لم يأت رمضان على المسلمين هذا العام مثل سابقيه، انتشار فيروس كورونا في دول المنطقة والعالم فرض وضعا جديدا حتى التعامل معه صعب. المسلمون في السابق كانوا يخلقون لهذا الشهر عادات خاصة سواء في الاجتماع العائلي سواء في فنون الطبخ سواء في التزاوز وممارسة العبادات والاعتكاف في المساجد وأيضا في نشر روح التضامن والمساعدة للفقراء التي تعتبر عادة قديمة تبرز قيمتها في رمضان إيمانا بأن أجرها عند الله مضاعف.

من العادات السابقة عند المسلمين أن الجمعيات الأهلية تنشط ويتطوع المئات من نشطائها لجمع التبرعات المالية والمواد الغذائية والبحث عن المستحقين والفقراء في المدن والقرى والأرياف لمساعدتهم على مصاريف رمضان التي تتضاعف، بل هناك مدن عربية تقام فيها موائد الإفطار اليومية للعابرين في الطرقات الذين فرضت ظروفهم أن يكونوا خارج بيوتهم في مشهد يقدّم صورة مختلفة عن العربي.

رمضان عند السودانيين مختلف عن رمضان في مدن العرب الأخرى. هناك ثقافة تورثها السودانيون عبر أجيالهم تقدّم لنا صورة الروح الطيبة لهذا الشعب. فبالإضافة إلى وقوف المئات على الطرقات بحثا عن عابر سبيل يتصدّقون عليه بإفطارهم هناك شكل آخر استثنائي في التضامن وهو الإطار خارج المنازل والطرقات العامة حتى داخل المدن الكبرى. هذه العادة ليس الهدف منها هروبا من المنزل بل لكي يجتمع الناس سواسية وكل واحد يقدّم إلى الآخر ما أحضره وهي فرصة لرفع الحرج عن المحتاجين بمنحهم إمكانية الإفطار مع من ظروفهم أفضل.

على الرغم من أن هذه الصورة تعتبر غريبة لمن يتابعها خارج السودان، لكن عند السودانيين أصبحت نوعا من الواجب الذي لا يجب على القادر تركه، بل إن هذه العادة تجتمع مع عادات أخرى تقوم بها الجمعيات المدنية التي لا تجد صعوبة في تجميع التبرعات للناس في هذا الشهر.

في دول الخليج أيضا يُحتفى برمضان في جانبه الإنساني حيث تكون الهيئات المحلية دائما على موعد سنوي لمنح المساعدات لمستحقيها خاصة المقيمين الأجانب أو للدول الإسلامية الفقيرة، و"تشمل المشاريع الخيرية المقدمة من الدول الخليجية ومؤسساتها، مساعدات عينية ونقدية للفقراء، وملايين وجبات الإفطار، وتوزيع زكاة الفطر، وسلالاً غذائية، على مدار شهر رمضان المبارك... وتصل قيمة المساعدات الخليجية التي يتم إنفاقها خلال شهر رمضان على الفقراء في مختلف دول العالم ملايين الدولارات، حيث يتم جمعها إما من الدول، وإما من خلال فتح باب التبرعات لحسابات خاصة بالجمعيات الخيرية".

تونس وليبيا المتشابهتان في العادات تنشط فيهما أيضا الأعمال الخيرية، حيث تتكثف مجهودات المجتمع المدني والجمعيات لمساعدة الفقراء والنازحين بالنسبة إلى ليبيا، ورغم ظروف كورونا لم تتوقف تلك المنظمات في تقديم المساعدات لألاف الأسر. ففي المدن التونسية مثلا بدأت حملة لجمع الأموال والمواد الأساسية قبل حوالي شهرين من بداية رمضان، وهذه عادة دأب عليها النشطاء بالنظر إلى صيغتها القانونية التي تسمح لها بقبول التبرعات، ويتجند الألاف من النشطاء بشكل تطوعي في العمليّة كل يبحث عن طريقة في توفير الأموال وكل يسجل المحتاجين في منطقته أين تمنح لكل واحد كل ما يحتاجه خلال الشهر الكريم. وعلى الرغم من أن عدد المحتاجين كبير جدّا لكن تلك المنظمات تجتهد لتوفير احتياجات الجميع.

في ليبيا المسألة متشابهة. الجميع يعرفون أن ظروف الحرب وحالات النزوح ضاعفت من عدد المحتاجين وعلى ذلك كانت الأنشطة أكثر كثافة. فمن عادة الليبي رغم الظروف التي يعيشها أنه كريم في مثل هذه الوضعيات، حيث يساهم بكل ما يمكنه أن يساعد الجمعيات المحلية أو يتكفل بشكل فردي بالبحث عمن هو في حاجة ليساعده. ويحصل في ليبيا أن تنتقل المساعدات من مدينة إلى مدينة في إطار توزيع الأدوار، خاصة المساعدات نحو طرابلس التي تعتبر مركزا أساسيا للنازحين والأجانب غير القادرين على توفير احتياجاتهم.

المدن العربية والإسلامية الأخرى من القاهرة إلى اليمن إلى اسطنبول وجاكرتا وداكار وغيرها الصورة فيها نفسها إذا تنتشر موائد الإفطار ومراكز تجميع المساعدات في مشاهد تعبر عن قيمة التضامن ومد يد العون لكل محتاج أو فقير، وعلى الرغم من أن انتشار فيروس كورونا هذا العام فرض إجراءات خاصة وغير جزءا من العادات لكن في العموم هناك محافظة على تلك الصورة النبيلة التي تخفف حالة الضغط على المحتاجين.