“غذاء ودواء ومصدر رزق”، فوائد يمكن حصرها لأشجار الدوم التي تعتبر من الفصائل المنتمية لأشجار النخيل والتي تنمو في الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية بمصر، وتأخذ شكل تجمعات في أماكن سقوط الأمطار أو بجوار الحقول الزراعية وأماكن الرعي.
وشجرة الدوم من الأشجار المعمرة بطيئة النمو ويصل ارتفاعها في بعض الأحيان إلى حوالي 30 مترا، ولها أوراق مروحية الشكل مليئة بالأشواك وثمارها في حجم البرتقال ولكنها صلبة وذات لون بني يميل للإحمرار، وللثمرة بذرة كبيرة صلبة بنية اللون ملساء، ويغلفها نسيج فلليني.. حلوة المذاق وتؤكل ولها استخدامات عديدة سواء فى المجالات الطبية أو الاقتصادية وحتى الفنية.
فى الغالب تنمو تلك الأشجار طبيعيا، دون تدخل الإنسان لزراعتها وتظهر فى شكل تجمعات، أما عند زراعتها فإنه يتم وضع بذورها فى الأرض وتُوالى بالرش حتى الإنبات الذي قد يتأخر عاما كاملا لصلابة غلاف الثمرة، ويلجأ بعض زارعيها إلى كسر غلاف البذرة لكى تنمو بسرعة.
وبخلاف نموها فى الواحات المصرية بكثرة توجد أشجار الدوم في محافظتي قنا وأسوان جنوبي مصر، وتنمو أيضا في السودان، وهى جميعها مناطق تمتاز بالمناخ الحار الجاف.
وعن الاستخدامات الطبية لنبات الدوم، يقول محسن درويش، أحد بائعي الأعشاب الطبية، إنه يستخدم العصارة اللبنية الناتجة من هذه الشجرة لعلاج الناسور والبواسير.
ويضيف درويش لوكالة “الأناضول”، أن عصارة شجر الدوم تستخدم لعلاج التقرحات التي تصيب الفم، ويستخدم لوقف نزيف الدم وعلاج بعض الأمراض الجلدية وتسكين آلام القدم والأرجل.
المعالج أحمد عطية، المتخصص في العلاج بالطب الشعبي، يقول إن “أشجار الدوم لها فائدة كبيرة للمتزوجين حديثا، فنبات الدوم له تأثير واضح في علاج اضطرابات القدرة الجنسية عند الرجال، ويعمل على زيادة عدد الحيوانات المنوية، كما يعمل على ضبط إفراز هرمون (التستيرون) الذي يؤدي نقصه عن المعدل الطبيعي للرجل أو المرأة إلى مشاكل صحية مثل التأثير على قوة الذاكرة، قوة العظام، والطاقة”.
ويضيف عطية لـ”الأناضول” أنه يستخدم الدوم لعلاج العقم عند النساء؛ حيث يتم تناول ملعقة من حبوب لقاح الشجرة مخلوطًا بالعسل يومياً، كذلك يصنع من حبوب لقاح الدوم تركيبة مهبلية تستعمل قبل ساعة من العلاقة الحميمية.
ويستخدم أهالى الواحات الدوم بكثرة فى علاج الضغط حيث يتم تقشيره ويتم أخذ اللحاء الخارجي الخاص به ويتم تجفيفه وطحنه ليصير مثل الدقيق ثم يعبأ فى برطمانات ويتم إذابته فى الماء مخلوطا بالسكر، ويتم شربه كخافض للضغط ولعلاج الصداع، كما يعد مشروبا مرطبا يشربه كثيرون، خاصة قبل الإفطار خلال شهر رمضان.
ويفضل كثير من المرضى في مصر، لاسيما في الواحات التداوي عبر الأعشاب الطبيعية والنباتات، خاصة النباتات التي تنتجها بيئتهم الصحراوية البعيدة غلى حد كبير عن ملوثات المدن، والتي ينت بعضها بصورة طبيعية بعيدة عن تدخل الإنسان، ولذلك تنتشر في الواحات وفي بعض قرى صعيد مصر مهنة المعالج بالأعشاب.
