"البحر أمامكم والدستوري وراءكم"، كلمات جاءت على لسان رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر بالبرلمان عبير موسي، وموجهة لحركة النهضة الفرع التونسي من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لتكشف حجم الثقل الذي باتت تحظى به المرأة وحزبها في تونس وتأثيرها في المشهد السياسي في البلاد بالرغم من اعتبارها  امتداداً لنظام بن علي الذي ثار عليه التونسيون.

عبير موسى المحامية أصيلة مدينة باجة (شمال غرب) التي ولدت سنة 1975 وتخرجت في كلية الحقوق بتونس من أبوين ضابط شرطة ومربية في التعليم، نجحت في اختراق المشهد السياسي والصعود إلى مراتب متقدمة بعد أن تمت شيطنتها بعد سقوط النظام السابق حيث كانت أمينة عامة مساعدة للتجمع الدستوري الحاكم الذي تم حله آنذاك، وكانت عبير موسى هي محامية التجمع وتمت معاقبتها بتجميدها كمحامية من عمادة المحامين لمدة عام كامل سنة 2011.

وفي العام 2012، التحقت موسى بحزب الحركة الدستورية الذي أسسه الوزير الأول زمن بن علي والوجه الدستوري البارز حامد القروي. وفي صيف 2016 صعدت موسى لرئاسة حزب الحركة الدستورية الذي أصبح اسمه الحزب الدستوري الحر الذي ورث التجمع الدستوري الحزب الحاكم سابقاً.

ونجحت عبير موسى في وقت وجيز في حشد الأنصار حتى من خارج الدستوريين والتجمعيين ونال حزبها 17مقعداً في مجلس نواب الشعب كما حازت المرتبة الخامسة في الانتخابات الرئاسية. ومن المفارقات أن الكثير من مسانديها اليوم من معارضي نظام بن علي ومن اليساريين، الذين يرون فيها الوحيدة القادرة على مواجهة المشروع الاخواني الذي تقوده حركة النهضة في تونس.

معادلة كان يأمل التونسيون أو على الأقل الذين يرفضون الإسلام السياسي أن تتحقق في انتخابات 2014 عندما انتخبوا حزب نداء تونس ورئيسه الباجي قايد السبسي لكن الذي حدث أن "الخطان المتوازيان اللذين لا يلتقيان" التقيا وكانت صدمة كبيرة للذين انتخبوا نداء تونس إذ تحالف الحزب الذي طرح مشروع إعادة تونس للتونسيين مع حركة النهضة.

وتحدّت موسى أغلب القيادات التاريخية لحزب بورقيبة وبن علي، واتهمتهم بـ"التخاذل" و"التواطؤ مع الإخوان الانقلابيين" في يناير 2011 "بدعم من دول غربية وعربية". ورفضت دعوات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي للالتحاق مع أنصارها بحزبه قائلة: "لن أترك بيتي وأذهب إلى بيت الجيران".

واستطاعت بتصريحاتها التي وصفها البعض "بالاستفزازية"، في الترويج لنفسها بوصفها شخصية كاريزماتية قيادية جديدة، وسياسية طموحة فتحت معارك مع "الكبار" فنجحت في مشاكسة كل خصومها ومعارضيها داخل الحزب الحاكم قبل 2011 ومعارضيه السابقين، وبالأخص، قيادات تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه حركة النهضة فرع تنظيم "الاخوان" في تونس.

ومنذ دخولها إلى البرلمان التونسي، عرقلت تمرير اتفاقيتين تجاريتين مع تركيا وقطر تتيحان للدولتين السيطرة على الاقتصاد التونسي، وكانت وراء جلستين لمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي بشأن تحركاته الخارجية الغامضة، ودفع البلاد للاصطفاف وراء المحور التركي القطري والأجندة الإخوانية، كما تقود حملة لسحب الثقة منه وعزله من رئاسة البرلمان، ما جعلها عرضة للتكفير داخل البرلمان.

كما وجهت للغنوشى اتهامات ثقيلة في البرلمان، وأشارت إلى أنّه "كذب على التونسيين أكثر من مرّة"، وحملته مسئولية الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد، وقدّمت بالحجج ما يثبت أن حزب حركة النهضة هو "حزب ديني شمولي وليس مدنيا"، وكشفت علاقاته بقيادات إرهابية على غرار يوسف القرضاوي وعلي الصلابي، وأدلّة عن ارتباطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

من جهة أخرى، مثل استهداف موسى من قبل حركة النهضة وحلفائها دافعا جديدا لصعودها، ففي يونيو الماضي، فجرت رئيسة الحزب الدستوري الحر قضية كبيرة في مؤتمر صحافي حين كشفت عن مخاوفها من وجود مؤامرة لاستهدافها من داخل البرلمان. وأماطت موسي اللثام عن محتوى فيديو، يلاقي رواجا على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفق فيه بشر الشابي من حركة النهضة، وسامية عبو من التيار الديمقراطي (شريك في الائتلاف الحكومي) على استهداف رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر في البرلمان.

