القرب الجغرافي والتشابه الثقافي والترابط الاجتماعي عوامل ساهمت في أن تجعل تونس وليبيا متشابهتين في أشياء كثيرة. في بعض المناطق بالبلدين لا يمكن أحيانا أن تميّز النّاس إلى أيهما ينتميان. في كل البلدان المتجاورة هناك ثقافات متشابهة في الحديث وفي الملبس والمأكل وفي العادات والتقاليد، لكن بين تونس وليبيا الأمر يقرب إلى أن يكون انصهارا في الكثير من الأشياء.

في شهر رمضان يتشابه الليبيون والتونسيون في عادات كثيرة. التحضيرات للشهر الكريم، العادات، الممارسات الدينية اليومية كلها أشياء توجد نفسها تقريبا في البلدين. التشابه يبدأ من ليلة النصف من شعبان حيثُ يُحتفى بها وكأنها أحد أيام العيد وتجتمع العائلات على الكسكسي بلحم الخروف والعائلات التي فيها متفقهون في الدين تنهي سهرتها ببعض الأدعية وبطلب الأجر في رمضان.

كما توجد عادة التهنئة في البلدين عبر التزاور في السابق بين العائلات، والآن في ظل تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل أصبحت التهاني عبر الاتصالات، كل يحاول أن يهنئ قريبه أو صديقه بطريقته الخاصة.

وفي ليبيا كما في تونس تبدأ العائلات في التحضيرات التي يحتاجها المطبخ من "شوربة" وحلويات ولحوم، حيث تكون الأسواق مكتظة بالناس قبل أسبوعين من الشهر الكريم، كل يجهّز نفسه لما يحتاجه، وفي الكثير من الأحيان تغلب الشهوة والفضول على الاحتياجات الحقيقية، كما أن المناسبة فرصة لتجار الحلويات والخضار واللحوم للربح.

خلال أيام رمضان تجتمع العائلات على وجبة الإفطار التي تكون مؤثثة بقطعات من التمر وكؤوس اللبن، بالإضافة إلى صحون الشوربة وقطع البريك التي تعتبر عادة أغلب أهل المغرب العربي. وميزة رمضان أنه يساهم في تجميع العائلات في نفس الوقت، حيث نادرا من تجتمع كاملة خلال بقية أيام السنة بسبب الانشغال في الأعمال أو السفرات.

السهرات الرمضانية أيضا متشابهة في ليبيا وتونس. الرجال يتوجهون إلى المساجد لأداء التراويح، ثم بعدها يتجهون إلى المقاهي للعب الورق وتدخين الأرجيلة "الشيشة" ويتواصل ذلك إلى ساعات السحور، أما النساء فإنهن يجتمعن على التلفاز لمتابعة المسلسلات أو يتزاورن بين الجيران بعد تعب يوم كامل من التحضير.

العلاقة بالمساجد متشابهة في البلدين أيضا، حيث تمتلئ خلال رمضان بالصغار والكبار. من عادة الناس في البلدين تشجيع صغارهم على الصلاة عبر الأجواء المميزة التي تكون في المساجد حيث يتم توزيع الحلويات وإلباس الأطفال لباسا أبيض نظيفا يجعل الطفل متمسك بالذهاب مع أهله. كما أن الكبار أيضا يتمتعون بالشهر عبر نسيان ضغط الحياة اليومي والتركيز على العبادات وقراءة القرآن، وكلما تقدّم رمضان كلما زادا اعتكاف الناس في المساجد لتلقي الدروس ولضمان أكثر ختمات من القرآن.

كما تنشط في تونس وليبيا خلال رمضان الأعمال الإنسانية، لمساعدة العائلات المحتاجة. في هذا الشهر يؤمن الناس أن أعمال الخير أجرها مضاعف ولذلك يسارع الجميع بالمساعدة بكل ما يقدر، ويتكثف أيضا نشاط الجمعيات الخيرية، التي يستعد ناشطوها قبل أيام من الشهر عبر تجميع المساهمات من القادرين، ثم تتم عمليات البحث عن الأيتام والمحتاجين في كل حي لكي تتم مساعدته إما بمبلغ مالي أو بتوفير كميات من المواد الغذائية التي تكفي خلال الشهر الكريم.

بين ليبيا وتونس أوجه تشابه كثيرة، ورمضان أحدها. العادات في البلدين نفسها الاحتفالات بالشهر نفسها، طرق التهاني متشابهة، ثقافة العائلات اليومية في المأكل والمشرب قريبة من بعضها، وعلى ذلك لا يحس زائر البلدين الغريب أنهما منفصلان. لكن الإشكال في هذا العام أن انتشار فيروس كورونا فرض على الجميع ثقافة جديدة من خلال البقاء في البيوت والاجتماع بالعائلة.