تنامي الهجمات التي تشنّها مجموعة “بوكو حرام” المسلّحة على كلّ من معقلها الأصلي نيجيريا وجارتها الكاميرون، يثير مخاوف السلطات في مالي، بشأن تتابع محتمل للأحداث وتصعيد في وتيرة الانتهاكات من جانب الجماعات الجهادية، قد ينعش نفوذ “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” و”جماعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” المعروفة اختصارا بـ “ميجاو”، الناشطتين شمالي البلاد. شبح ترى أنّه يتقدّم تدريجيا، ليصنع ثلاثية التمرّد في إقليم مزّقته الانتهاكات منذ فترة.
“عبدولاي أمادو توريه” هو من أكثر الشباب المالي نشاطا ضمن منظمات الدفاع عن حيّ “أسكيا” بمدينة “غاو” شمالي مالي ضد المتمردين، حتى أنّه أضحى من القيادات الشابة المعروفة في المنطقة منذ تفاقم المدّ الجهادي فيها. يقول للاناضول إنّ “بوكو حرام تشكّل اليوم تهديدا حقيقيا لجزء كبير من افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك شمالي مالي، خصوصا وأنّ هذه المجموعة على اتّصال دائم وعلى علاقة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وبجماعة ميجاو، ومنطقة غاو تعدّ المعقل الرئيسي لهذه الحركات الجهادية”.
رأي يتّفق فيه معه الخبراء العسكريون، والذين يؤكّدون بدورهم “وجود علاقات” بين بوكو حرام والمجموعات المسلّحة المتمركزة في الشمال المالي، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك بقولهم بأنّ المقاومة التي تبديها تلك المجموعات المسلّحة وقدرتها على الصمود ومواصلة أنشطتها، تنبثق عن “دعم من قبل المجموعة النيجيرية”.
فـ “جماعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا”، يقول، من جانبه، ضابط سابق بالمخابرات المالية، فضّل عدم الكشف عن هويته، في اتّصال أجراه معه مراسل الأناضول، “تمّ إضعافها من قبل العملية العسكرية الفرنسية سرفال، والتي انطلقت مهامها في 2012 في منطقة الشمال المالي، قبل أن يقع استبدالها، منذ يوليو/ تموز الماضي، بعملية برخان. غير أنّ هذه المجموعة لم تندثر تماما لأنّها كانت على صلة ببوكو حرام، وهذه الأخيرة “لم تكن تزوّدها بالمقاتلين فحسب، وإنّما كانت توفّر لها جميع الوسائل اللوجستية اللازمة لإدارة المعارك”.
صلة وثيقة تبلورت من خلال الدعم الذي حصلت عليه جماعة “ميجاو” من المجموعة المسلّحة النيجيرية، خصوصا في عام 2012، حين زوّدتها بما يقارب الـ 200 مقاتل، خلال المعارك التي خاضتها الأولى في منطقة “غاو” شمالي مالي، ثمّ في معارك “كونا” المندلعة في يناير/ كانون الثاني 2013، والتي شهدت مشاركة الجيش الفرنسي لأول مرّة منذ اندلاع النزاع في البلاد. مشاركة جاءت في إطار عملية “سرفال” العسكرية، بحسب المصدر نفسه.
وفي دراسة مطوّلة نشرت حديثا بمجلّة “المعهد العربي للدراسات”، ال الأكاديمي التونسي والباحث في الجماعات الإسلامية عليّه العلاّني، أنّ جماعة “ميجاو تعدّ حوالي ألف مقاتل، وتضمّ بعض العناصر الأجنبية، بينها 300 رجل من البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو، وهي حركة تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية) و200 من مقاتلي مجموعة بوكو حرام الإرهابية”.
ومن جهته، أشار المستشار والخبير بالمسائل الأمنية في الساحل الافريقي والصحراء “ألفا لي”، إلى أنّ تأثير “بوكو حرام” يبرز من خلال اقتباس أسلوب القتال نفسه من قبل المجموعات المسلّحة المتمركزة في الشمال المالي، فالأخيرة تعتمد ذات الطريقة في إدارة المعارك وأساليب القتال وغيره.
وأضاف، في تصريح للأناضول، أنّ “عناصر المجموعات المسلّحة في شمالي مالي تتنقّل على متن الدراجات النارية، وهو الأسلوب الذي عرف به مقاتلو بوكو حرام لإعداد وتنفيذ هجماتهم. فهذه الاستراتيجية تمكّنهم من الإفلات من المراقبة الجوية ومن خطر أن يتمّ رصدهم من الأعلى من ناحية، ولكن أيضا تمنحهم إمكانية التسلّل إلى المدن دون إثارة الريبة والشبهات حولهم، من ناحية أخرى. فبهذه الطريقة تمكّنوا من مفاجأة الجنود التابعين للجيش المالي”، معربا عن خشيته من تزايد هذا التأثير بتنامي قوّة المجموعة النيجيرية.
وبعودته على الموضوع، قال ضابط المخابرات المالية السابق أنّ “المسلّحين حاولوا، في الآونة الأخيرة، اختطاف عدد من الأطفال في قرى مختلفة من الشمال المالي، تماما على غرار عمليات الاختطاف التي تقودها بوكو حرام في نيجيريا، ولحسن الحظّ، فإنّ مجموعات الدفاع الذاتي تتصدّى لهم وتقلّص من نسب نجاح تلك العمليات في المنطقة”.
ومع تواتر العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب في الشمال المالي، والتي تقودها القوات الأممية (المينوسما) والفرنسية (سرفال ثم برخان)، وجدت المنظمات الإرهابية أمثال “تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي” وجماعة “ميجاو” إلى جانب “بوكو حرام”، نفسها أمام إلزامية التقارب من أجل البقاء. توجّه تفرضه الضرورة، غير أنّه يدعم، بالنسبة للمجموعة النيجيرية، ويخدم هدفها بالتوسّع من أجل السيطرة على مجالات أكبر لبسط “الخلافة الإسلامية” في بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وأمام التهديدات الأمنية التي أضحت تهدّد سلامة الدول المجاورة لمعقل المجموعة المسلّحة، أقرّت لجنة دول حوض بحيرة تشاد، والتي تضم تحت لوائها كلّا من تشاد والنيجر والكاميرون ونيجيريا وافريقيا الوسطى وليبيا مرفوقة بدولة بنين، بأنّه حان الوقت للمرور إلى الفعل، وذلك عبر اعتماد استراتيجية إقليمية مشتركة تهدف إلى التصدّي لـ “بوكو حرام”. مساعي تجسّدت من خلال تشكيل “القوة الإقليمية المشتركة متعدّدة الجنسيات”، غير أنّ النتائج تظلّ محدودة بالنظر إلى الهزائم التي منيت بها هذه القوة في أولى مواجهاتها مع العناصر المسلّحة.