ويؤكد محسن عبد الوهاب مدير عام الزراعة بمحافظة الوادي الجديد (جنوب وتضم عدة واحات) والباحث في علم التغذية، أن “شجر الدوم له فوائد طبية كثيرة يغفل عنها الكثير من أهالي الواحات لعدم علمهم بفوائد الدوم الصحية، ويعتبرها الكثير أشجارا صحراويه لا فائده منها.”
وحول تلك الفوائد يضيف عبد الوهاب، في حديث لـ “الأناضول”، أن فوائد الدوم العلاجية والدوائية تنبع من كونه غني جدا بالعديد من العناصر والفيتامينات المفيدة والضرورية، مثل فيتامينات B بالإضافة لغناه بمواد مضادة للأكسدة قوية، مثل مركبات الفلافونويد (البوليفينول).
وتابع: “مضادات الأكسدة في الدوم تساعد في الوقاية من العديد من المشاكل الصحية سواء فيما يتعلق بتخفيض مستويات الكولسترول والدهنيات أو حماية سلامة الأعصاب وتعزيز الذاكرة وعمل الدماغ”.
خشب أشجار الدوم شديد المتانة، وهو ما يجعل أبناء الواحات يستخدمونه في سقف البيوت والأبواب، لأن خشبه لا يتأثر بالنمل الأبيض، الذي يتسبب في تآكل الأخشاب ويظهر بكثرة بالقرى الفقيرة بمنطقة الواحات.
ويقوم أهالى تلك قرى الواحات بتشييد منازلهم من الطين والأحجار البيضاء، وسقف منازلهم بأخشاب الدوم وجريد النخيل، نظرا لرخص ثمنه وما يوفر من أجواء ملائمة للطبيعة الواحاتية بعيدا عن استخدام الخرسانة والإسمنت.
بعض ممتهني حرفة النجارة بالواحات تحدثوا لمراسل “الأناضول” قالوا إنهم يحصلون على خشب أشجار الدوم بصعوبة بالغة، نظرا كونها غير منتشرة حيث تنمو فى شكل تجمعات فى أماكن معينة، ويستخدمونها صناعة الأبواب والكراسي.
ويقول حسين أبو مدني، المشهور بـ”أبو النجارين” في الوادي الجديد، إن أشجار الدوم تنمو في المحافظات الجنوبية خاصة في جزيرة النباتات بأسوان وصحراء حلايب وشلاتين، كما يوجد عدد لا بأس به في الأقصر وقنا والوادي الجديد.
ويقدر أبو مدني، لـ “الأناضول”، عدد أشجار الدوم بمصر بأنها لا تتعدي 450 شجرة، بخلاف ما ينبت دون تدخل الإنسان، ولذلك يرتفع سعر المنتجات المصنعة من خشب الدوم بسبب ندرتها في القطر المصري.
ولا يوجد إحصاء رسمي لأعداد أشجار الدوم في مصر، نظرا لنمو كثير منها بشكل طبيعي دون زراعته.
أيضا تستعمل أوراق شجرة الدوم في عمل السلال والحبال والتى يقوم بتصنيعها كبار السن من النساء والرجال بالقرى، ويقومون ببيعها لزوار الواحات من السياح العرب والأجانب.
بجانب فوائدها الصحية وكونها مصدر رزق لبعض أهالي الواحات في مصر، فلها دور فني أيضا يقول عنه يسري يونس، وهو فنان تشكيلي ونحات مصري، “خشب الدوم عشقي الأول، لاستخدامه في أعمالي الفنية المميزة”.
واعتبر يونس، الذي تحدث لـ”الأناضول”، أن النحت على أخشاب شجر الدوم “أحد فنون النحت الراقية والصعبة التى يتميز بها فنانو الواحات دون غيرهم من الفنانين والذين يجدون صعوبة بالغة فى العمل والنحت والرسم على تلك الأخشاب الصلبة”.