أعلن المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، يوم الاثنين الموافق 2 مارس 2020، استقالته من منصبه لدواع صحية، ذلك وكان قد تم تعيين سلامة مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا في الـ 16 من يونيو 2017 خلفاً للألماني، مارتن كوبلر. وبعيدا عن هذا السبب المعلن، اختلفت القراءات والتحليلات حول الدوافع الحقيقية للاستقالة، ودلالات توقيتها، وتداعيات ذلك على مسار العملية السياسية في ليبيا، وللحديث بشكل أكثر تفصيلا عن هذا الملف كان لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، هذا الحوار مع مؤسس التجمع الوطني الليبي وأمينه العام السابق أسعد محسن زهيو، وإلى نص الحوار


- كيف تابعتم خبر استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة.. وما تعليقك؟

الحقيقة لم تكن مفاجئة بالنسبة لي، وكنت أتوقع ذلك، ومن تحدثت معهم في الآونة الأخيرة سمعوا مني ذلك قبل أن يعلن الرجل عن استقالته. 

كان باستطاعتي واستطاعة أي شخص التنبؤ باستقالته بعد كل ما حدث طوال هذه الفترة من استمرار للمواجهات وإخفاق في مسارات الحوار أكان ذلك في الشق العسكري أو السياسي، إضافة للمحاولات الكثيرة التي قام بها منذ توليه لتقريب وجهات النظر والوصول لحل توافقي يقابل في كل مرة بتعنت أحد الأطراف وآخرها حوار جنيف الذي تغيب عنه أغلب المستهدفين لاسيما الأطراف الرئيسيّة للمشكل، وقبل ذلك الملتقى الوطني الجامع الذي كان مقرر انعقاده قبل عام تقريبا بمدينة غدامس ولم ينجح نتيجة للحرب التي تدور رحاها على تخوم العاصمة طرابلس منذ ابريل الماضي.

وفيما يخص الشق الثاني من السؤال حول تعليقي عن الاستقالة.. فأنا اتأسف لهذه الاستقالة لمعرفتي الشخصية بصدق الرجل وحسن نواياه وحرصه الشديد على تقديم شيء لبلادي، إضافة لما يتمتع به من قدرة عالية في فهم الحالة الليبية وتشخيصها بشكل دقيق واتساع أفقه ورحابة صدره، فقد استطاع السيد سلامة فعل ما لم ينجح غيره في فعله وهو أن دخل بيوت وقلوب الليبيون وعرف تفاصيل حياتهم ومشاكلهم، ومن الصعب أن نجد وسيط يتمتع بحالة الفهم الاستثنائية هذه.


- ماهي أبرز جوانب النجاح في مسيرة سلامة ونقاط الفشل؟

قد يكون هناك اختلاف في زوايا النظر بين الجميع في هذا الأمر، فقد يكون ما أراه نجاح يراه غيري اخفاق، لذلك اتصور بأن تقييم اداء الدكتور غسان سيكون أمر صعب على الجميع خصوصا وأن التقييم سينطلق من خطوات عمله وتكتيكاته وطريقته دون وجود نتيجة، فنحن أمام تقييم اداء دون أن يكون أمامنا نتيجة نهائية اما بالنجاح أو الفشل، وبالتالي سيكون من الصعب على مجتمع لا يعترف الا بالنتائج ان ينصف الرجل. 

سأكون جريء في تقييمي الذي قد يعارضني فيه البعض وسأقول انه نجح أكثر مما فشل وحقق نتائج إيجابية أكثر مما حققه اسلافه جميعاً ونجح فيما فشلوا فيه.

نجح في أن يجمع ليبيون فرقتهم الأحداث التي عصفت ببلدهم بعد سنين طويلة، وكذلك بعد ان كان لقاءهم وجهًا لوجه أمرًا مستحيل، كما نجح في إشراك وسماع أصوات كانت مهمشة ومُغيبة وفتح أبواب البعثة الأممية أمام كل الليبيون بمختلف توجهاتهم، فقد سمع لانصار الملكية الدستورية وانصار الفاتح من سبتمبر وفبراير وانقساماتها الحادة، حتى انه كان يذهب لمن لم يكن يستطيع القدوم إليه بسبب التهجير والنزوح، هذه جوانب من إيجابيات تحسب له، ولا يخلوا الأمر من وجود سلبيات عديدة قد لا يتحملها وحده بل هي مسؤولية المجتمع الدولي الذي تركه في خط المواجهة وحيدا مجردًا من كل شيء بل أكثر من ذلك، منقسماً داعما لأطراف الصراع شبه بالتساوي. 

هناك ما يمكن أن أصفه بالأخطاء التي تتعلق بالمرتبة الاولى باختياراته للمشاركين في اللقاءات والحوارات التي يجريها والتي أرى انها غير موفقة، وبحكم معرفتي الشخصية به يجنح بي الخيال احيانا بأنه لا يمكن أن تُعبر هذه الاختيارات عن قناعاته.


- كيف كان تعامل سلامة مع أطراف الأزمة خلال عمله كمبعوث أممي؟

اشرت الى ذلك في اجابة سابقة، كان يتمتع بكياسة عالية جدا وهو رجل خلوق صقلته تجربته الطويلة، اضافة لكونه مثقف ومفكر ودبلوماسي يمتلك قدرات تؤهله من التعامل برقي مع ثقافات ومستويات مختلفة من الناس، متمكن من أدواته الحوارية والتفاوضية، ولديه إمكانية عالية جدا لضبط النفس والمحافظة على استمرارية العلاقة مع الجميع، بما في ذلك من يشنون عليه الهجوم عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، ابوابه مفتوحة امام الجميع دون استثناء ويستقبل في الكل ولا يوجد فيتو على أحد، بشوش بطبعه، دائماً الابتسامة تعلو وجنتيه وكأن هذه الابتسامة رسالة ترحيب بكل من يستقبلهم ويلتقيهم.


