يُعدّ الحج واحداً من أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها، وقد قرّن الله -تعالى- وجوبه على المسلمين بشرط الاستطاعة، فمن تحقّق عنده وجب عليه الحج، وإلّا فلا، ثمّ كان من رحمة الله بعباده أنّه أقام وجوب الحج على غايةٍ من اليسر والسهولة، ومراعاة رفع الحرج والمشقة .

ومن أوجه التيسير التي رخّصها الله في الحجّ .. وجوب الحجّ مرةً واحدةً في العمر ، واعتبار تأدية أعمال الحجّ بيُسرٍ وسهولةٍ شرطٌ من شروط الاستطاعة، فقد عدّ الفقهاء أنّ أمن الطريق والمسير فيه بيسرٍ وسهولةٍ، شرطٌ من شروط وجوب الحج، ، وتنوّع المناسك التي يستطيع أن يُحرم بها الحاج، وهي ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقِران، وتخيير الله سبحانه وتعالى من ارتكب بعضاً من محظورات الإحرام، أو من كان مريضاً، بين الصيام، أو الصدقة، أو النُّسك، من غير تفضيلٍ لأحدها على الآخر، وهذا من تيسير الله سبحانه على الحاجّ ،وعدم اشتراط أحكامٍ أو هيئةٍ خاصةٍ في الذبيحة الواجبة على الحاجّ في حال تركه واجباً، أو فعله محظوراً، وإنّما يُشترط فيها ما يُشترط في هيئة باقي الذبائح ويجوز التوكيل في ذبح الدماء الواجبة في الحجّ والتوكيل كذلك حين توزيعها على الفقراء ، وكذلك جواز التبكير في القدوم إلى منى قبل اليوم الثامن من ذي الحجّة؛ ليجهّز الحجّاج أنفسهم لأعمال الحجّ، وعدم وجوب المبيت في منى ليلة التاسع؛ تيسيراً على من يريد البقاء في مكة، أو الذهاب مبكّراً إلى عرفة ، إضافة إلى سُنّية قصر الصلاة الرباعيّة في منى للحجيج، ولأهل مكة والتيسير على من فاته الوقوف بعرفة، فجعل الشارع له أموراً يتحلّل بها من إحرامه، وهي : التحلّل بعمرة، أو وجوب الهدي عليه، أو وجوب القضاء، وذلك كلّه إن لم يشترط في إحرامه بقوله: (اللهمّ إنّ محلي حيث حبستني)، فحينها لا شيء عليه .

ومن مظاهر التيسير في الحج .. الإذنُ للضَّعفة أن يدفعوا من مزدلفة إلى منًى قبل الناس حتى لا يضايقهم الأقوياء أثناء دفعهم إلى منى ، فقد كان عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - يقدِّم ضعفةَ أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيَذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم مَن يقدم منًى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رمَوا الجمرة، وكان ابن عمر - رضي الله عنه – يقول: "أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ رواه البخاري ومسلم .

كذلك جواز تقديم بعض أعمال يوم العيد على بعض ، فالسُّنة يوم العيد رمي جمرة العقبة أولاً، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة ، هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لكن مَن قدم بعض هذه الأشياء على بعض جاز، قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "زرت قبل أن أرمي؟"، قال: ( لا حرج )، قال : "حلقت قبل أن أذبح "، قال : ( لا حرج )، قال: "ذبحت قبل أن أرمي"، قال: (لا حرج )؛ رواه البخاري ، وفي حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: ((افعل ولا حرج))؛ رواه البخاري ومسلم .

ومن مظاهر تيسير الدين الإسلامي في الحج ، جواز التوكيل في رمي الجمرات، لمن كان عنده عذرٌ يُعفيه من ذلك، مثل: المرض، أو كبر السن وغيرها ويجوز التعجيل في إنهاء الحجّ في اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة، وإن كان التأخير أفضل ، حيث قال الله تعالى: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وكذلك سقوط طواف الوداع عن المرأة الحائض أو النفساء، فلا يلزمها البقاء في مكّة المكرمة حتى تطهر.

ومن التيسير في الحج .. جوازُ تأخير رمي يوم الحادي عشر إلى يوم الثاني عشر، لأهل الأعذار؛ فعن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر"؛ رواه الإمام مالك بإسناد صحيح.

ومن التيسير في رمي الجمار .. أن وقتها موسع، فآخر وقت رمي جمرة العقبة ما لم يطلع فجر اليوم الحادي عشر، وقد حدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بداية وقت رمي جمرة العقبة، ولم يحد نهايته ، أما أول وقت رمي الجمار في اليوم الحادي عشر وما بعده، فبعد زوال الشمس؛ فعن جابر - رضي الله عنه – قال: "رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحًى، وأما بعدُ فإذا زالت"؛ رواه مسلم.

أما آخر وقت الرمي في أيام التشريق، فهو ما لم يطلع فجر اليوم الذي يليه، فقد حدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله أولَ وقت الرمي بعد الزوال، ولم يحد نهايته، فيجوز أن يرمي ليلة الثاني عشر عن اليوم الحادي عشر، ويرمي ليلة الثالث عشر عن اليوم الثاني عشر، أمَّا اليوم الثالث عشر فآخر وقت الرمي فيه، غروب شمس يومه؛ لإجماع أهل العلم على أنَّ وقت الرمي يفوت بغروب شمس اليوم الثالث عشر.

ومن مظاهر التيسير في الحج .. أن مَن أخَّر طواف الإفاضة، وطافه قبل رجوعه إلى بلده، ولو سعى بعد الطواف، أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد لمَن دخل والإمام يصلي .

فمن القواعد المقررة في الشريعة أنه لا واجب مع العجز، فكل الواجبات الشرعية تسقط إذا لم يكن في وسع المكلَّف فعلُها، فالواجب على المكلف أن يأتي بما يستطيعه من الواجبات، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))؛ رواه البخاري ومسلم .

ومما يسقط بالعجز .. المبيتُ بمنى أيام التشريق، فإذا لم يكن للحاج خيمة في منى يبيت بها أيام التشريق، فليبتْ بمكانه الذي هو فيه، ولا يجب عليه أن يأتي لمنى ويبحث عن مكان، فما يفعله بعض الحجاج من المبيت في أماكنَ غير مناسبة ٍ، أو في الشوارع والطرقات، فهذا مما لا تأمر به الشريعة؛ بل تنهى عنه ، فعن حذيفة بن أسيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن آذى المسلمين في طرقهم، وجبتْ عليه لعنتُهم)) .