لو أن محمد المنصف المرزوقي فاز بالانتخابات الرئاسية في تونس، المزمع اقامتها يوم الأحد المقبل، فإن تشابك الاستحقاقات بين رأسي السلطة التنفيذية سيؤدي إلى حالات شلل قانوني. فالتناقضات بين الرئيس المنتهية ولايته والمرشح المنافس الباجي قائد السبسي رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، حزب نداء تونس، تبدو حادة الزوايا بشكل يعيق انسيابية القرار السياسي. ترى ماذا سيحدث لو أن المرزوقي انتصر في الانتخابات؟

وصل رئيس الجمهورية المؤقت المنتهية ولايته إلى الدور الثاني من الانتخابات في وضع الأقل حظوظا بالنجاح. لكن لم تظهر عليه سمات الاستسلام، بل أنه بحث عن تشريك الجزء المقاطع لانتخابات الدور الأول من الرئاسية، ظانّا انه سيقلب به الأوضاع، ويفوز في الأمتار الأخيرة على منافسه الباجي قائد السبسي.

لقد أذكت الحملة الانتخابية الخصومات وعقمت الخلافات بين شقين سياسيين حتى وصل الجدال إلى تخوم العنف اللفظي وصار تعايش النقيضين المحتدم يحير المحللين السياسيين.

أولى المشاكل المنتظرة في حال فوز المرزوقي هو تشكيل الحكومة الجديدة، فإذا علمنا أن الأسماء المقترحة لتولي منصب رئيس الحكومة هي غازي الجريبي وزير الدفاع الحالي وعبد الكريم الزبيدي الوزير السابق في نفس الخطة، وإذا علمنا إلى جانب ذلك علاقة المرزوقي التي لم تكن في أحسن حالاتها مع الرجلين، فإننا ننتظر القليل من التوافق في الشهور القادمة.

مشكل ثان، سياسي بالأساس، هو كيف يمكن تضميد الجراح الانتخابية وتجنب النزعة الانتقامية لكل طرف؟ إن انتخاب رئيس جمهورية مباشرة من الصندوق يخلق عادة جوا من التنافس على الشرعية، فالوضعية في تونس يمكن تلخيصها في "رئيس بسلطة أقل ولكن بشرعية أكثر". هذا الأمر فسره أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية لدى تصريحه لمجلة "ليدرز" التونسية": "إن النصوص تخول لرئيس الجمهورية لعب دور العاقل النشيط فهو حكم ومنشط في نفس الوقت"، وهذا ليس ما يبدو عليه بروفايل المرزوقي باعتبار تجربته في الحكم.

إن المرزوقي يريد أن يبرز دائما كآخر قلعة أمام رجوع النظام السابق، وهي الورقة الأساسية التي ظل يلعبها خلال حملته الانتخابية، مما ولد اذكاء الانشقاقات العقائدية والجهوية، فهل باستطاعته بعد ذلك تهدئة الأجواء مجددا وتغيير تموقعه ومزاجه؟ أم سيظل يلعب دور المعارض من داخل الدولة؟

حين نريد أن نفصل نقاط التصادم المحتملة بين الحكومة والرئاسة في حال وصول المرزوقي، سنجد أمامنا 3 ملفات أساسية: الخارجية والدفاع والعدالة الانتقالية. ففي صلاحيات الرئيس التونسي الدستورية تقع مباشرة الشؤون الخارجية والجيش، وبالتالي من المتوقع أن تكثر الخلافات والاحتكاكات في اختيار هذين الاسمين حيث أن رئيس الحكومة ملزم قانونيا بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

على مستوى العلاقات الخارجية، يبدو التباعد في اعلى درجاته. حزب نداء تونس، حزب الباجي قائد السبسي، يتهيأ لإعادة العلاقات مع سوريا والتي انقطعت من طرف واحد بمبادرة من المرزوقي في أفريل 2012. والعلاقة مع القاهرة تمثل هي الأخرى ميدان اختلاف كبير، فالمرزوقي اعتبر عبد الفتاح السيسي "انقلابيا" وهو فوق منبر الأمم المتحدة في سبتمبر 2013. هذا الخطاب الغير متطابق بالمرة على الصعيد الدولي بين المرزوقي ومنافسيه، سنجد صعوبة كبيرة في تصور تعايش ما تحت سقف دولة واحدة.

أخيرا، لا ننسى أن للرئيس أيضا صلاحية المصادقة على القوانين، ومن هنا نعرف أن تعطيل القوانين سيضع الحكومة المقبلة في مواقف صعبة خاصة ان حزب نداء تونس لا يملك الاغلبية المطلقة في مجلس نواب الشعب. فهل أن تونس مستعدة لتعيش فصول هذا التعايش الصعب بين المرزوقي وحزب نداء تونس؟ أليست في حاجة، وهي في ظروفها الاستثنائية اقتصاديا واجتماعيا، لتحاشي الخصومات في أعلى دوائر القرار؟