لم يتنبه الكثيرون لصفحات "شباب التوحيد" و هي تكشف عن نفسها بهدوء و على مهل عبر مواقع التواصل الإجتماعي و تكبر و تنتشر بوتيرة هادئة حتّى ظهر فيديو في إبريل/نيسان الماضي للدّيبلوماسي التونسي المختطف في ليبيا محمد الشّيخ و هو يناشد رئيس الدّولة و الحكومة التّونسيّة التفاوض مع خاطفيه من أجل إطلاق سراحه ،وكان ذلك الفيديو من إنتاج صفحة أطلقت على نفسها إسم "شباب التوحيد" بمقدّمات و أغاني جهاديّة واضحة الدّلالة .

ذلك الفيديو جعل الجميع بما فيهم الخبراء يطرحون السؤال –على هامش المحتوى- عن حقيقة و ماهية هذا التنظيم الجديد "شباب التوحيد" و إن كان الإسم ذا دلالة واضحة و مشتقا من الحقل المفاهيمي للخط "السلفي" (بشقيه العلمي و الجهادي) من خلال تأكيده و تركيزه الدّائم على "التوحيد"  (كما يتمثّله في أدبياته الخاصة) كـ"تيمة" مركزية كبرى و يافطة عريضة يصوغ تحتها توجّهاته العامة و على أساسها ينتج مدوّنته العقديّة و الفقهية و "الفكريّة" .

الإسم وحده إذن كاشفٌ لطبيعة التنظيم و توجّهاته "الإيديولوجيّة" ،يبقى فقط تتبّع باقي الخيوط لكشف الحقيقة كاملة عن حقيقة هذا التنظيم و تركيبته العضويّة و طبيعته التنظيميّة و موقعه في السّاحة بين باقي التنظيمات ،فالرّبط المنطقي يقول إنّ الفيديو ظهر في سياق الضّغط على الحكومة التونسية لتدخل في تفاوض مع خاطفي الدّيبلوماسي محمّد الشيخ الذين يطالبون بإطلاق سراح سجينين ليبيين في السّجون التّونسيّة و هما حافظ الضبع المكنّى بأبي أيوب وعماد اللواج المكنى بأبي جعفر ،و هذان العنصران متهمان في قضيّة ما يعرف بـ"أحداث الرّوحية" التي حصلت  خلالها مواجهات مسلّحة بين عناصر جهاديّة و قوّات الأمن التّونسيّة و سقط خلالها عنصران من الجيش الوطني التونسي و هما العقيد الطاهر العياري والرقيب وليد الحاجي .

هذه العمليّة حصلت يوم 18 مايو/أيار 2011 أي بعد شهرين فقط من الإجتماع التأسيسي الأوّل لأنصار الشريعة في مارس/أذار من نفس العام في منطقة سكرة قربة العاصمة تونس ،و المتابع للأحداث يلاحظ أنّه و بعد إعلان "أنصار الشريعة" كتنظيم محظور في تونس أصبحت العمليات الإرهابية في البلاد يتبناه تنظيم إسم آخر كما حدث في عمليّة أولاد المانع بمحافظة سليانة حيث تبنت جماعة تسمي نفسها "أهل التوحيد سليانة" المسؤولية عن هذه العملية الإرهابية التي حدثت في الـ16 من فبراير الماضي  من خلال بيان نشرته في  24 مارس/آذار 2014 على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي ''الفايسبوك'' تحت اسم "كشف القناع عن مشروعية غزوة أولاد مناع" وقد حمل البيان توقيع "الشيخ أبو سعد العاملي" .

و الملاحظ أنّ هذا البيان جاء بعد يومين فقط من رسالة توجّه بها أبو عياض إلى أنصاره في تونس عبد الموقع الرسمي لتنظيم أنصار الشريعة على الانترنات والذي دعا فيه شباب التنظيم الى "عدم الاستسلام والمهادنة وفق تعبيره .

