رأى الصحفي التونسي محمد بالطيب، أن رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد أنقذ البلاد والشعب التونسي من سيناريو مرعب جدًا، وهو الذهاب نحو استقطاب حربي بين الدستوري الحُر والنهضة. 

وقال بالطيب في ورقة تحليلية نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "البلاد بشكل واضح كانت ذاهبةً (وفي أحسن الحالات) إلى هذا السيناريو. خطاب عبير موسي كانت الوحيد القادر على جذب مئات آلاف التونسيين الحانقين على حكم النهضة وما أوصلت إليه البلاد. إذا فازت عبير موسي وهو أمر وارد جدًا ستكون النّهضة في المرتبة الثانية (هي نفسها ستنعشها كثيرا حالة الاستقطاب)، وبخلاف "البلوكاج" الذي سيعطّل أي تشكيل للحكومة. فإنّ المرعب أنّو عبير موسي ستقود حرب واسعة ضد النّهضة وحرب شرسة وبكل الأساليب والطرق. في المقابل النهضة المعششة في السلطة والحكم والإدارة منذ عقد من الزمان سترد بكل عنف. كنا داخلين على سيناريو انقسام مرعب وحربي مدمّر للدّولة والمجتمع".

وتابع بالطيب، :"إجراءات قيس سعيد قبرت هذا الكابوس، قضى على النهضة سياسيا بحركة واحدة، وسحب الرأسمال السياسي لعبير موسي في لحظة قصيرة. الآن ستتحوّل النهضة إلى حزب صغير، ستخسر الجزء الأقوى والأهم من رموزها نتيجة الأحكام القضائيّة وسيتخلى عنها جزء كبير آخر من المناصرين العاديين الذين اقتنعوا وسيقتنعون بأن خيار السير في مركب النّهضة خيار غير سليم. عبير موسي لن يبقى لها الآن إلاّ أن تتكلّم كحزب سياسي عادي في سياق طبيعي تقدّم مشاريع وأفكار لتدخل بها غمار السياسة، وليس لها من رأس مال آخر تقدّمه في سوق الانتخابات، خاصة وأن قيس سعيّد رافض (منذ توليه للرئاسة) أي تعامل أو تواصل معها فضلا على أن يقبلها كجزء من مشروعه السياسي. المشكلة التي تواجه خصوم قيس سعيد، بخلاف انهيار رصيدهم الشعبي، هو أنّه رجل "بلا خطايا"، لا يستطيعون تشويهه ولا ضرب صورته في مخيلة عامة الشعب. رجلٌ تونسي بسيط، متديّن باعتدال، مثقّف، من جيل قديمٍ محترم، خطابه رصين، سيرته نظيفة ولم يتلوّث في أوحال السياسة، وقادم إلى منصبه على مطيّة ثلاثة ملايين صوت، ونجح بشكل باهر في القفز فوق المحاور الدّوليّة طيلة عام ونصف عصيبين في تاريخ المنطقة. لا يمكنهم وصفهم بـ"الاستئصالي" ولا بـ"الخوانجي". رجلٌ فيه كلّ شيء ليتمايز عن منظومة ملوثة وقذرة ومدمّرة أنهكت البلاد وأثقلت على نفوس العباد، كلّ رموزها موصومون بشيء مشين".

وأضاف، :"في المقابل، ماهو مخيف في اجراءات قيس سعيّد أنّها لا تستند إلى قاعدة دستورية صلبة، وخارج فرحتنا بهذه الاجراءات التي أعادت للسواد الأعظم من التونسيين بعض الأمل في ترميم جزء من الخراب القائم، فإنّ هذه الاجراءات لا تعوزها خروقات دستورية واضحة. هذا التأسيس اللادستوري، ودائمًا خارج مشروعيته الشعبيّة، مرعبٌ من زاوية أنه قد يتحوّل لفلسفة حكم في القفز على سلامة الاجراءات السياسية والقانونية القادمة في عملية إعادة البناء. نريد دولة قانون، سيّدي الرئيس. دولةً لا غلبة فيها لشخص على آخر خارج النصوص القانونية وخارج الدّولة. نريد دولة الشفافيّة واحترام حرمات الناس وأعراضهم وحريتهم وحقوقهم المدنيّة والساسيّة كاملة. دولة المحاسبة العادلة والصارمة للجميع، لا تشفّي ولا انتقائيّة. أنهكتنا الثارات سيّد الرئيس، هذا البلد منهك من خرق القوانين. الآن نحن أمام واقع، يدعو للتفاؤل في مجمله. المستقبل قد يكون أجمل. وسيكون حين تستعيد الدّولة قوتها في كونها جهازا لانفاذ القانون. وحين تعود الممارسة السياسية إلى شكلها المؤسساتي الفعلي الحقيقي لا الملوّث والبائس والسقيم الذي كانت عليه".

كما قال الصحفي التونسي محمد بالطيب، في تدوينته :"قيس سعيّد شخصٌ في المجمل يمكنه أن يكون ضامنًا، لكن الدّول لا تبنى على ضمانات شخصية، الدّول تبنى بالقانون وتبنى بالمؤسسات. نريد انهاء كل هذا سيّد الرئيس، بالقانون. بتدقيق شامل في كل شيء، بمحاكمات عادلة شخصية لا جماعية لكل من أجرم في حق البلاد بكل صرامة وبدون تشفّي، مهما كان انتماؤه أو منصبه أو موقعه الآن سياسيًا. نريد برنامجًا اجتماعيًا يعيد تماسك المجتمع التونسي وتصالحه مع تنوعه واختلافه. نريد برنامجًا اقتصاديًا يعيد إنعاش الاقتصاد الوطني والمنافسة القانونية النزيهة وتدقيقًا في كل الخروقات والجرائم الاقتصادية والمحاسبة القانونية العادلة. تونس ليست بلدًا صغيرًا بلا تاريخ، أضعفتنا الظروف ولكننا نحمل جينًا من العظمة التاريخيّة. الرئيس قيس سعيّد دخل بنا إلى مرحلة عنوانها واضح: إمّا أن ننجح ونمر لدولة عادلة ومجتمع منظم وسليم ومتماسك متخفّف من الأحقاد والثارات والآلام متصالح مع كل تاريخه ورموزه وثقافاته وتنوّعه، أو نفشل ونسقط مرّة واحدة. ولو سقطنا هذه المرّة ستكون آلامنا أقسى من ملح روما على جلد قرطاج".