يستفيد المترشحون للرئاسة في الجزائر من منبر جديد هو شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة موقعي فيس بوك ويوتيوب، حيث تدخل هذه الشبكات معترك التنافس لأول مرة بعد أن كان التلفزيون الحكومي المنبر الوحيد الذي يبث "مقتطفات يسيرة" من لقاءات المترشحين بالجماهير، وهو ما لا يرضِي المترشحين واعتبروه "إجحافا" في حقهم.

فرضت شبكات التواصل الاجتماعي نفسها على المترشحين للرئاسة في الجزائر، ما جعل إدارات الحملات الانتخابية لكل مترشح تفتح حسابات على "فيس بوك" و"يوتيوب" وأنشأت مواقع إلكترونية، لتُعرّف جمهور الشبكات الاجتماعية على المترشح وبرنامجه وأفكاره، بل وتُشرك هذا الجمهور في نقاشات، ما يمكنه من التفاعل مع المترشّح مباشرة أو مع مديري حملته، بعد أن كان يشاهدهم (المترشحين) على شاشة التلفزيون فقط.ولم تشارك شبكات التواصل الاجتماعي في رئاسيات 2009، حيث لم تكن واسعة الانتشار آنذاك، لكنها شاركت في الانتخابات النيابية لعام 2012، وكانت منبرا للأحزاب التي خاضت المنافسة، عرضت من خلالها برامجها ونظرتها لمشاكل المواطنين والحلول المناسبة لها.

وإلى هذه اللحظة، بلغ عدد الذين سحبوا استمارات الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 17 أبريل/ نيسان المقبل 85 شخصا بينهم 18 رئيس حزب، سينشّطون حملتهم في 3250 قاعة، حسب المدير العام للحريات العامة والشؤون القانونية بوزارة الداخلية، وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي، يخوض هؤلاء المترشحون وغيرهم، منذ أكثر من شهرين، حملة انتخابية مسبقة، وهو "امتياز" لم يكن متاحا من قبل، حيث لم يكن مسموحا بأي نشاط ترويجي سياسي إلا بعد إعلان وزارة الداخلية عن موعد انطلاق الحملة الانتخابية.ومن أنشط صفحات المترشحين على "فيس بوك"، صفحة رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، التي تنشر أفكاره وجديده بشكل آنيّ، وتطلب من الجمهور التعليق على كل ما يُنشر بل وأن يرسلوا بأفكارهم إلى الصفحة لمناقشتها.

وأوضح القيادي في مشروع أحمد بن بيتور، محمد رابح بن بيتور، لـ"الأناضول" أن بن بيتور لديه صفحة على "فيس بوك" تضم حاليا أكثر من 3000 معجب وأخرى على "تويتر" يطلق فيهما تغريداته، كما يملك موقعا إلكترونيا.وقال بن بيتور إن متطوعين ومعجبين أنشأوا صفحات تحمل اسم المرشح أحمد بن بيتور تضم عشرات الآلاف من المعجبين، وأضاف "القائمون على هذه الصفحات لا يدّخرون جهدا في تحميل المشروع السياسي للمترشح، وإطلاع رواد الشبكة العنكبوتية على الخرجات الميدانية لبن بيتور في الولايات وإطلالته في وسائل الإعلام".وحسب بن بيتور ، فإن تفاعل بن بيتور عبر شبكات التواصل الاجتماعي "ساهم في التواصل بين الداعمين لترشحه، المنتشرين في ربوع الوطن وزاد حجم التنسيق مما وسع قاعدته ااشعبية"، وخلص إلى القول إن أثر شبكات التواصل الاجتماعي "ظهر جليا في مرحلة التوقيعات، حيث سهلت عملية جمع الـ60 ألف توقيع المطلوبة دستوريا لاستكمال ملف الترشح للرئاسة".

صفحة أخرى نشطة هي صفحة رشيد نكّاز، وهو مغترب جزائري ولد وعاش في فرنسا، ترشح للرئاسيات الفرنسية في 2012، ثم تنازل عن الجنسية الفرنسية وترشّح هذه السنة في الجزائر.وقد ضمّن القائمون على صفحة نكّاز فيديوهات للمترشح وتغطيات إعلامية لنشاطاته، كما طلب المترشح من الجمهور التوقيع على استمارة ترشحه، وينشر نكاز صور توقيع مواطنين على استمارة ترشحه على صفحته في "فايس بوك".وبهذا الأسلوب يكون المترشح رشيد نكاز قد اختصر على نفسه جزءا من مشاق التنقل لجمع التوقيعات المطلوبة، وهو ما لم يكن متاحا قبل ظهور "الفايس بوك"، كما يحوز المترشح موقعا إلكترونيا يحمل اسمه، يعرض فيه نشاطاته وبرنامجه.ويصف نكاز نفسه على صفحاته بأنه "مرشح خارج النظام".