وقالت موسي إنّها وثّقت الحوار الذي دار بين سامية عبّو وبشر الشّابي إثر اجتماع لجنة التشريع، وأنهما كانا يخططان "لتلفيق تهمة لها"، لافتة إلى أن هذا يعتبر قانونيا بمثابة "وفاق إجرامي"، وأنه "يعكس خطرا كبيرا حول مخططاتهم". على حد تعبيرها.

وأيا كانت تفاصيل الفيديو ونوايا النائبين، فإن عبير موسي بحسب مراقبين، سجلت نقطة قوية في صراعها مع خصومها من داخل التحالف الحكومي بكشف وجود تنسيق لاستهدافها بين الحزبين الرئيسيين في هذا التحالف. كما سجلت نقاطا على حساب سامية عبو التي تبدو منزعجة من شعبية عبير موسي وقدرتها على الظهور كمعارض أول لحركة النهضة، وخاصة لرئيسها راشد الغنوشي.

واعتبر كثيرون أن محتوى الفيديو أظهر انزعاجا واضحا من قبل التحالف الحاكم من وجود عبير موسي الفاعل في البرلمان، خاصة من قبل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وهو في الآن نفسه رئيس البرلمان، حيث نجحت رئيسة الحزب الدستوري الحر في عزله بشكل واضح، وهو ما مكنها من جمع 94 صوتا في تصويت على مساءلته في البرلمان بشأن تحركاته الخارجية وإطلاق تصريحات لا تتماشى مع توجهات تونس في القضايا الإقليمية.

ولا يقتصر انزعاج حركة النهضة من أداء عبير موسي في البرلمان على استهداف الغنوشي، وإنما تخاف الحركة من أن تستمر في الإشارة إلى القضايا التي تخشاها النهضة، من ذلك علاقتها بتنظيم "الاخوان" الذي تحاول الحركة التنصل منه. ونجحت موسى مؤخرا في اثبات هذا الانتماء حين تقدمت للبرلمان بلائحة متعلقة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما ارهابيا، وهو ما رفضته حركة النهضة.

وكشفت موسي عن تهديدات أطلقتها كل من حركة النهضة وكتلة ائتلاف الكرامة الداعمة لها، بشنّ حرب أهلية إذا ما تم إزاحة تنظيم الإخوان وتفكيك منظومته في تونس. وتابعت أن المجهودات التي بذلها راشد الغنوشي لإسقاط لائحة تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، جاءت لتفضح انتماءه لهذا التنظيم ولتكشف أنه مشول بهذه اللائحة التي تنّص على أنّ كل شخص طبيعي أو معنوي تونسي له ارتباطات مع هذه الجماعة، يعتبر مرتكبا لجريمة إرهابية طبقا لقانون مكافحة الإرهاب.

واعتبرت موسي أن فكرة اللائحة التي تقدم بها الحزب منذ 8 يونيو، جاءت بعد ثبوت انخراط عدد من القيادات السياسية التونسية (في إشارة إلى رئيس حركة النهضة الغنوشي وقيادات حزبه) في منظمات عالمية تقودها شخصيات تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومعروفة بتطرف خطابها وفتاواها الداعية للقتل والتفجيرات وإهدار الدماء، وإشراف تلك القيادات على مكاتب في تونس لتمثيل هذه المنظمات الخطيرة وإدخال المال الأجنبي لتأمين نشاطها وفتح الباب لغسل المال وتمويل الإرهاب وهو ما يشكّل تهديدا للأمن القومي التونسي.

وأكدت موسي إن البرلمان التونسي أصبح تحت سيطرة رجل الإخوان المسلمين في تونس راشد الغنوشي. وجاء ذلك في كلمة ألقتها في تجمع شعبي وسط العاصمة تونس، أين شارك المئات من التونسيين، السبت 04 يوليو 2020، في وقفة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، للتنديد بقرار البرلمان إسقاط اللائحة.

وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر أن القرار السياسي في تونس محكوم اليوم من حركة النهضة، فرع تنظيم الإخوان في تونس، الذي أصبح حجرة عثرة أمام نمو وتطور البلاد وضدّ إصلاح المؤسسات وتطويرها، مضيفة أن هذه الجماعة لا تريد الخير والاستقرار لهذه البلاد، وينعشون إلا في حالات الفوضى والغليان والاحتقان التي تضمن لهم البقاء في الحكم، ويريدون تركيع البلاد، بهدف تسهيل اختراقات الدول الراعية لهم تحت غطاء الاتفاقيات، داعية إلى إزاحة هذا لتنظيم حتى تنفرج الأوضاع.

وشارك المئات من التونسيين، في وقفة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، دعا إليها الحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي، حيث رفع المحتجون شعارات تندّد بتغوّل تنظيم الإخوان وسيطرته على مفاصل الدولة وهتفوا " يا نواب البرلمان خلصونا من الإخوان" و" يا زوالي يا مسكين كذبوا عليك باسم الدين"، كما جددوا مطالبتهم بسحب الثقة من راشد الغنوشي وإزاحته من رئاسة البرلمان.