- هل هناك مبادرات يمكن أن تكون بديلة للمبادرة الأممية؟ 

أتوقع ذلك ولا استبعد وجود مسار دولي اخر غير الذي ترعاه الأمم المتحدة في ليبيا، الأطراف الدولية انقسمت بشكل أو بأخر بين أطراف الصراع ولم يعد أمامها الا الاستمرار في دعم الطرف الذي تراهن عليه، لكن هناك بعض الدول التي حافظت على حياديتها إلى حدا ما، وقد تستطيع لعب دور مهم في معالجة المشكل الليبي، وهذا ما لا استبعد وقوعه خلال الأشهر القادمة، لا سيما وأن الملف الليبي تسويته قد ترتبط بقضايا وملفات أخرى وقد تكون ورقة تسعى بعض الأطراف للاستفادة منها وتوظيفها التوظيف الأمثل في معارك محلية وانتخابية.


- ما تقييمك للتعامل الدولي والأممي مع الأزمة الليبية؟

العالم يتعامل مع الأزمة الليبية بازدواجية المعايير، وهو بشكل فعلي منقسم على أطراف الصراع المحلي، وهذا الانقسام الحاد يمنع من الوصول لتسوية محلية أو دولية للمشكل الليبي المعقد، ذلك لان أطراف الصراع متسلحة بالدعم السياسي واللوجستي من هذا الداعم الدولي، وقد يقول قائل من الليبيين ان العالم يتعامل مع قضيته بنظرية (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم) وبالتالي يستمر الصراع بين الأطراف المتقاتلة مع الحفاظ على توازنها وعدم السماح لطرف ان يحسم المعركة لصالحه.

علينا ان نعترف بان مشكلة ليبيا ومندُ أيامها الاولى أراد لها التدويل والتمطيط، وان لولا التدخل الدولي سواء ذلك الذي يدعي انه مؤطر ضمن اجسام وهياكل كالأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى او المنفلت والذي تقوم به بعض الدول منفردة، منتهكة بذلك سيادة هذا البلد.


- ما تصوركم لمرحلة ما بعد غسان سلامة؟

اتصور ولأشهر قادمة لن يكون هناك جديد في الوضع الراهن، وستستمر المواجهات بنفس الوتيرة دون احداث أي تغيير أو حسم لحالة الصراع هذه، كما أتوقع أن مهمة المبعوث الأممي ستظل شاغرة لفترة من الزمن وهو ما نعتقد انه اعفاء للمجتمع الدولي من الإحراجات وهو بهذا الشكل المريع من الانقسام المعلن وغير الخافي، وسيستمر شعبنا في دفع أثمان باهظة لأجل الاستمرار في العيش وقد لا يوفق في ذلك فالقذائف العشوائية لا تفرق بين أحد.


-ما هو المطلوب في المرحلة القادمة من البعثة الأممية؟ 

أن الدور الذي نتطلع إليه ونحتاجه في ظل هذه الظروف القاسية من المجتمع الدولي هو لعب دور الوسيط المرن، إننا نعتقد أن جوهر مهام الأمم المتحدة هو السعي إلى تحقيق أوسع إجماع، وأوسع قاعدة شعبية وتمثيلية للحوار، في مسارات تمهيدية، وتحضيرية تسهم فيها فعاليات مختلفة من المجتمع الليبي، إن ما يحتاجه الليبيون بالفعل هو التقدم على المسارات الأساسية والحاسمة، أعنى بها بالخصوص المسار السياسي والمسار العسكري/الأمني.

والتقدم على الصعيد السياسي بالذات، يقتضي توسيع المشاركة، لأن تضييقها يعني تقليص فرص مرور التيار بين الأطراف وإجهاض التواصل الضروري، ويعني تضييق الخيارات.

 ووفق هذا المنطق، فإن تضييق دائرة المشاركة يعتبر في حدّ ذاته إخفاقا في رسم مستقبل الحوار، لأنه يرهن مصير المحادثات بيد طرف أو طرفين، يمنحهما سلاح عرقلة المسار وإفشاله في كل لحظة، ويعفي المعرقلين من الحرج وتحمل المسئولية.

كذلك ينبغي ان نبدأ التفكير بشكل مختلف للوصول لنتائج مختلفة، لا اتصور بان مبدأ ترقيع ما هو موجود مُجدي لمثل الحالة الليبية، وفي اعتقادي نحن محتاجون لترسيم واقع جديد يشارك فيه كل الاطراف ضمن مسار تأسيسي لليبيا التي تجمعنا وتضمنا جميعا، ليبيا بدون مغالبة او إقصاء.


- ما هي قراءتكم المستقبلية للأزمة الليبية؟

اتأسف لهذا الحال الذي وصلنا اليه وأتأسف لان الوضع يزداد قسوة وألم على الليبيون، وأتأسف ايضاً ان القادم قد يكون امر وأدهى اذا ما أعدنا التفكير في خطواتنا التي نسلك وإذا ما أعدنا قراءة المشهد من جديد وأصلحنا من أنفسنا وجلسنا مع بعضنا البعض للتفاهم حول مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة وضرورة العيش المشترك وضرورة قبول بعضنا البعض، وأن نحول معاركنا الدموية إلى معارك تنمية وبناء وتنافس وعطاء، ان تكون معاركنا على من يعطي لليبيا أكثر وان تكون الصناديق هي اداة الحسم وليست البندقية، وان يحكم بيننا الشعب الليبي بالعملية الديمقراطية لا ان نحكم الشعب بالقوة والترهيب والموت.