بات واضحاً أن الملف الليبي خرج من عهدة الأمم المتحدة ومن يد بعثتها الأممية، وأصبح محل تجاذب بين باريس وروما ومن ورائها واشنطن، وهذا التحول اللافت في الموقف الدولي له أسبابه الداخلية والخارجية التي لا يمكن إغفالها.

الشرارة الأولى

مثّل لقاء باريس شرارة الخلاف العلني بين روما وباريس حول الملف الليبي، خاصة بعد وصول اليمين الإيطالي للسلطة، والذي يضع ملف الهجرة في مقدمة أولوياته، خاصة وأن إيطاليا أكبر المتضررين أوروبياً منه، كما أن أزمة ليبيا فاقمت من أعداد المهاجرين، إضافة إلى تضرر إيطاليا في القطاع النفطي بسبب الإغلاقات المتكررة وتوقف كثير من استثماراتها بسبب تردي الوضع الأمني.

إذ ذهبت صحيفة إل جورناليالإيطالية، في المقابل، إلى حد اتهام ماكرون بمحالة سرقة ثروات ليبيا مشيرة إلى ما قالت إنها أطماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ثروات المستعمرة السابقة وثرواتها الغنية، في خضم الفوضى الليبية والفوضى الإيطالية.

كما اتهمت الصحيفة الإيطالية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسعي لضرب المصالح الإيطالية في ليبيا، وخاصة في حقول الغاز والنفط.

رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونته، أعلن الخميس الماضي، معارضته تنظيم انتخابات بليبيا وفق الجدول الزمني المحدد بمؤتمر باريس.

قبل ذلك، وتحديدا في 12 تموز الجاري، أعلن كونته، أن حكومته ستنظم مؤتمرا دوليا حول ليبيا في"الخريف القادم".

ضربة أرادت من خلالها روما قطع الطريق على باريس، وهي التي لطالما أبدت امتعاضها ومعارضتها للمبادرة الفرنسية حتى قبل انعقادها.

فقبل عقد المؤتمر بيوم واحد، كتب السفير الإيطالي لدى طرابلس، جيوزبي بيروني، في تغريدة عبر "تويتر"، يقول: "انقسامات ومبادرات غير منظمة ستساهم في عودة قوارب الموت".

واعتبر أن "الهدف ليس زيادة الالتزامات، بل تنفيذ ما تم الالتزام عليه حول ليبيا"، في إشارة للاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية عام 2015.

تموقع الولايات المتحدة

يقر المحلل السياسي علي أبوزيد لليبيا الخبر أن  "واشنطن فإنها ترى في الأزمة الليبية ملف توازنٍ وتسوية لخلافاتها مع حلفائها، وبتعيين ستيفاني ويليامز نائباً للمبعوث الأممي أعلنت تدخلها المباشر في الملف الليبي، وبتوافقها مع الموقف الإيطالي بدأت تمارس الضغط على باريس لتحدث بعض التوازن في ملفات إقليمية أخرى، وعلى رأسها ملف إيران النووي حيث أن باريس أكبر المعارضين أوروبياً للانسحاب الأمريكي منه.

كما أن واشنطن حذرة من التواجد الروسي في البحر الأبيض المتوسط، وسعي موسكو كما أشارت تقارير صحف أمريكية إلى إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا، وهو ما لن تسمح به واشنطن".

و أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تردده بشأن الأزمة الليبية، وقرر دعم وجهة النظر الإيطالية حول الملف الليبي، خلال زيارة رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي، إلى البيت الأبيض  أواخر شهر يوليو.

وأشاد ترامب بالحزم الذي يبديه كونتي في ملف الهجرة، وذلك خلال استقبال «حار» له في البيت الأبيض سلّط خلاله الرئيس الأميركي الضوء على القواسم التي تجمعه بالرئيس الأوروبي خصوصاً في ملفي الهجرة والتجارة.

وقال كونتي خلال مؤتمر صحفي مع ترامب، وفقاً لوكالة «فرانس برس»: "حكومتي وإدارة ترامب، كلتاهما تمثّل التغييرالمواطنون اختاروهما من أجل تغيير الوضع الراهن وتحسين ظروف حياتهم".

وأضاف: "لقد وصفت للرئيس ترامب المقاربة الجديدة لإيطاليا"، موضحاً أنه بفضل الحزم الذي أبدته روما فإنّ بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "باتت تتحمل مسؤولية عدم ترك كل عبء إدارة الهجرة على أكتاف الدول التي يصل إليها المهاجرون أولاً".

مؤتمر إيطالي مرتقب


وبإعلان روما عزمها عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في أكتوبر القادم ودعم واشنطن لها، بدأت كل من روما وباريس سباقاً دبلوماسياً محموماً يبرز في حدة التصريحات بينهما، وتعتبر آخر مؤشراته زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى القاهرة هذا الأسبوع، والذي يبدو أن الهدف منها جعل القاهرة غير المرحبة بمخرجات باريستنخرط ضمن التوجه الإيطالي، والاتفاق معها على صيغة تجعل من رجل مصر في ليبيا (خليفة حفتريتجاوب هو أيضاً مع المساعي الإيطالية.

إذ بدأت الصحف الإيطالية تنشر تباعًا بعض التفاصيل والحيثيات المتعلقة بمؤتمر دولي تخطط الحكومة الإيطالية لتنظيمه الخريف المقبل، لمعاينة مختلف أبعاد الأزمة الليبية.

وتقول إيطاليا إن الهدف من المؤتمر هو جمع أكبر عدد ممكن من المعنيين بالشأن الليبي من الأطراف الليبية والدولية، لوضع أسس وأرضية لبسط استقرار مستدام في البلاد، ومساعدة المواطنين الليبيين والمجتمع المدني في نفس الوقت.

وبدأت السلطات الإيطالية حملة دبلوماسية لكسب الدعم الخارجي إقليميا ودوليا لهذا المؤتمر، حيث تحصلت على موقف إيجابي من الولايات المتحدة بعد لقاء رئيس الوزراء كونتي مع الرئيس ترامب، مما اعتبرته الأوساط الإيطالية كسب جولة حاسمة ضد فرنسا المتنافسة معها على إدارة الأزمة الليبية، وحيث تدعو باريس إلى الإسراع في تنظيم انتخابات عامة و رئاسية في ليبيا وهو ما ترفضه إيطاليا.

وقالت جريدة (الجورناليمن جهتها إن مؤتمر روما سيبحث العديد من القضايا التي تتعلق باستقرار ليبيا، ولكن أحد الأهداف غير المعلنة إلى الآن يتمثل في توجه لتوظيف المؤتمر لانتزاع توافق المشاركين لتوسيع مهمة صوفيا البحرية الأوروبية التي تقودها إيطاليا، والدخول بها إلى مرحلتها الثالثة أي تتمكن هذه القوة من العمل داخل المياه الإقليمية الليبية0

واستوجب هذا الأمر وفق الجريدة إلى الآن موافقة مجلس الأمن الدولي، وطلبًا رسميًا من حكومة الوفاق في طرابلسوتقول الجريدة إن مثل هذه الخطوة ستسمح للمرة الأولى بتتبع وملاحقة مهربي البشر داخل الأراضي الليبية نفسها.