اليوم 6 فبراير 2014 يكون قد مرَّ عامٌ كامل على إغتيال المناضل و النّاشط السياسي التّونسي شُكري بالعيد ,المولود يوم 26 نوفمبر 1964 بمنطقة جبل جلود بضواحي العاصمة تونس التي منها خرج جثمانه يوم 8 فيفري 2013 ,في إتّجاه مقبرة الجلاّز ,يومين بعد إغتياله بأربع رصاصات كانت واحدة بالرأس وواحدة بالرقبة ورصاصتين بالصدر أمام بيته في "المنزه السّادس" في العاصمة تونس .

شُكري بالعيد هُو محامي و سياسي تونسي النّاطق الرّسمي بإسم "حزب الوطنيين الدّيمقراطيين الموحّد" و هو حزب يساري ماركسي يعتبر المسألة القوميّة مسألة ذات أهميّة في سبيل "بناء جبهة وطنية ديمقراطية تكون أداة و إطارا للتحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي والوحدة القومية ", و شُكري بالعيد هُو أيضًا من أبرز المؤسّسين للجبهة الشّعبيّة في تونس و هو تحالف يضمّ 12 حزيًا يساريًا و قوميًا تأسّست في أكتوبر 2013 لتجميع الطّيف الإشتراكي في البلاد .

عُرفَ شُكري بالعيد بنضاله ضد الدّيكتاتوريّة و الإستبداد  زمن حُكم الرئيس بورقيبة و هو لا يزال طالبًا في الجامعة الشيء الذي كلّفه السّجن و التّجنيد القسري في منطقة رجيم معتوق الجدوديّة مع الجزائر جنوب-غربي البلاد العام 1987 ,و قد كانت حينها عبارة عن منفى و نوعٍ من العقاب القاسي للمعارضين لسلطة 'الرّجل المريض" الزّعيم الحبيب بورقيبة ,و قبل ذلك في جانفي 1984 انخرط شكري بلعيد بقوة في أحداث ما يعرف بانتفاضة الخبز، وتم ايقافه لأكثر من الشهر.

كما عُرف عن شُكري بالعيد نضاله الطّويل ضد نظام الرّئيس السّابق زين العابدين بن علي ,حيث منع منذ بداية التسعينات من مواصلة دراسته الجامعيّة في تونس فرحل إلى العراق حيث تحصّل هناك على إجازة في الحقوق من جامعة بغداد ,ثمّ عاد إلى تونس قبل ان يغادرها مرّة أخرى إلى فرنسا حيث عاد من جامعة باريس 8 بشهادة المرحلة الثالثة ليمارس المحاماة في تونس,و يُعرف بدفاعه عن قضايا السياسينن و حقوق الإنسان و مرافاعته القويّة ضد السّلطة و القمع و الدّولة البوليسيّة ,و كان دائمًا في مقدّمة التحرّكات الإجتماعيّة و النّقابيّة و الفعاليات الشّعبيّة المناوئة للنّظام و النّاقدة للإستبداد و القمع و الكبت و الفساد ,فقد كان في مقدّمة المحامين المدافعين عن معتقلي ما يُعرف بــ"أحداث الحوض المنجمي" العام 2008 حين إستعملت الدّولة كلّ جهازها القمعي و آلتها البوليسيّة طيلة ستّة أشهر لقمع إنتفاضة أبناء منطقة مناجم الفسفاط في الوسط الغربي التّونسي المطالبين بالتّشغيل و التّنمية و مراجعة مناظرات الإنتداب في شركة الفسفاط ,كما كان شُكري بالعيد من أبرز المُدافعين عن شباب التيّار السّلفي خاصة في ما يعرف بأحداث سليمان أواخر العام 2006 و هي عبارة عن مواجهات مسلّحة بين قوّات الأمن التّونسيّة و مجموعة سلفيّة/جهاديّة صغيرة في جبال مُتاخمة للعاصمة ,حيث كان أولائك الشّباب يواجهون تُهمًا خطيرة تتعلّق بقلب نظام الحُكم و التآمر على أمن الدّولة .

