ثورة سيئة السمعة هكذا وصف الشاعر التونسي منصف المزغني ثورات الربيع العربي، في نصّ شعري نثري تمازجت فيه الكوميديا الشعرية بالجدّ و هو أسلوب يميّز تجربة المزغني

 ثورة سيّئةُ السُّمعة 
1-
- و هل هي ثورة ؟ 
- هذا سؤال الشعب آناء الليل وأطراف النهار، وهو سؤالٌ مريب يُغضب النخبة. 
- هل كانت النخبة تسمع أنين الشعب أعوام المخلوع ؟
-ولا تريد النخبة ان تسمع سؤال الشعب أيام الثورة !
- النخبة في العهديْن هي الحسناء التي وصفها المتنبي : 
إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها / فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ. 
- إذن ، هي ثورة قام بها الشعب فأعجبت النخبة، فغيّر الشعبُ رأيَه في ثورته . ! 
2-  
- الشعب تفاجأ بالثورة مثل أي انقلاب ربيعيّ في الشتاء. 
-. والرئيس الموضوع المخلوع المصروع كان يعلم بالمخطط ولكن .تفاجأ بالسرعة ،
- والكونغرس الامريكي ادّعى أنّه تفاجأ ، زاعمًا أنّ الدِّين الديمقراطي بدأ يغزو الدكتاتوريات بشكل مفاجئ . 
- دون نسيان يوسف القرضاوي ،في الدوحة ، الذي تنبأ بالربيع ، ومع ذلك تفاجأ ،
- وراشد الغنوشي في منفاه المُكَيَّف في لندن لم يتفاجأ إلاّ .... بالسرعة 
- وهكذا عاشت الكرة الأرضية العربية مهرجانًا من المفاجآت المتناسلة .
3-
طلع الخجلُ الشعبيُّ من قُمْقُم الخوف إلى الشارع و صاح :
"انتهى كلّ حاجز ،هنا الثورة ،و هذا جدار الخوف مهدود ومهدوم على الزعيم المعدوم "
وكان لا مناص من السؤال الحرّ المُرّ : 
- ها قد هدمتَ جدارَ الخوف ، فماذا أنتَ فاعلٌ بالشجاعة ؟ 
4-
- يا قوم لا تتعجّلوا ، الأكيد أن كلّ ثورة لا تعطي أُكْلَها في الحين ، انتظروا ، فإنّ الحريّة مشروطة بقيود ناعمة .
وهكذا وقف الشعب في قاعة انتظار الثورة التي أتتْ ولم تأتِ بعد ، وبعضهم جلس ، وبعض آخر ركب الثورة ، وأمكن التقاطُ مليون صورة لنفاد صبر الناس على ثورة كانت محطّ أنظار ومعقدٓ آمالٍ ،وتمنّتْ شعوبٌ أن تنسجَ على المنوال واتّهمتْ نفسَها بالعقم ، وبعضها لم يتسرع حتّى رأى نتائج ثورة كذّبتْ زعماءَها ، وكشفتْ أدعياءَها ، وظلمت شهداءَها ، والتهمتْ أبناءٓها الذين وعدتهم بالسعادة . 
- وتحققت السعادة لمن كان خارج الساحة ، يتفرّج في المنفى أو ينتظر الحريّة والخروج من السجن إلى السلطة . 
- لا تنتظروا المطر على أرض الوطن من سماء في الخارج 
- لا تنتظروا مالا من جيب الدولة، فالثورة ولدتْ خارج رحم الدولة .
5-
قال الكاتب : بعد الثورة ، كسبتُ حريةَ التعبير
قال المضاربُ والمهرّب : بعد الثورة ، كسبتُ حريّةَ التسعير
سأل الفلاّح : من يحرث الأرضَ التي ذهب أبناؤها لحراثة البحر؟ 
سأل الملّاح : بعد الثورة ، كثُرَت الزوارق ، ولا أسماك في الشِّباك !! 
6-
الدولة التي كانت تقود المواطن بالعصا ، وبالحديد ،والنار، صارت في كفّ مواطن عفريتٍ ماسك بعصا الإضراب و الاعتصام و واقفٍ في مهبّ الطلبات النقابية المعقولة أو العبثية ، والدولة تصرخ : "هنا الدولة ، انا الدولة " ولا احد يسمع  فقد اختطفوا الميكروفون من فمها وأصيبت في الحنجرة . 
7-
- هنا دولة الثورة الحائرة إزاء مواطن أطرش لا يسمع الا نفسه ولا يرى إلاّ حقه في الطعام والأكل لا في القيام والشغل ، وإذا نال الشغل طالب بحقه في العطلة ، وإذا نالها سارع الى النقابة ليطالب بحقه في الراحة أثناء العمل ،وإذا لم تستجب له الدولة ،سارع بتذكيرها بأنّ الثورة مِلْكُه وبادر باتّهام الدولة بالحياد عن مبادئ الثورة .
8-
- لقد باتت الدولة تافهة الحجة ، قليلة الحيلة ، فهي "بنتُ " ثورةٍ ولا يمكن لها ان تنقلب على أبيها : الشعب القائد . 
- هل كان على الشعب ان يدرّب ابنتَه الثورةَ على انتاج فرص جديدة للعمل ، بعد أن صارت تساهم في رأسمال البطالة؟ 
- هذا إذا افترضنا أن الشعب هو الذي صنع الثورة ! . 
-ها قد صنع الثورة واستهلكها . .
- وهاهو يتهم الآخرين بسرقة الثورة! 
- ولا يكفُّ عن تمجيدها ( تجميدها ) والحديث عن نيّته في تصدير هذه البضاعة المسروقة !. 
- الشعوب الأخرى تعلمتْ كيف يمكن للشعب ِأن يحتالَ على نفسه ، وكيف ينخرم القانون ، وكيف تنفرط شروط العيش الجماعي ،وشاهدت كيف يقوم رئيس يحلم بالانتخابات القادمة بإطلاق سراح المساجين والمجانين والشياطين يعربدون في الطرقات والجبال والشوارع وَيواصلون القتل والجريمة المنظمة التي باتت تُدْهش حتى أهل الاختصاص في الشرطة والجيش . 
- ولكن لا أحد بات يُصدّق ثورات الربيع العربي الآن ، ألأنّها استُهلكتْ و لا تصلح للتصدير.؟ 
- ولا للتنوير .ولا للتبشير ..لحد الآن
- هل أفهم أنّ هذه الثورات سيئة السمعة ؟