صفحة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي يترشح لثاني مرة وهو صاحب حظوظ في الفوز بالرئاسيات، تعد من الصفحات القوية على "الفيس بوك".وكشف مستشار المترشح، سهيل قسوم، لـ"الأناضول" أن الصفحة تضم حاليا أكثر من 48 ألف معجبا "بعد 17 يوما فقط من إنشائها" وهذا رقم جيد، حسب المتحدث.

وقال سهيل إن الفئة الرئيسية المستهدفة بالصفحة هي الشباب "نستهدف الشباب أولا، كونهم الأكثر إقبالا على فيس بوك، ونرمي من وراء استهدافهم إقناعَهم بضرورة تأدية الانتخاب كفعل حضاري يمكّن من التغيير السلمي، بعد أن عزف كثير منهم عن الفعل الانتخابي"، وأضاف "كما نستهدف فئات أكثر سنا، نعرض عليهم نظرة المترشح لاقتصاد وسياسة البلاد، وكل ما تعلق بالحياة ومشاكل المواطن والحلول التي يقدمها".وأفاد المتحدث بأن الهدف هو بلوغ 300 ألف إلى 400 ألف من مستخدمي الشبكة الاجتماعية، كما يملك بن فليس- يضيف سهيل- موقعا إلكترونيا شعاره "علي بن فليس رئيس" وصفحة على "يوتيوب" و"قناة على الشبكة" (ويب تي في) تبث فيديوهات حول نشاطاته.وعن عدد الزيارات لموقع بن فليس، قال قسوم إنها بلغت 30 ألف زيارة يوميا، وبرأيه فإن الموقع وصفحات "تويتر" و"فيس بوك" تحقق نموا قويا ستكون له انعكاساته على نسبة التصويت لبن فليس في يوم الانتخاب.

أما المترشح لوط بوناطيرو، وهو عالم فلك، فقال لـ"الأناضول" إن صفحته على "فيس بوك" تسجل أكثر من 3000 معجب، وحسبه فإن الصفحة سهلت عليه جمع التوقيعات المطلوبة.من جهة أخرى أكدت أحزاب أعلنت مقاطعة انتخابات الرئاسة مثل حركة مجتمع السلم أكبر حزب إسلامي في البلاد أنها ستعمد إلى الترويج لخيارها بالمقاطعة عبر شبكات التواصل الإجتماعي على الإنترنت.وقال عبد الرزاق مقري رئيس الحركة في تصريحات صحفية منذ أيام ان حملة الحزب لدعوة المواطنين لمقاطعة الانتخابات ستعتمد على فضاء الإنترنت بقوة للترويج للموقف وإقناع المواطين بعدم جدوى المشاركة في الإقتراع.

وسألت "الأناضول" المتخصص في حقل "الملتيميديا" (الوسائط المتعددة) والمهتم بشبكات التواصل الاجتماعي، بشير بوزيان الرحماني، عن دور هذه الشبكات في الترويج للمرشحين، فقال "هناك موقعان اثنان يشهدان إقبالا معتبرا من الجمهور في الجزائر هما الفيس بوك ويوتوب، أما باقي مواقع التواصل الاجتماعي فلا تكاد تذكر، كتويتر مثلا".وكشف الرحماني أن عدد الجزائريين المشتركين في شبكة "فيس بوك" يقدّر بأكثر من 4 ملايين، وبرأيه فإن هذا الرقم "يحتاج إلى دراسة حول عدد الأعضاء النشطين والفئات العمرية واهتماماتها، حتى يكون مفيدا للمترشحين".

أما عن دور الشبكات في الانتخابات الرئاسية، فقال إن "تأثيرها محدود جدا لعدة اعتبارات منها أنّ الانتخابات الرئاسيات تصنع داخل الأروقة الضيقة لا في شبكات التواصل الاجتماعي، وأنّ تواجد الكتلة الناخبة قليل جدا في الشبكات الاجتماعية والمعارضة في الواقع غير فعالة، وما يوجد في الشبكات الاجتماعية في الحقيقة ما هو إلا انعكاس لهذه الحقيقة".والدليل على التأثير المحدود لتلك الشبكات-بحسب الرحماني- هو أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" لم تعرف أي تأثير على أي قضية معينة اللهم إلا مجرد التعاطف.

أما عن استخدام المترشحين لهذه المنابر، فرأى الرحماني أنها "لا تعدو أن تكون منبرا إعلاميا مناسباتيا فقط، حيث يلاحظ على أغلب هذه الحملات عدم امتلاكها استرايتيجة التسويق السياسي والإعلامي، التي لها قواعدها وأصولها".وخلص الرحماني إلى التوقع أنه "خلال أقل من سنتين، سنشهد تحولا كبيرا في السلوك السياسي وسنشهد نفيرا كبيرا نحو منصات التواصل الاجتماعي، التي ستكون المنبر رقم واحد في التواصل والتأثير الاجتماعي والسياسي".