ربّما هو "مكر التّاريخ" -بعبارة هيغل- الذي جعل شُكري بالعيد يموت على يد الشّباب هذا التيّار الذين دافع عنهم يومَ لم يكن يجرؤ أيُّ محام للدّفاع عنهم أو ينادي بأن يعاملوا في إطار شُروط حقوق الإنسان و أن تُضمن لهم المحاكمة العادلة ,منتقدًا بشدّة قانون الإرهاب الذي كان يضعه في سياق الإملاءات الأمريكيّة و من هنا كانت كلمته الشّهيرة :"إذا كان بن علي يريد ارضاء الأمريكان، فعليه أن يذهب إليهم لا أن يزجّ بأبناء تونس في السجون" .

و ربّما هُو "مكر التّاريخ" أيضًا هو الذي جعل قاتل بالعيد ,كمال القضقاضي , يموت في الذّكرى الأولى لرحيله على يد قوّات الأمن في مواجهات في مدينة روّاد قرب العاصمة مع مجموعة من الشّباب السّلفي/الجهادي من تنظيم "أنصار الشّريعة" الذي أكّدت وزارة الدّاخليّة مسؤوليته على إغتيال بالعيد و النّائب في المجلس الوطني التأسيسي محمّد البراهمي قبل أن تصنّفه كتنظيم إرهابي محظور .

كان شُكري بالعيد فاعلاً في أحداث الثّورة الممتدّة بين 17 ديسمبر/كانون الأوّل 2010 و 14 يناير/كانون الثاني 2011 حيث ذهب الى سيدي بوزيد منذ الأيام الأولى للإنتفاض الشّعبيّة و كان في مقدّمة التحرّكات الشّعبيّة و النّقابيّة هناك .كما ألقى خطبة يوم 27 ديسمبر 2010 أمام قصر العدالة بتونس العاصمة ندذد بها بقمع السّلطة و دعم مطالب الشّعب في الحرية و الكرامة و الدّيمقراطيّة فاختطفته قوّات الأمن  وبقي بحالة إيقاف قبل أن يتم اطلاق سراحه بعد اعتصام المحامين في دار المحامي يوم 14 يناير 2011 صباحًا .

و بعد الثورة كان عضوًأ في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي أشرفت على مرحلة الإنتقال الدّيمقراطي الأولى التي أوصلت البلاد إلى إنتخابات 23 أكتوبر 2011 الناجحة بشهادة الجميع و التي فازت فيها حركة النّهضة الإسلاميّة لتشكّل بمعيّة حزبي المؤتمر من أجل الجمهوريّة برئاسة المنصف المرزوقي و حزب التكتّل الدّيمقراطي من أجل العمل و الحريات برئاسة مصطفى بن جعفر إئتلافًا حكوميا كان بلعيد من أكبر معارضيه و خاصة لحركة النّهضة التي كان يعتبرها الحاكم الوحيد و الفعلي للبلاد .

و لا يُمكن الحديث عن التاريخ النّضالي لشُكري بالعيد دون الحديث عن سنوات الجامعة و النّضال الطلاّبي و خاصة ما يُعرف بحركة 5 فيفري 1972 التي رفضت مقرّرات المؤتمر الثامن عشر المنعقد في قربة في أوت 1971 للإتحاد العام لطلبة تونس ,وهي منظمة نقابيّة طلاّبيّة تأسّست العام 1952 من قبل الحزب الحر الدستوري و بعض قوى و أحزاب اليسار الماركسي و القوى القومية من أجل تعبئة الشباب الطلابي و المدرسي التونسي ضد الاستعمار الفرنسي ,و في هذا المؤتمر تدخّلت السّلطة لفرض تنصيب قيادة دستوريّة (نسبة للحزب الحر الدّستوري الجاكم) على رأس الإتحاد الشيء الذي رفضته القوى اليسارية و لم تعترف بالقيادة الدّستوريّة و المكتنب التّتفيذي الجديد و قاموا بإنشاء الهياكل النّقابيّة المؤقتة التي كان من مهامها العمل على إنجاز المؤتمر 18 الذي إعتبروه غير منجز و هو أمر لم يتحقّق إلاّ في ماي 1988 حين عُقد المؤتمر التاريخي الذي إفتتحه شُكري بالعيد و الذي صار من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد بعد نهاية هذا المؤتمر الخارق للعادة .