هذا و يذكر أنّ عمليّة الرّوحية قد قتل فيها الإرهابيان سهيل بن عمر وعبد الوهاب حميد و هذا الأخير كان متواجدًا مع بن لادن في أفغانستان في التسعينات و مقربا منه كما كان موجودا معه أبو عياض نفسه و عبد الكريم بالحاج الذي طلبت بعض الأطراف وساطته في موضوع المختطفين ،و كذلك القيادي الجهادي الكبير سفيان بن قمو الذي تؤكّد كثير من المعلومات أنّ أبا عياض يقيم في درنة تحت حمايته بإعتباره الزّعيم الفعلي لأنصار الشّريعة في ليبيا .

وسفيان بن قمو الملقب ‘ابو فارس′ هو أحد أكبر الجهاديين في ليبيا و كان قد قاتل في صفوف تنظيم ‘القاعدة’ في افغانستان قبل ان تعتقله في 2004 السلطات الباكستانية وتسلمه للقوات الامريكية.  حيث امضى بن قمو ثلاث سنوات في غوانتانامو الى ان سلمته السلطات الامريكية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي الذي افرج عنه لاحقا في آب/اغسطس 2010 مع عدد من السجناء الاسلاميين.

كما أن بن قمو متهم رئيسي بالتورط في الاعتداء الذي استهدف في 11 ايلول/سبتمبر 2012 القنصلية الامريكية في بنغازي، واسفر عن مقتل السفير الامريكي في طرابلس كريس ستيفنز وثلاثة موظفين امريكيين آخرين و هو نفس الشيء لأبي عياض و جماعته في ما يتعلّق بالهجوم على السّفارة الأمريكية بتونس في 14 أيلول/سبتمبر من نفس العام .

و في ذات هذا السياق نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يوم الجمعة الماضي 9 مايو/أيار 2014 مقالا بعنوان ''شباب التوحيد الحلة الجديدة لأنصار الشريعة في تونس'' بقلم هارون زيلين، أوضح فيه أنّه بعد تصنيف الحكومة التونسية لجماعة أنصار الشريعة كمنظمة إرهابية واتخاذها لإجراءات صارمة ضد أنشطة هذه الجماعة، يبدو أن هذه الجماعة عادت للنشاط في حلة جديدة باسم "شباب التوحيد"، وهو ما سينعكس على الجهود المبذولة لمواجهة الجهاديين التونسيين وشركائهم في ليبيا.

وأكّد الكاتب أنّ جماعة "أنصار الشريعة في تونس" بقيت بعيدة عن الأنظار وكان من الصعب التعرّف على ما يدور في أروقتها، لكن المعلومات الجديدة تشير إلى أنها قد تكون ترتدي حلة جديدة تحت راية "شباب التوحيد في تونس" وكذلك في ليبيا، التي يُعتقد أنها مقر أبو عياض الحالي.

وقال هارون زيلين إنّه تمّ إنشاء وسيلة إعلامية جديدة على الإنترنت تُدعى "شباب التوحيد للإعلام" أهدافها الرئيسية حتى الآن تتمثّل في دعم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

 وقد تألف العديد من محتويات ما ينشره "شباب التوحيد للإعلام" من مواد يُعاد نشرها عن "أنصار الشريعة في تونس" و تنظيم «داعش»بما في ذلك الترجمات الإنقليزية عن ما تنشره «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فضلاً عن معلومات من المقاتلين الأجانب التونسيين في سوريا ورسائل التضامن مع تنظيم «داعش».

وأشار إلى أنّ جماعة "شباب التوحيد للإعلام" أصدرت محتوى حصري جديد للناطق باسم "أنصار الشريعة في تونس" سيف الدين الريس، وبالتالي قد تكون هذه الوسيلة طريقة سهلة لـ "أنصار الشريعة في تونس" لمعاودة الظهور متخليةً عن إعلانها السابق حول الانتماء المباشر.

وجاء في المقال المنشور على موقع معهد واشنطن أنّ أعضاء "شباب التوحيد" يقومون بنفس دور تنظيم جماعة "أنصار الشريعة " على موقع الفايسبوك بصفحات منفصلة لفروعها المختلفة في جميع أنحاء البلاد (و هذا رابط الدراسة كاملة :  http://bit.ly/1jBA7wr)