجه ما سبق لم يعد أمام ليبيا إلا الاختيار بين النموذج العراقي أو النموذج الجنوب الإفريقي، فليبيا ليست أسوأ حالاً من رواندا، لكنها تفتقد للقدرة والقيادات القادرة على إنهاء وجود المليشيات وإشاعة خطاب العفو والتسامح بين الليبيين، تحتاج ليبيا لإرادة سياسية ومساعدة دولية، في إنهاء الوجود المسلح في ليبيا، وإعادة بناء مؤسسات وهياكل الدولة. فالدول التي ساعدت في التخلص من نظام القذافي، ملزمة بالتدخل من أجل الحفاظ على ما تبقى من السلم الأهلي والتعايش بين كل مكونات المجتمع الليبي، قبل أن تتصاعد دوامة العنف وتحصد الكثير والكثير من الأرواح.

التوصيات

  • تعديل القوانين التي تفرض عقوبة الإعدام.
  • مراجعة القوانين التي تجرم حرية التعبير.
  • تبني قوانين تضمن منح التراخيص لوسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة على نحو يتسم بالنزاهة وعدم التمييز.
  • تبني قوانين لمناهضة التعذيب تتفق مع المعايير الدولية. والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وإنشاء آلية مستقلة للتفتيش على مراكز الاحتجاز.
  • مراجعة القوانين التي تميز ضد المرأة.
  • تبني قانون للجوء، لحماية الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يفدون على ليبيا سنوياً. والتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين.
  • الاسراع في تسوية أوضاع السجناء والافراج عمن لم يقوم بارتكاب اية جرائم جنائية
  • إلغاء قانون العزل السياسي وحل الهيئة التي تقوم بتطبيقه وإبداله بالعزل القضائي للسلوك.
  • الإسراع بحل جميع الكتائب والمليشيات وإجبار أفرادها على الانضمام للجيش والشرطة.
  • تفعيل جهازي المباحث الجنائية والأمن الداخلي؛ حتى يساهما في التنبؤ بالجريمة وملاحقة فاعليها.
  • رفع القيود عن الصحف والقنوات الفضائية وإعطاءها المساحة الكافية للنقد وتصويب الأخطاء،فهي المرآة التي تعكس نبض الشارع وتوصل صوته لصانعي القرار.
  • الإسراع في إنهاء مشاكل الأقليات وخاصة ما يتعلق بالأوراق الثبوتية للتبو والطوارق والعائدين من المهجر.

 

 

منظمة ضحايا لحقوق الإنسان - بنغازي السبت 1فبراير 2014