كان إغتيال شُكري بالعيد حدثًا كبيرًا في تاريخ تونس المعاصر حيث لم تعرف البلاد منذ عقود هذا النّوع من الإغتيالات لمعارض سياسي بارز ففي التاريخ الحديث لتونس في دولة ما بعد الإستقلال لا يكاد يعرف التّونسيين حدثًا مماثلاً غير إغتيال الزّعيم صالح بن يوسف بفرانكفورت في ألمانيا يوم 12 أوت 1961 ,أو بإستثناء مقتل المنسّق الجهوي لجركة نداء تونس لُطفي نقّض الذي مات نتيجة مصادمات مع عناصر "رابطة حماية الثّورة" التي هجمت على مكتبه في إتحاد الفلاّحين بالجهة بدعوى "تطهير المدينة من رموز النّظام القديم" و هو أمر مازال إلى اليوم ينتظر قرار القضاء و هذه الرّابطة هي جمعيّة تنشط في المجال الإجتماعي و الاعلامي و السياسي و يتركّز نشاطها على محاربة كلّ نفس لا يتماشى مع تصوّرها للثّورة و أهدافها التي تتقاطع دائمًا مع تصوّرات و برامج و أهداف و حسابات و أجندات حركة النّهضة الإسلاميّة الحاكمة الشيء الذي يدفع الجميع إلى القول بأنّها ذراع من أذرعة الحركة تصرّفه في ترهيب المعارضين و تشويههم و التشويش على اجتماعاتهم و تحرّكاتهم .

لذلك كان الحدث صادمًا لكل ّ التّونسيين ,فلم يكن أحد ينتظر أن تتطوّر الخلافات الى الدم و القتل و الرصاص ,فكانت القرارت و التفاعالات في حجم الحدث و في حجم إسم الرّاحل و في حجم نقمة التّونسيين على خيار العنف و الإرهاب الذي يبدو أنّ بدا لهم أنّ بلاد قد دخلت فعليًا نفقه المظلم كما أكّدته الأحداث بعد ذلك من مجزرة الجنود في جبل الشعانبي إلى اغتيال النّائب محمّد البراهمي إلى أحداث سيدي علي بن عون .

على إثر حادثة الإغتيال توجّه الكثيرون بأصابع الإتّهام إلى حركة النّهضة خاصة على لسان زوجة شُكري بالعيد بسمة الخلفاوي و إخوته و عائلته  الذين حمّلوا الحركة مُباشرةً مسؤوليّة الإغتيال خاصة مع حدّة خطابات العداء التي كان يُواجه بها شُكري بالعيد من قبل قيادات الحركة كوزير الدّاخلية حينها علي العريّض و النّائب في المجلس التأسيسي الحبيب اللّوز ,غير أنّ وزارة الدّاخليّة أكّدت في وقت لاحق بناء على التحرّيات و الأبحاث أنّ تنظيم "أنصار الشّريعة" بفكره السّلفي/الجهادي هُو المسؤول على العمليّة ,إلاّ أنّ طريقة وفاة المتّهم الرئيسي كمال القضقاضي و عدم إلقاء القبض عليه حيًّا و عدم إلقاء القبض على باقي المتّهمين في القضيّة يشرّع الكثير التّساؤلات في صفوف رفاق بالعيد الذين لا زالوا يطرحون منذ عام نفس السّؤال "شكون قتل بالعيد؟" و هو سؤال/شعار لتحرّك ميداني كلّ يوم إربعاء أمام وزارة الدّاخليّة التي يبدو أنّ روايتها لم تقنعهم لأنّ كمال القضقاضي قد يكون هُو قعلاً المنفّذ و لكنّ فمّة في نظرهم من خطّط و دبّر و سهّل و موّل و يريدون معرفته .

