في دولة وليدة سقطت فريسة الاضطرابات السياسية، يمارس الصحفيون في جنوب السودان مهنتهم في ظل تهديدات مستمرة من الترهيب والاعتقال والعدائية، ومعظم هؤلاء المتضررين صحفيون محليون يعملون في وسائل إعلام خاصة.

وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، قال "ألفريد تابان"، وهو صحفي مخضرم ورئيس مجلس إدارة جمعية تنمية وسائل الإعلام في جنوب السودان، إن "الصحفيين يتعرضون لمضايقات رجال الأمن بشكل يومي".

وأحد هؤلاء المتضررين "سليمان جوك"، وهو مصور صحفي يعمل لصحيفة "الأمة الجديدة" (يومية خاصة)، اعتقله أفراد الأمن بعد أن التقط صورا لمحطة وقود على مشارف جوبا في ذروة أزمة الوقود التي شهدتها البلاد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وسرد "جوك" تفاصيل الواقعة للأناضول، قائلا: "ألقوا القبض في بيتي أويل (محطة وقود في غوديل على مشارف جوبا) بعد أن طلب مني أحد عناصر الأمن إظهار خطاب (تصريح) وزارة الإعلام، فأعطيته الخطاب، لكنه سألني لماذا ليس مختوما من قبل الأجهزة الأمنية الوطنية".

وأضاف: "اقتادوني بعيدا، واحتجزوني لمدة أربع ساعات قبل إطلاق سراحي، ولكنهم صادروا الكاميرا، التي بقيت معهم لمدة أربعة أيام".

وتابع: "نسخوا كل صوري، وحذروني من أن صور محطات البنزين تؤثر على الأمن القومي".

لكنه اعتبر نفسه محظوظا أن يطلق سراحه في نفس اليوم دون تعرضه للتعذيب، مشيرا إلى أن التعجيل بالإفراج يعزى إلى تدخل كبار المسؤولين الحكوميين.

ومضى قائلا: "بعض السفراء (لم يحدد هوياتهم) الذين يعرفونني اتصلوا بهم (رجال الأمن)، وسألوهم لماذا اعتقلوني".

وأردف معربا عن شكره: "منتدى المنظمات غير الحكومية (هيئة تشرف على عمل المنظمات غير الحكومية في البلاد)، تابع المسألة على الفور، ولذلك أُطلق سراحي".

ومنذ بداية الصراع بين القوات الحكومية، وقوات المتمردين في أواخر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، استمر تواجد رجال الأمن بشكل مكثف في العديد من المؤسسات، ومن بينها المكاتب العامة والمؤسسات الخاصة، والأسواق، في شوارع جوبا ومدن أخرى.

هو الآخر، واجه "ديو وليام"، وهو محرر إذاعي، تجربة سيئة مع الأجهزة الأمنية، عندما نزل إلى شوارع جوبا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لإجراء بث مباشر عن حركة المرور.

وقال للأناضول إنه، بينما كان يتحدث عبر هاتفه إلى الاستوديو أثناء قيامه بجولة في الظهيرة، الوقت الذي عادة ما يشهد تدفقا كثيفا في حركة المرور، وقعت حادثة حاول خلالها رجلان على متن دراجة نارية انتزاع حقيبة امرأة، وهي جريمة متكررة الحدوث في جوبا.

وتابع: "حاولت إجراء بث مباشر الهواء لأن الحادث تسبب في ازدحام كبير على الطريق، وحاولت أن أوضح الحادث الذي تسبب في التكدس".

ومضى قائلا: "بينما كنت أتحدث على الهواء، لم أدرك أن شخصا كان يقف بجانبي، ويستمع إلى ما كنت أقوله، وبمجرد أن انتهيت من تقريري، سألني الرجل مع من كنت أجري الاتصال؟".

وتفاجأ "ديو" عندما هاجمه الرجل الذي تبين أنه رجل أمن، وركله بين فخذيه، وصفعه على وجهه، وطرحه أرضا، قبل أن يصادر جهاز البث وهاتفه وغيرها من الأدوات، ولكنه لم يعتقله.

