أقرت الحكومة الموريتانية مؤخرا إحالة التعديلات الدستورية المقترحة إلى الاستفتاء الشعبي بعد إسقاط مجلس الشيوخ الموريتاني (الغرفة الأولى في البرلمان) لهذه التعديلات بأغلبية 33 صوتا ضدها مقابل عشرين صوتا لصالحها.

وكانت الغرفة الثانية في البرلمان الموريتاني قد أجازت التعديلات الدستورية المقترحة من طرف الحكومة، بعد أن نالت تأييد 121 نائبا فيما عارضها 19 آخرون، وامتنع نائب واحد عن التصويت.

وأحدثت التعديلات الدستورية المقترحة من النظام الموريتاني معركة جديدة بين المعارضة الموريتانية والنظام، إذ دعت أحزاب المعارضة إلى حوار جديد بعد إسقاط مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية، واصفة لجوء الحكومة الموريتانية للاستقاء الشعبي بـ "الانقلاب الدستوري"، مؤكدة أنها ستصعد من أدواتها النضالية ضده، وهو ما يشي بتصعيد جديد داخل المشهد السياسي الموريتاني خلال الفترة المقبلة.

حول أزمة التعديلات الدستورية، والجدل القانوني الذي أثارته وموقف المعارضة الموريتانية من الاستفتاء، ومستقبل المشهد السياسي الموريتاني في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، أجرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" اللقاء التالي مع زعيم المعارضة الديمقراطية في موريتانيا الحسن ولد محمد:

فعن موقفه من التعديلات الدستورية المقترحة أكد الحسن ولد محمد زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية في موريتانيا "رفضه للاستفتاء على التعديلات الدستورية شكلا ومضمونا، وذلك لعدم إجماعيتها وغياب أطراف سياسية معتبرة ومنها مؤسسة المعارضة الديمقراطية عن الحوار الذي تمخضت عنه هذه التعديلات المقترحة، بالإضافة إلى أن الطريقة التي قررت الدولة اعتمادها في الاستفتاء غير دستورية، حيث أن الرئيس لا يحق له أن يستفتي فيما يتعلق بتعديل الدستور".

واعتبر زعيم المعارضة في لقاء خاص مع "بوابة إفريقيا" أن "تعديل الدستور له باب خاص تحدده المواد 99 ، 100، 101، من الدستور، أما المادة 38 التي لجأ إليها الرئيس فهي مادة في غير محلها حيث تسمح للرئيس بالاستشارة في أمور خارجة عن الدستور والتكييف الذي تم بموجبها لا محل له".

وأضاف ولد محمد أن التعديلات الدستورية المقترحة "تكرس صلاحيات رئيس الجمهورية سواء فيما يتعلق بحصانته أو حقه في مراجعة الجمعية الوطنية في تشريعاتها بالإضافة إلى تقليص هيئات البرلمان، إذ تنص التعديلات المقترحة على إلغاء غرفة مجلس الشيوخ التي تعتبر صمام أمان في البرلمان الموريتاني"، مشيرا إلى أن النظام لما فشل في تجديدها وتجديداتها الجزئية قرر الاستغناء عنها، كما أن التعديلات المقترحة تلغي محكمة العدل السامية الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، معتبرا أن مضامين هذه التعديلات تقتضي رفضها، كما أنها تتجاوز ذلك لتصل إلى تغيير "الثوابت الوطنية المتمثلة في العلم والنشيد اللذين تعود عليهما الشعب الموريتاني وليست له مطالب بتغييرهما".

واعترف ولد محمد أن هذه التعديلات المقترحة "تحوي بعض التحسينات الطفيفة غير أنها لا تمثل أولوية تستدعي هذا التسرع فالدساتير وثائق ثابتة ينبغي أن لا تكون هناك جرأة على تغييرها في أي وقت وبأي طريقة ومن طرف أي كان، فهي بمستوى من الثبات يتطلب أن تكون تغييراتها توافقية وأن تكون متباعدة ولأمور ضرورية تخدم الديمقراطية ولا تمثل تراجعا عنها، وهو الأمر الذي لا يتوفر في هذه التعديلات المقترحة، فهي لا تحظى بالإجماع وليست أولوية كما أنها على حساب الديمقراطية"، على حد وصفه.

وشدد زعيم المعارضة الديمقراطية في موريتانيا على أن ما تحتاجه البلاد هو "تغييرات إجماعية، تطور من الديمقراطية وتحد من صلاحيات الرئيس لصالح وزيره الأول ولصالح البرلمان، تغييرات تنمي الديمقراطية وتعزز المعارضة وتضمن دولة المؤسسات وحقوق الإنسان، بدلا من دولة الفرد واللوبيات"، موضحا أن هذه التحسينات تفتقدها التعديلات المقترحة الأمر الذي يستدعي رفضها.

وحول الخيارات التي ستلجأ لها المعارضة الموريتانية في مواجهة الاستفتاء المزمع، أوضح زعيم المعارضة الديمقراطية أنهم "كقوة معارضة سلمية تعمل من خلال الشرعية المتاحة لا تملك من الوسائل سوى التعبير عن الرفض والاحتجاج وتوعية الرأي العام وشرح المخاطر التي تهدد البلد ونُصح السلطة القائمة"، مؤكدا أن هذا ما يقومون به لمواجهة هذا الاستفتاء غير الدستوري وغير الضروري، معربا عن أمله في أن يتم التراجع عنه في أسرع وقت ممكن من طرف السلطة، وأن يكون هناك حوار شامل يسمح للشعب الموريتاني بمختلف مكوناته أن يتشاور حول إصلاح أوضاعه في مختلف جوانب الحياة.

وعن نظرة المعارضة الموريتانية للأزمة الراهنة ورؤيتها للخروج من هذه الأزمة، أكد زعيم المعارضة الديمقراطية أن البلاد تعيش أزمات متعددة، سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى أخلاقية، مشيرا إلى أن "بعضها قديم لكن النظام الحالي كرسها وتحمل وزر كثير منها خاصة فيما يتعلق بالفساد المالي وتراجع الديمقراطية والتسيير الأحادي وضرب الوحدة الوطنية، والإخلال بالنسيج الاجتماعي للبلد، وتفقير مجموعة كبيرة من الموريتانيين عبر غلاء الأسعار وتدني الخدمات العامة".

واختتم زعيم المعارضة الديمقراطية في موريتانيا حديثه مع "بوابة إفريقيا" بالتأكيد على أنه "لا حل للأزمات المتعددة التي تعيشها البلاد سوى بالحوار الجاد الذي يشارك فيه الجميع والذي يتنازل فيه النظام عن استبداديته وسيطرته لصالح قيام دولة المؤسسات وتكافؤ الفرص، ويكون القانون والدستور هما الحاكمان بعيدا عن الأهواء"، مجددا دعوته لهذا الحوار وتأكيده على أنه المخرج الوحيد للواقع الراهن، داعيا السلطة الحاكمة إلى أن تحسن من خاتمتها بعد الأزمات السياسية التي شهدتها البلاد طيلة المأمورية الماضية للرئيس الحالي، وخلال ما مضى من مأموريته الحالية.