كانت ردود الفعل على عمليّة الإغتيال كبيرةً و في حجم الحدث فقد أعلن الإتّحاد العام التّونسي للشّغل الإضراب العام يوم 8 فبراير 2013 و هو ثاني إضراب عام في تاريخ البلاد منذ 26 جانفي 1978 أو ما يُعرف في التاريخ التّونسي الخديث بالخميس الأسود الذي سقط فيه 52 قتيل حسب الإحصائيات الحكومية في حين تقول المنظمات المُستقلّة أنّهم أكثر من 400 قتيل كما قرّر الإتّحاد تنظيم جنازة وطنيّة لبلعيد و إعلان الحداد ,و قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعليق الدروس يومي 8 و9 فبراير كما أضربت المحاكم في 6 و7 و8 فبراير احتجاجا على هذه الحادثة و  أمر الرئيس المؤقت و القائد العام للقوات المسلحة المنصف المرزوقي بإقامة جنازة وطنية لشكري بلعيد ,و هو الذي قطع بهذه المُناسبة زيارته إلى فرنسا وقال أمام البرلمان الأوروبي أن الاغتيال يهدف إلى إجهاض الثورة التونسية وأدان "الاغتيال المشين لزعيم سياسي ولصديق قديم". وقال "إنه اغتيال سياسي. إنه تهديد. إنها رسالة لكننا نرفض تلقيها" كما أعلنت الرئاسة مساء 8 فبراير تنكيس الأعلام حداد على روح شُكري بالعيد في حين دعا راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة إلى جعل يوم 6 فبراير 2013 يوم حداد وطني متّهما ما أسماهم بأزلام النظام السابق بتنفيذ عمليّة الاغتيال .

و قد شهدت كلّ مدن البلاد مظاهرات مندّدة بعمليّة الإغتيال محمّلة المسؤوليّة السياسيّة لجكومة حركة النّهضة ,كما تمّ حرق العديد من مقرّات الحزب في كثير من مدن البلاد و المطالبة بإسقاط الحكومة و تشكيل حكومة كفاءات وطنيّة غير متحزبة .على المستوى الدّولي كانت الإدانات كبيرة من معظم البلدان و المنظمات الدّولية حيث أدان الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند الحادثة وقال أن مقتل بالعيد سيحرم تونس من أحد الأصوات الشجاعة التي تدعو إلى الحرية في البلاد. وعبّر في بيان صادر عن قصر الإيليزي عن تخوّفه من إمكانية تصاعد العنف السياسي في البلاد كما أعلنت السفارة الفرنسية في تونس أن المدارس الفرنسية بتونس ستغلق في 8 و9 فبراير 2013 .و قالت الأمم المتّحدة في بيان لها أصدره المتحدث بإسم الامين العام للامم المتحدة بان غي مون يوم 6 فبراير 2013 أن عملية الاغتيال سابقة خطيرة في تاريخ تونس.

كما أدان ألكسندر لوكاشيفيتش الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية الروسية حادث الإغتيال وقال:"نأمل أن لا تسمح الحكومة التونسية الجديدة التي أعلن رئيس الوزراء عن تشكيلها، والقوى السياسية التونسية بتدهور الوضع، وأن تضمن ظروفا مناسبة لمواصلة التحولات الديمقراطية العميقة لمصلحة كل التونسيين"وأدانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي في 6 فبراير 2013 عمليّة اغتيال بلعيد وقالت أن هذا الأخير كان مدافعا عن حقوق الإنسان واغتياله يمثل ضرية للعملية الديمقراطية في البلاد.

كما أدانت أيضًا السفارة الأمريكية في تونس اغتيال بلعيد الذي وصفته "بالفعل الشنيع والجبان" وقالت أنه لا مكان للعنف السياسي في مرحلة الانتقال الديمقراطي بتونس.بدورها أعربت دولة قطر عن استنكارها لاغتيال شكري بلعيد. وأكد مصدر مسؤول بوزارة الخارجية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن دولة قطر تدين مثل هذه الاعمال الارهابية والاجرامية التي تستهدف الآمنين.

كذلك أعربت وزارة الشؤون الخارجية التّركيّة في بيان يوم 6 فبراير عن أسفها لمقتل بلعيد وقالت "علمنا بمزيد من الحزن الكبير، بمقتل شكرى بلعيد أحد أبرز الشخصيات المعارضة في تونس، نتمنى له الرحمة ولذويه وأقاربه والشعب التونسى العزاء".كما صدرت بيانات تنديد عن معظم المنظمات الحقوقية المحليّة و العربيّة و الدّوليّة كهيومن رايتس ووتش و منظمة العفو الدّوليّة و عن كثير من المنظمات النّقابيّة حول العالم و الأحزاب اليساريّة و الماركسيّة من جميع القارات .