وأضاف معربا عن أسفه: "صادر (موظف الأمن) الهاتف الي كنت أتحدث من خلاله إلى الاستوديو، وتدخل الناس عندما رأوه يعتدي علي".

وعلى الرغم من الإبلاغ عنها، فإن مثل هذه الحوادث تمر دائما دون عقاب أو حتى إجراء تحقيق من جانب السلطات.

وزاد "ديو": "الأمر لا يتعلق بما حدث لي فقط، ولكن هذا أحد التحديات التي يواجهها الصحفي، وتشمل ممارسات أجهزة الأمن التي تتعامل بغطرسة".

وأردف: "حاولنا التحدث إلى وزارة الإعلام بشأن هذه الممارسات ولكنهم حتى الآن، يقولون فقط إنهم يتابعون".

ولكن يبدو أن هذه "المتابعة"، مجرد وعود كاذبة، حيث يبلغ العديد من الصحفيين المحليين عن مزيد من الوقائع المماثلة لتلك التي تعرض لها "ديو" و"جوك"، بعد ان تعرضوا بدورهم لتعذيب، واعتقال وترهيب، في ظل إحساس بالإفلات من العقاب.

وبدروه أشار "تابان" إلى أنه لم ينج من المضايقات أمنية، قائلا: "هنا في جنوب السودان، تعرضت ببعض المواقف غير الملائمة"، متذكرا قصة نشرها في صحيفته "مونيتور جوبا" ما أدى إلى اعتقاله واستجوابه.

وتابع: "في عام 2012، كتبنا قصة عن طالب من قبيلة النوير، قتل بالقرب من بيت وزير الداخلية آنذاك سلفا ماتهوك، الأمر الذي ضايق الأخير، وزاد استيائه عندما اتهمه شعب النوير بقتل الطالب".

ومضى قائلا: "كنت في رحلة إلى نيروبي آنذاك، عندما اعتقلت الشرطة مدير تحرير الجريدة مايكل كوما، وقالوا إنهم لن يطلقوا سراحه حتى عودتي إلى البلاد. لذلك عندما عدت، توجهت إلى مركز الشرطة، واحتجزوني لمدة ثماني ساعات، في حين لا يستغرق الأمر بضع دقائق".

ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من أجهزة الأمن بجنوب السودان على ما ورد في التقرير.

وعلاوة على ذلك، أثار مشروع قانون الأمن الوطني الأخير، الذي أقره البرلمان انتقادات من جانب الصحفيين الذين يخشون أنه سيقوض عملهم وقد يعرضهم للتهديد والترهيب.

وبموجب مشروع القانون، يحق لرجال الأمن القيام باعتقالات دون أمر قضائي في حالة التهديدات المحتملة على الأمن القومي.

وأشار "تابان" إلى أن "كثيرا من الصحفيين يشعرون أن هذا القانون سن لشن حملة قمعية ضدهم.. وهذا سيجعلهم يخشون تناول القصص الحساسة".

ولفت إلى أنه من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة، عُقدت سلسلة من الاجتماعات بين ممثلي الصحف وأجهزة الأمن، لمناقشة قضية تعامل رجال الأمن مع الصحفيين.

وفي وقت سابق من هذا العام، حثت منظمتي "هيومن رايتس ووتش"، و"العفو الدولية" في تقرير مشترك بشأن فرض قيود على وسائل الإعلام في جنوب السودان، جهاز الأمن الوطني (الداخلية) لوقف "مصادرة وإغلاق الصحف وكذلك مضايقة، وترهيب، واحتجاز الصحفيين دون وجه حق".

ومنذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، تشهد دولة جنوب السودان مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين تابعين لريك مشار، النائب السابق للرئيس سلفاكير مارديت، الذي يتهم مشار بمحاولة الانقلاب عليه عسكريا، وهو ما ينفيه نائبه السابق.