بعد كثير من الحروب والأزمات السياسية والأمنية والعسكرية التي شهدتها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبح من الواضح أن هناك علامات استفهام كثيرة تدور حول عمل البعثات الأممية ومبعوثي الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرهاحيث أظهرت الوقائع بشكل واضح، بأن تعيين مبعوث أممي أو أمريكي في إحدى الدول التي تشهد نزاعات وانقسامات وصراعات يفضي لإطالة أمد الأزمة، وتعميقها، أكثر من المساهمة بحلّها، والأزمة السورية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والسودانية والليبية وغيرها الكثير هي أمثلة جلّية على ذلك

وبحسب مراقبون فإن نفوذ الولايات المتحدة القوي إلى جانب دول الناتو في الأمم المتحدة يلعب دور رئيسي في إفشال مهمة كل البعثات الأممية للمناطق الساخنة وتسييسها مما يسهم بإطالة أمد الأزمة وفقاً لأجندات واشنطن، والتجربة الليبية انموذجاً. إذ أكد الخبراء والمراقبون أن فشل انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية في ليبيا في أبريل الماضي يُظهر بوضوح نفوذ واشنطن وهيمنتها على عمل البعثة الأممية وبعض الفرقاء السياسيين في ليبياحيث أن انسحاب عدد من القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي الليبي من المؤتمر، بالإضافة لرفض آخرين المشاركة كفريق سيف الإسلام القذافي، وممثلي القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، إلى جانب انسحاب 11 عضواً من اللجنة التحضيرية، أفشل المؤتمر وأفقده فاعليته، على الرغم من دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي للمؤتمر وللمسار السياسي 

وكان باتيلي قد وجه انتقاد حاد لمواقف القادة الليبيين، قائلا خلال إحاطته لمجلس الأمن الدولي بشأن تطورات الملف الليبي: يوجد رفض مقصود ورغبة عنيدة في تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم، حيث أن الساسة الليبيين ليس لديهم رغبة في الوصول إلى حل لهذا النزاع؛ وهذه المواقف سببها انقسام على الساحة العالمية والإقليمية؛ ما يؤدي لإطالة الوضع القائم الذي قد يهدد ليبيا والمنطقة. كما أن السكان ينتابهم شعور بأن بلادهم أصبحت ملعبا لتنافس شديد بين أطراف إقليمية ودولية لدواع سياسية واقتصادية وجيوسياسية

وتعليقاً على ذلك، أكد الباحث في الشأن الليبي عبد الستار حتيتة في مقابلة مع قناة "الحدث"، بأن السبب الحقيقي وراء فشل المؤتمر هو رفض واشنطن له، وضغطها على القوى الليبية الموالية لها لعرقلة أي حل سياسي يصب في مصلحة البلاد، بسبب رفض واشنطن لأي مسار سياسي يعطي الشعب الليبي حقه بتقرير مصيره بعيداً عن مصالحها كما أكد حتيتة بأن ما يُثبت بشكل واضح دور واشنطن في إفشال المؤتمر واستخدام نفوذها في البعثة الأممية لتحقيق مصالحها وليس صالح الشعب الليبي، هو استقالة عبدلله باتيلي من منصبه وتعيين الأمريكية من أصل فلسطيني ستيفاني خوري "ستيفاني الثانية" كنائب لرئيس البعثة الأممية للشؤون السياسية إلى ليبيا لتقوم بمهام باتيلي مهمة ستيفاني خوري في ليبيا وفي السياق ذاته، كشفت مصادر محلية ليبية أن خوري تنشط في التحضير لعقد مؤتمر مصالحة وطنية ليبية جديد حسب المهمة المعلنة. بينما ما لم يتم الإعلان عنه يتمثل بتكريس خوري لجهودها ليناسب المؤتمر مع مصالح واشنطن، وهذه المهمة الرئيسية المنوطة بهاوبحسب المصادر، فإن زيارة ستيفاني خوري لمدينة غدامس الواقعة بالقرب من المثلث الحدودي بين ليبيا وتونس والجزائر تندرج ضمن خطة لإعداد جولة جديدة من الحوار الليبي – الليبي تشرف عليها الأمم المتحدة ويكون هدفها تحقيق التوافق بين الفرقاء من أجل تشكيل حكومة جديدة موحدة تشرف على الانتخاباتوقالت المصادر ذاتها إن مساعي خوري سوف تكون على شكل اجتماعات مع مسؤولي وأعيان ووجهاء غدامس لبحث تفاصيل جمع الفرقاء الليبيين، تحت سقف التوافق والعمل على حلحلة الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد. كما أنها ستتوجه قريباً إلى بنغازي للاجتماع مع القائد العام للجيش الوطني خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وذلك بهدف الاستماع إلى تقييم كل منهما للوضع العام في البلاد

ووفقاً لبعض الخبراء بالشأن الليبي فإن خوري، تقوم بدور مشابه لدور المبعوثة الأمريكية السابقة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز "ستيفاني الأولى" والذي يهدف للوصول إلى حكومة جديدة موالية لواشنطن ومحققة لمصالحهاماذا يحاك لمستقبل ليبيا وفقاً للباحث في الشؤون الليبية وشمال أفريقيا محمد فتحي الشريف، فإن جهود ستيفاني خوري لن تكون سياسية فحسب، فالولايات المتحدة الأمريكية تخطط لتوحيد السلطتين السياسية والعسكرية معاً تحت سلطة مدنية في ليبيا بعد تحقيق التوافق السياسي الذي يناسب الرؤية الأمريكية للحل. وما يثبت ذلك هو النشاط العسكري لواشنطن في البلاد من خلال الوفود العسكرية والأمنية الأمريكية التي تعقد لقاءات عديدة مع الأطراف، بالإضافة لنشاط شركة "أمينتوم" العسكرية الأمريكية الخاصة في طرابلس وانخراطها بتدريب الميليشيات في الغربأما الخطوة التالية بمهمة خوري تتمثل بإجبار القوى السياسية والعسكرية الليبية بإدخال قوات غربية (فرنسية وبريطانية وإيطالية) الى الأراضي الليبية، بحجة القضاء على الإرهاب وفرض الأمن في البلاد. بينما سيكون الهدف الحقيقي من وراء هذه الخطوة هو تطبيق استراتيجية غربية بعيدة المدى تتمثل بمواجهة النفوذ الروسي والتركي المتنامي في ليبيا، ودعم للأمريكيين المتواجدين هناكوأكد الشريف على أن نفوذ الادارة الأمريكية في البعثة الأممية أٌقوى بكثير من رغبات القوى السياسية الليبية ومصلحة الشعب الليبي، لذا فإن خوري ستقود الحوار والمبادرات وسوف تضغط باتجاه تحقيق مصالح القوى الغربيةوانعقدت الكثير من مؤتمرات المصالحة الوطنية في ليبيا، وبرعاية إقليمية ودولية، لكنها لم تنجح حتى الآن في إنهاء الفوضى السياسية المتواصلة في البلاد منذ سقوط نظام حكم معمر القذافي، ومقتله في أكتوبر 2011.