الجزائر  - بوابة افريقيا الاخبارية

مما يميز الشارع الجزائري انتشار روح الدعابة والتنكيت على حال البلاد والعباد وبخاصة السيئ منه ولعل عبارة "البقرة الحلوب" الأكثر شيوعاً شعبياً عبر عقود من الزمن. ومختصر مقصدها أن ثروات البلاد وعلى رأسها الطاقوية مصدر الدخل الأكبر للجزائر يستفيد منها زمرة محدودة مع أهلها وحواشيها دون عامة الشعب الذي حرم من ثروة "حليب الجزائر الأم". وإن كان هذا الكلام غير رسمي في وقت مضى داخل الجزائر وداخل ردهات قضائها وحتى على المستوى الإعلامي بها الذي يتناوله بصفة سطحية في الغالب فالآن بدا جلياً وثقته العدالة الدولية من خلال جملة من المتابعات القضائية لصفقات مشبوهة أدانت مؤسسات طاقوية أو تعمل في المجال في إيطاليا وأمريكا وربما غيرها لاحقاً على اعتبار تقديمها رشاوى لمسؤولين جزائريين أو لوسطاء بينهم وللمثيلين مباشرين عن شركة سونطراك الحكومية الرسمية التي تُعنى بأمور البترول والغاز في البلاد النفطية بأكملها.

النفط المصدر الأول للمداخيل.

إرتفع إنتاج الجزائر من المحروقات ليصل إلى ما مجمله 1.16 برميل يومياً من البترول و 152 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً  وقد بلغت الصادرات الإجمالية في النصف الأول من سنة 2013 أكثر من 32.14 مليار دولار مقابل 37.50 ملياراً خلال نفس الفترة من العام الذي سبقها، وهو ما يمثل بين 96%  و 98 % من مداخيل البلد كاملة، وتقدر الميزانية العامة للدولة كل سنة نفقاتها العامة على مدرج 37 دولا للبرميل وهذا منذ سنة 2008 بعدما كانت تقدره ب 19 دولار للبرميل في العشرية الماضية وهما رقمان بعيدان كل البعد عن متوسط السوق العالمية التي لم ينزل فيها السعر تحت 90 دولارا للبرميل خلال المدة نفسها مع تسجيلة لأرقام قياسية وصلت عتبة 140 دولار للبرميل. وكل هذا يجر إلى طرح سؤال قد يبدو محيراً: كيف يتم التعامل مع هذا الفارق والفئض الذي يقدر بملايير الدولارات؟ وإلى أين يذهب؟

كيف تُحدد المحاسبة في صندوق الإيرادات؟

ظلت الأغلفة المالية التي كل يوزعها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بشكل إضافي للمناطق الجزائرية أثناء زياراته الميدانية قبيل معاودة الترشح للعهدتين الثانية والثالثة كنوع من الحملات الانتخابية الإستباقية محل استفهام الغالبية من المواطنيين، لكن متتبعين أوزعُها لما يسمى بالصندوق الأسود (صندوق ضبط الايرادات) والذي يُخول فيه لرئيس الجمهورية الاقتطاع منه في هكذا مناسبات أو دونها وهي لا تعني ولا علاقة لها بالميزانيات العامة السنوية، وتوزع هذه الأغلفة المالية الإضافية في شكل مشاريع تنموية أو هياكل عمومية محورية الاختصاص. و مع أن هذا الصندوق وشكل عمله لازم مراحل البلاد منذ الاستقلال إلا أن ترشيد النفقات فيه بات أكثر من ضرورة ومطلباً شعبيا وإعلاميا  أكثر من أي وقت مضى على اعتبار تفاقم جملة من المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها مشكلتي السكن والعمل. وقد أقر الرئيس بوتفليقة بعد عام من تولية الحكم أي في سنة 2000 إنشاء صندوق ضبط الإيرادات الذي يعد بمثابة صندوق توفير للأجيال و هذا بجمع الفوائد الزائدة من قطاع النفط كلما تعدت الأسعار العالمية السعر المرجعي المحدد في الميزانية والمقدر ب 37 دولارا للبرميل. ويقتطع منه في كل سنة في حال وجود عجز في النفقات وهو ما يتكرر في الغالب ليصل إلى حدود 20%  .          

وبالعودة إلى الميزانية العامة للدولة والتي تمرر للمصادقة على غرفتي البرلمان عليها قبل إمضاءها من قبل رئيس الجمهورية فمباشرة العمل بها نجد أن المساحة المخصصة فيها للنفقات و للخدمات بما فيها التشغيل الحيزَ الأكبر ولكن استفادة القطاعات العمومية فيها لا يتم بالعدالة المطلوبة على مستوى الإنفاق فالعام و الخاض بالجزائر يعلم أن ميزانية التعليم العالي لا تضاهي ميزانية وازرة الدفاع في عشر مقدارها، كما أن الأموال الموجه لوزارات العمال في الوظائف العمومية لا ترقى مثلا عند إطارات في الدولة لمستوى ما يتقضاه عون امن أو تنظيف بالمؤسسات النفطية مثلاً وهو ما يفسر رغبة شرائح كبير في المجتمع ولوج التشغيل بهذا القطاع الحساس والمربح. وبالموازاة مع ذاك ظلت صفقات التنقيب عن البترول والغاز وإعمال صيانة أبار البترول الموجود بمعداتها الممتدة على طول الصحراء الجزائرية نحو الشمال والتي توكل في الغالب لمؤسسات أجنبية أوربية وأمريكية ويابانية ضلت تسيل لعاب هذه المؤسسات وآخري للظفر بمزيد من الاستثمارات التي وصلت لمجال الخدمات أيضا  كالإطعام والنقل والإقامة. فمن يحق له الضفرة بأكبر قطعة من الاستثمارات.   

