ترسو منذ عشرة أيام في ميناء مصراتة التجاري، سفينة شحن على متنها عشرات المهاجرين الذين رفضوا النزول منها  إلى مراكز الهجرة الليبية خشية المخاطر التي تواجههم هناك،رغم محاولات السلطات الليبية التوصل إلى حل بشأن هؤلاء المهاجرين.

وأنقذت السفينة "نيفين"، التي تحمل علم بنما، هؤلاء المهاجرين وغيرهم قبالة الساحل الليبي قبل عشرة أيام، بينما كان قاربهم على وشك الغرق، ونقلتهم إلى ميناء مصراتة.ولدى وصولها، نزل 14 من المهاجرين طواعية، لكن الباقين وعددهم 92 رفضوا النزول من السفينة في أول واقعة موثقة من هذا النوع.

اقتحام

وبعد أيام من المفاوضات،أعلن آمر القطاع الأوسط بحرس السواحل العقيد توفيق السكير إنهم اقتحموا السفينة التي تضم مهاجرين غير نظاميين بإذن من النائب العام ،وجاء اقتحام السفينة وإنزال المهاجرين بعد 10 أيام من المفاوضات، بحضور ممثلين عن دولهم.وأشار آمر القطاع الأوسط بحرس السواحل ،في تصريحات صحفية ،إلى أنه جرى نقل المهاجرين إلى مراكز الإيواء في مدن مصراتة وزليتن والخمس.

وأشار المصدر إلى فشل المفاوضات التي أجراها قناصل وممثلو البعثات الدبلوماسية في ليبيا ممن لديهم رعايا من المهاجرين غير الشرعيين الذين يرفضون النزول من على السفينة "نيفين" منذ 10 نوفمبر الجاري.ومن بين رعايا الدول على السفينة هي: "الصومال، إريتريا، السودان، بنغلاديش، باكستان"، ويبلغ عددهم 94 مهاجرًا أنقذتهم السفينة في عرض البحر المتوسط.

من جانبه،قال العميد أيوب قاسم، المتحدث الرسمي باسم البحرية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني: "قامت وحدة مشكلة من عدد من الأجهزة الأمنية، باقتحام السفينة نفين وإنزال من عليها من مهاجرين بالقوة".وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول الأربعاء، أن ذلك جاء "بعد استنفاد جميع الطرق السلمية لإقناعهم بالنزول" من على متن السفينة.

وأوضح قائلا: "سلكنا جميع الطرق واستنفدنا عدة مفاوضات حضرتها منظمات دولية السلك الدبلوماسي الغربي لإقناعهم بالنزول، لكن لم يفلح ذلك فأخبرناهم أنه سيتم إنزالهم بالقوة وهذا ما حدث أمس".

أزمة حقوقية

وقالت الأمم المتحدة في بيان "المجتمع الإنساني حزين لمسار الأحداث".وأعربت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا ماريا ريبيرو، عن أسفها لإنزال قرابة 80 مهاجرا غير نظامي من سفينة تجارية في مصراتة عبر استعمال القوة.

وقالت ريبيرو في بيان لها "إنه من المؤسف أن جهود الوساطة لم تؤد إلى حل سلمي، مطالبة بإيجاد بدائل للاحتجاز في ليبيا ونقل المهاجرين من نقاط الإنزال إلى مرافق مناسبة؛ داعية إلى استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المهاجرين الذين تم إنزالهم وتوفير الدعم لهم وفقا لظروف واحتياجات كل شخص.

ومن جهتها،دعت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات الليبية إلى التحقيق فيما سمته استخدام القوة غير القانونية لإنزال قرابة 80 مهاجرا غير نظامي من سفينة تجارية بمصراتة.وطالبت المنظمة بالسماح للمنظمات الأممية وغير الحكومية بزيارة هؤلاء المهاجرين، متهمة الاتحاد الأوروبي بعرقلة عمليات الإنقاذ التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية وتمكين حرس السواحل الليبي.

وقالت القائمة بأعمال نائب مدير المنظمة في أوروبا ووسط آسيا، جوديث ساندرلاند، إن "هذه أسوأ نتيجة ممكنة للنداء اليائس ممن كانوا على متن السفينة نيفين لتفادي احتجازهم بشكل لا إنساني في ليبيا".

مخاوف

ويأتي رفض المهاجرين للنزول في مصراتة خوفا من التعرض للإنتهاكات في مراكز الإحتجاز،وفق ما أعلنت عنه منظمة العفو الدولية،الجمعة الماضي.وقالت المنظمة إنه "يجب عدم إجبار الآخرين على النزول لاقتيادهم إلى مركز احتجاز ليبي حيث قد يتعرّضون للتعذيب ولانتهاكات".

وأفادت المنظمة بأن "ليبيا لا يمكن اعتبارها مكاناً آمناً للرسو". وقالت مديرة منظمة العفو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هبة مرايف إن "الاحتجاجات على متن السفينة الراسية في مصراتة تعطي دلالة واضحة على الظروف الرهيبة التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون داخل مراكز الاحتجاز في ليبيا حيث يتعرضون للتعذيب والاغتصاب والضرب والابتزاز وغيرها من الانتهاكات".

وأضافت: "وفقاً للقانون الدولي لا يجوز إرسال أحد إلى مكان يعرّض حياته للخطر". ولم تصدر السلطات الليبية أي تعليق. ومنذ سقوط نظام القذافي في 2011 أصبحت ليبيا الغارقة في الفوضى أحد أبرز بلدان عبور المهاجرين القادمين من الصحراء الجنوبية الأفريقية باتجاه سواحل أوروبا. وينتقد منظمات دولية ومنها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة باستمرار إساءة معاملة المهاجرين في ليبيا.

وبحسب الأمم المتحدة، تعرض العديد من المهاجرين في ليبيا في مراكز الاحتجاز لانتهاكات جسيمة، منها العمل القسري والاعتداء الجنسي والتعذيب الذي قالت الأمم المتحدة إنه منتشر على نطاق واسع في هذه المراكز. وتقول منظمات حقوقية عدة إن المهاجرين يعانون من ظروف صعبة في ليبيا تصل حد بيعهم في أسواق الرقيق.

ويعتبر ساحل ليبيا الغربي نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا فرارا من الحروب والفقر.لكن منذ العام الماضي جرى عرقلة عمل شبكات التهريب عبر الساحل الليبي، كما انسحبت سفن الإنقاذ التي كانت تنقل المهاجرين إليها، وذلك بضغط من إيطاليا. لكن أزمة السفينة "نيفين" الغير مسبوقة تضع السلطات الليبية والأوروبية أمام حقيقة إستمرار معضلة الهجرة غير القانونية.