نبذة تاريخية

نالت موريتانيا استقلالها قبل الجزائر بحوالي عامين، وهذا الاستقلال رفضه المغرب ولم يعترف به إلا عام 1969، تحت ضغط الجزائر. وظلت الجزائر مصدر دعم موريتانيا سياسيا، اقتصاديا وإداريا وأمنيا إلى غاية 1975 إثر صفقة اقتسام المغرب وموريتانيا للصحراء الغربية، حيث ساءت العلاقة الجزائرية الموريتانية، ثم سرعان ما عادت بعد أن انسحبت من الصحراء واعترفت بالبوليساريو، ومنذ تأسيس الاتحاد المغاربي شرعت موريتانيا تتمرن على الأدوار الأكثر اعتدالا وبراغماتية حتى تربح كل الأطراف.

وللتذكير، هناك تنظيم "رابطة علماء ودعاة وأئمة بلدان الساحل" الذي يوجد مقره بالجزائر، تعتبر موريتانيا إلى جانب الجزائر من مؤسسيه.وهو تنظيم إسلامي شبه قاري في الساحل الأفريقي يُعنى بشؤون الإسلام والدعوة والتصوف. ويضم11 بلدا من منطقة الساحل، ثمانية منهم دائمو العضوية بوحدة التنسيق والاتصال لدول الساحل الإفريقي الكائن مقرها بالجزائر.

وبصرف النظر عن تنافس المغرب والجزائر في دعم حلفائهم داخل موريتانيا، فإن السياسة الموريتانية لا تميل كل الميل إلى طرف دون آخر إلا في الحدود التي تسمح لها بربح الطرفين.

موريتانيا رجل الجزائر في المغرب ورجل المغرب في الجزائر

تعد زيارة الغزواني إلى الجزائر، الأولى من نوعها لرئيس موريتاني منذ  عشرة أعوام، بعد تلك التي قام بها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ديسمبر 2011، وتأتي تتويجا لزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين.

مع 2017 و2018، أدركت الجزائر أن موريتانيا تزداد قربا إلى المغرب ولاسيما بعد 2016وتفعيل معبر الكركرات. ومنذ 2019، باتت الجزائر تنظر إلى جارتها الجنوبية موريتانيا كبوابة استراتيجية نحو غرب إفريقيا، وعملت على تعزيز تعاونها الاقتصادي وحتى الأمني في إطار خططها لرفع فاتورة الواردات خارج نطاق المحروقات إلى نحو 5 مليارات دولار مع نهاية العام الحالي.

وتأتي زيارة والرئيس الموريتاني ولد الغزواني في هذا السياق. ووفق وكالة الأنباء الجزائرية، فإن العلاقات بين البلدين تنتظرها "خطوة حاسمة" بعد إنجاز الطريق الاستراتيجي بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية بطول حوالي 800 كيلومتر، والذي يعول البلدان على تغييره ملامح المنطقة بشكل كامل وفك العزلة عنها، وكذا تنشيط المبادلات التجارية والاقتصادية بينهما.

تقول السياسة أن هناك تحديات مشتركة تجمع البلدين، حيث في أبريل الماضي، وقع البلدان مذكرة تفاهم لإنشاء لجنة ثنائية حدودية بين البلدين أوكلت لها مهمات أمنية لضبط الحدود، واقتصادية لتنشيط التبادلات التجارية بين البلدين الجارين، والتأكيد على ضرورة تنمية المناطق الحدودية وتحويلها إلى "قطب اقتصادي واجتماعي بامتياز وفق خطة مشتركة يتم فيها تسطير الأهداف وترجمتها إلى مشاريع تنموية حقيقة". وهناك خمسة ملفات رئيسية في أجندة الزيارة وهي "تعزيز العلاقات الثنائية"، "مستقبل الاتحاد المغاربي" و"الأزمة الليبية" و"الأوضاع في مالي" و"القمة العربية" المقررة بالجزائر نهاية مارس المقبل، إضافة إلى العديد من الملفات الإقليمية والأممية.وإن بدت هذه الملفات منفصلة فهي في العمق مترابطة ومندمجة في ملف واحد مشعب ومتفرع، يستعصي معالجة جزء منه بمعزل عن بقية الأجزاء.

وما يحدث بين البلدين يوصف بالقفزة النوعية التي  ستمكن من تعزيز فرص الاستثمار وإقامة مشاريع شراكة في في القطاعات ذات الأولوية".حيث سيتم انجاز مشروع طريق يربط بين تندوف (الجزائر) وزويرات (موريتانيا) الممتد على مسافة 775 كيلومتر، من طرف المؤسسات الجزائرية، مما سيسمح للجزائر بانجاز لأول مرة منذ الاستقلال، منشأة ذات أهمية كبيرة خارج حدود البلاد . وقد تم التوقيع على اتفاقية انجاز هذا المشروع الحدودي، على هامش زيارة الدولة للرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني الى الجزائر، وهي الزيارة التي جاءت  بدعوة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وبالنظر إلى السياق العربي الذي جاءت فيه هذه الزيارة: تأزم علاقة الجزائر بالمغرب، تطور العلاقة المغربية الإسرائيلية، الاعتراف الخليجي بمغربية الصحراء، توضيح الجامعة العربية  للخريطة العربية، التحضير لاجتماع الفصائل الفلسطينية، القمة العربية، فضلا عن اللقاءين الذين جمعا الرئيس الجزائري بالرئيس التونسي ورئيس السلطة الفلسطينية، نقرأ أن هذه الزيارة تندرج ضمن مسعى جزائري في بناء محور يمنحها مكانا تحت الشمس العربية.

تدرك الجزائر أن موريتانيا تستجيب إلى أي مشروع جزائري إقليمي في حدود ما يعود عليها بالنفع ويحمي مصالحها ويعزز من نجاح الريجيم السياسي الموريتاني الحاكم، وفي ذات الوقت تدرك أنه من المستحيل أن تدخل موريتانيا في محور معاد للمغرب، كما تدرك حاجة المغرب إلى تطوير علاقتها بموريتانيا. وفي ضوء هذه المعطيات تسابق الجزائر الزمن لتقوية سياستها داخليا وخارجيا، وتبني مخططاتها لتقوية علاقتها بموريتانيا على جميع الأصعدة من حيث أنها تراهن على موريتانيا كشريك في تسوية ملف الصحراء.

ما يعزز هذه الأطروحة هو طبيعة العلاقة الموريتانية مع الجزائر ومع المغرب ومع الصحراء الغربية/المغربية. فطيلة العقد الأخير، اجتهدت موريتانيا في تطوير مشهدها السياسي والإعلامي في الاتجاه الذي يقوي علاقتها بالمغرب من جهة، والجزائر من جهة ثانية، والتنظيمات التي تمثل ساكنة الصحراء من جهة ثالثة (سواء دعاة الانفصال أو أنصار الحكم الذاتي).

من هنا يمكن القول أن الجزائر ستتعامل مع موريتانيا بوصفها حليفا تربطه صلة جيدة بالمغرب، دون أن تغفل أن المغرب يتعامل مع موريتانيا بنفس المنطق، أي بوصفها حليفا تربطه صلة جيدة بالجزائر؛ ومن ثمة، تدرك موريتانيا أهمية الدور الذي ستضطلع به كشريك أساسي في بناء التسويات الممكنة ذات الصلة بملف الصحراء.