وتزداد مخاوف النهضة مع زيادة شعبية عبير موسي بسبب الخشية من إثارة ملفات تتعلق بالعنف والاغتيالات السياسية، خاصة خلال فترة حكم الترويكا (2012-2013)،بالإضافة إلى ملف الجهاز السري والتمويل الخارجي وثروة الغنوشي، وهي ملفات لا شك أنها ستجد دعما قويا من أغلب الكتل، ما يسحب من النهضة خططتها لتحويل البرلمان إلى منصة ابتزاز في وجه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والسيطرة من خلاله على القرار السياسي.

كما اتهمت عبير موسي حزب قلب تونس بالخيانة وذلك بترجيح كفة الرافضين لتمرير اللائحة في مكتب البرلمان حيث سقطت بتصويت 5 نواب في مقابل 6 آخرين. وقالت موسي ان حزب قلب تونس بقيادة رجل الأعمال نبيل القروي اظهر انه معادي للدولة الوطنية المدنية البورقيبية. وأكدت موسي ان تنظيم الإخوان تورط بشكل واضح في اعمال إرهابية وتفجيرات شملت عددا من الدول العربية إضافة الى انخراطه في مشاريع التقسيم والتفتيت والولاء للخارج.

وفي تصريحات لموقع تونس الرقمية الخاص ، الشهر الماضي، اعتبر النائب عن حركة النهضة سيّد الفرجاني أن اللائحة المقدمة لتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي هي مجرد إضاعة للوقت". وأضاف الفرجاني أن هذا الملف لا يهم البلاد التونسية وهو عبارة على العمل على أجندات خارجية ومواضيع تافهة وساذجة".

ويأتي دفاع قيادات من النهضة على تنظيم الإخوان نظرا لعلاقاتهم الوطيدة حيث استقبل الإسلاميون في تونس بعد الثورة قيادات اخوانية عديدة بعضها شديد التطرف على غرار الداعية وجدي غنيم. وكانت دول عربية على غرار مصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة صنفت الاخوان كتنظيم ارهابي.

ويرى العديد من المتابعين للشأن التونسي أن جزءا كبيرا من التونسيين بات يعتبر اليوم أن عبير موسى هي أفضل من يعبر عن الشارع التونسي بعد 9 سنوات من الثورة التي لم تحقق شيئاً للتونسيين لذلك تجد عبير موسى مساندة من كل الذين يرفضون هيمنة الإسلام السياسي ومن أنصار النظام السابق ومن الذين يشعرون بالإحباط من "المسار الثوري" ويحنون للنظام السابق ومما دعم حضورها الكاريزما التي تتمتع بها وقدرتها العالية على الخطابة.

ولا تواجه عبير موسى حملات من أنصار حركة النهضة و"الثوريين" من يساريين وقوميين فقط بل تواجه جزءاً من التجمعيين الذين كانوا معها في الحزب الحكام ذاته ثم انحازوا إلى حركة النهضة، مثل محمد الغرياني الأمين العام للتجمع المنحل ووزير الخارجية في آخر حكومة لبن علي كمال مرجان وغيرهما ممن انحازوا لحركة النهضة ويطالبون بالاعتذار لها.

ويأخذ عدد من الناشطين السياسيين خاصة من اليساريين والقوميين والإسلاميين عليها كونها من رموز نظام بن علي لكن مآخذهم لم يعد لها الصدى نفسه في الشارع التونسي بعد الحصيلة الكارثية لسنوات حكم حركة النهضة التسع، وهذا سر صعود شعبية عبير موسى التي يشبهها اليوم بعض الناشطين السياسيين بعليسة والكاهنة وهما من رموز تونس النسائية.

لكن مراقبين يحذرون من امكانية استهداف موسي بالاغتيال مرجعين ذلك الى أن اغتيالات سابقة طالت خصوم النهضة وفي ظرف سياسي شبيه بالظرف الحالي كان قد اتسم بصراع قوي مع الإسلاميين وأدى إلى عزلهم شعبيا وإجبارهم على التخلي عن الحكم لفائدة حكومة وحدة وطنية، محذرين من أن حملات الشيطنة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستهدف زعيمة المعارضة المناوئة للإسلاميين، ويقودها أنصار الإسلاميين، والتي ربما تكون جزءا من مناورة أكبر تستهدف موسي وحياتها.

وسبق أن كشفت كشفت رئيس الحزب الدستوري الحر عن أنها تلقت تهديدًا بالاغتيال عن طريق "سيارة مفخخة". وأضافت "موسى" أنها تلقت رسالة حول مخطط الاغتيال عن طريق "دواعش" وصلوا مؤخرًا من ليبيا. وكانت فرقة مكافحة الإرهاب بالعاصمة تونس قد أبلغت عبير موسى بأنها مستهدفة بتهديد إرهابي يهدف إلى تصفيتها.