فضائح الرشاوي نارٌ في الهشيم.

سرعان ما توالى الحديث عن متابعات قضائية في ايطاليا وأمريكا لمسؤولين بشركات أجنبية عاملة مع الجزائر في القطاع النفطي والتي أدانت شخصيات سياسية ومسؤولين كانوا قد سهلوا مهمة إبرام صفقات مشبوهة. فالقضاء الإيطالي فجر في بدايات عام 2013 ما يسمى بفضيحة سوناطراك 2  المتمثلة في تورط شركة "سايبام" الايطالية  في تقديم رشاوى لكسب صفقات مع شركة سوناطراك الجزائرية، والتي كان بطلها الأول وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل و فريد بجاوي و الذي يعتبر الوسيط الأبرز في عملية الرشوة التي قدرتها محكمة ميلان التي تتابع مجريات القضية والتحقيق ب197 مليون اورو تكون قد حولت لحساب فريد بجاوي في حساب شركته "بيرل بارتنيرز ليميتد" بهونغ كونغ لتستفيد شركة "سايبام" نظير ذاك من سبعة عقود بالسوق الجزائر بقيمة 8 مليارات أورو على رأسها ابوبي الغار "كا 3" الرابطين بين الجزائر وأوربا  مرورا بايطاليا واسبانيا. وما يزال فريد بجاوي متهما فارا لعدم مثوله للتحقيق أمام القضاء البريطاني الذي يحاول من خلال إدانته لمسولين ايطالين بالشركة استرجاع الأموال المبددة في الرشوة وهذا من خلال الحكم في القضية شهر جانفي 2014.

ولا يبدو حال القضاء الأمريكي ببعيد عن المشبوهات في صفقات للحصول على عقود عمل مع اكبر شركة عمومية جزائرية بعدما كشف واعترف المجمع الأمريكي “ويذر فور” للخدمات النفطية بتورطه في منح رشاوى لمسؤولين كبار في شركة سوناطراك بين 2005، و2007 تورط فيها مسؤولون جزائريين في شكل هدايا وأموال ورحالات إلى الولايات المتحدة الأمريكية استفاد منها أربعة إطارات بشركة سونطراك  إلى ولاية هيوستن عام 2007 بقيمة اكثر من 35 ألف دولار وألمانيا لمتابعة مجريات كاس العالم 2006 و بالعربية السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة.

القضاء الجزائري أعلم من القضاء الايطالي بالخروقات.

رغم أن محكمة ميلان الايطالية بدأت التحقيق قبل سنة في الصفقات المشبوهة بين شركتي "سابيام" الايطالية وسونطراك الجزائرية بين عامي 2007 و 2010 إلا أن التحقيقات في الجزائر بدأت عام 2010 ويري متتبعون أنه ورغم تكبد الخزينة العمومية الجزائرية لثغرات بمليارات الدولارات إلا أن هذه التحقيقات لم تعرف تقدما بسبب كبحها من طرف أطراف نافذة حاولت ربح الوقت أكثر قبل صدور قرارات صارمة لتمكين المتورطين من الفرار وتسوية أمور مالية لهم بالجزائر خصت عقارات وأملاك قبل الفرار من المحاكمة بالاستعانة بحماية و افضيلية الجنسية المزدوجة من خلال الجنسية الأمريكية لشكيب خليل والفرنسية لفريد بجاوي. و لم يعرف التحقيق الجزائري تقدما ملموسا ولم يوجه الاتهام لأي طرف إلا بعد أن أصبحت القضية عالمية وتعني طرفا وقضاء أجنبيا، حين وجهت المحكمة العليا الجزائرية في منتصف أوت أغسطس 2013 مذكرة توقيف دولية ضد وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل. ومقابل ذلك قالت السلطات في معرض ردها عن هذا النقطة قالت أن ما يشاع من عجز عند القضاء الجزائري على مواكبة هذه السرعة في التحقيق كان مقصودا ليصل القضاء إلى الكشف على أسماء متورطين آخرين قالت إنها ستكشف عنهم حال استكمال هذه التحقيقات، ولكنها اضاعت فرصة القبض على المتهمين رغم وجود الأدلة الكافية في الملف الأمني المعد بعدما انتظر القضاء قرارا سياسيا كان بحاجة اليه على الأقل لأن وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل وهو أحد المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و فريد بجاوي هو ابن شقيق وزيرِ الخارجية الجزائري الأسبق محمد بجاوي  الرئيسِ الأسبق لمحكمة العدل الدولية بلاهاي. وفي وقت يجاهد فيه قاضي محكمة ميلان أصدر إنابة قضائية شهر جانفي 2014 لاسترجاع ما قيمته 123 مليون يورو موجودة في حسابات بنكية لفريد بجاوي وأقاربهم ما عساه أن يعيد القضاء من مليارات الدولارات التي نهبت علناً أو ما هو منها قيد الكتمان.