حالة الاختناق التي تعيشها مدينة الدار البيضاء لا تسر الخاطر، بخاصة أنها حالة تتزايد وتتفاقم في شهر رمضان، ونظرة سريعة لكل شوارع العاصمة الاقتصادية للمغرب، وهي تكتظ بالسيارات في ظاهرة اختناقات مروريةغير عادية في شهر رمضان، تدعونا إلى التريث في فكرة اقتناء سيارة، هذه الفكرة التي طالما كانت حاجة ضرورية لكل مواطن. فالواقع يؤكد بما لا يرقى إلى الشك حجم الأزمة، ففي رمضان تكثر التجارة المناسباتية بشكل غير منتظم وتتخذ مستقرات لها هنا وهناك، وتشهد إقبالا من لدن المواطنين، وهو ما يتسبب غالبا في عرقلة سير إضافية إما في أزقة أو شوارع وساحات، أما المشكل الأساس في الاختناقات المرورية فهو أن المشتغلين والعاملين والموظفين يكون لهم توقيت موحد، الدخول في التاسعة والخروج في الثالثة، ونقطة الخروج هي التي تتحول فيها الدار البيضاء إلى ساحة مبارزة بين جل وسائل النقل، السيارات منها والشاحنات والحافلات العمومية والدراجات والطاكسيات والعربات المجرورة، لا تتوقف هذه الحرب إلا مع اقتراب آذان صلاة المغرب عادة، لماذا؟ لأن المغادرين للعمل جلهم لا يذهب للمنزل مباشرة فإما أنه سيذهب لجلب الأبناء من المدارس أو للتبضع، ونعلم أنه خلال شهر رمضان يميل المرء إلى خلق فرص لتمضية الوقت كما أن اشتهاءه بحكم الصيام ينفتح أكثر لذلك تجد الأسواق هي الأكثر اكتظاظا.

فالمواطن البيضاوي إذا أراد الوصول إلى مقر عمله فإنه يحتاج إلى ساعة أو ساعتين ومثلها في طريق العودة من العمل، فلو وضعنا دراسة حسابية بسيطة للوقت المهدور بسبب الاختناقات المرورية (ناهيك عن الضغط النفسي والخسارة بالعمل والوقود...) على فرضية أن الموظف يخسر ثلاث ساعات يومياً أي أنه يخسر (15) ساعة في الأسبوع في حال لم يخرج من بيته يومي السبت والأحد، وبذلك يكون قد أضاع في الشهر الواحد (66) ساعة، أي (792) ساعة في السنة بما معدله (33) يوماً في السنة، مما لاشك فيه أن كل من يقرأ هذه المعلومة سيذهل، لكنها للأسف حقيقة... نسبة  9في المائة من حياة المواطن يلتهمها الازدحام... فهل يا ترى فكّر المسؤولون بهذه الخسارة الكبيرة؟ هل حاولوا ولو محاولة جادة للتخفيف عن كاهل المواطن؟.

فالاختناقات المرورية ظاهرة طبيعية في كل بلدان العالم وبخاصة العواصم الكبرى، والجهات المسؤولة هناك استطاعت أن تحل المعضلة منذ عدة عقود من خلال خطط علمية مدروسة ومشاريع ضخمة من شبكات الطرق الحديثة، إلاّ أن ما يحصل في شوارع الدار البيضاء شيء آخر يختلف تماماً عن كل عواصم العالم، الأمر الذي انعكس سلباً على المواطن وحده كونه يدفع الثمن بشكل يومي من وقته. والحقيقة التي لا يحجبها غربال، أن الشوارع الرئيسية لمدينة الدار البيضاء أصبحت لا تستوعب العدد الضخم من الهياكل السيارة التي يتزايد عددها يوماً بعد يوم، ومصيبة الدار البيضاء في رمضان وبقية شهور السنة، ظاهرة الاختناق المروري، ونؤكد في هذا الصدد أن مرده لا يعود فقط لشهر رمضان، فالعاصمة الإقتصادية تعيش مشاكل كبرى متعددة الأبعاد والمستويات من السير والجولان، مرورا بالتعمير والبيئة إلى ما هو اقتصادي واجتماعي وغيرهما، التي ترخي بتبعاتها على الحياة اليومية للبيضاويين والبيضاويات وزوار المدينة، والتي تحتاج إلى متابعة شخصية وفعلية وحضور دائم للعمل على إيجاد حلول لها، الأمر الذين لا يمكن أن يتحقق بحسب تدوينات وتفاعلات المنتقدين التي تتقاطع مع ملاحظات عدد كبير من المتتبعين للشأن المحلي. وشدّد الغاضبون على أن تدبير الشأن المحلي في مدينة بحجم الدار البيضاء، يتطلب تفرغا كاملا، مؤكدين على أن المجالس السابقة لم تتمكن من حلّ معضلات المدينة، بل اتسعت رقعة أعطابها بشكل أكبر في عهدها، وهو الأمر الذي زاد استفحالا وتؤكده العديد من الصور والمشاهد الشائنة اليوم، التي تكشف عن ترييف لمدينة المال والأعمال عوض تقدمها نحو مزيد من التمدن و"الذكاء"، وهو ما يتطلب تحمل المسؤولية الكاملة في تدبير قضاياها والعمل على إيجاد حلول والاستجابة لانتظارات الساكنة.

مشكلة الاختناقات المرورية بالدار البيضاء، مشكلة اجتماعية سببها الجميع وضحيتها الجميع، ويُفترض أن يشترك في حلها الجميع، كلٌ حسب تاثيره. فتسويق فكرة الحرص على توسيع المدارات الطرقية من أجل توسيع دائرة الحركة من غير استشراف تجريبي لهذه الابتكارات خلق المزيد من الاختناق والارتباك لشوارع رئيسية بالعاصمة الاقتصادية، فيما استحالت الطرق والمعابر بالضواحي والأحياء الهامشية خرائط طرقية للنكبة، أضف إلى ذلك شراسة احتلال الملك العمومي من طرف بعض ملاك المقاهي وتقاعس السلطات في ردع وتحجيم طموح الباعة المتجولين في احتلالهم الشارع العام محولين إياه إلى أسواق عشوائية... فضاءات مفتوحة للفوضى والاضطراب والاحتقان، ومن تداعيات ذلك عجز عناصر الشرطة المكلفة بالمرور عن ضبط العملية بخاصة في أوقات الذروة وعند مفترقات الطرق الرئيسية، فيعجزون عن السيطرة على الوضع وفرض احترام قانون السير. 

إنّ معضلة اختناق المرور واندثار علامات التشوير الطرقي وأضواء المرور وانقراض المساحات الخضراء لا تمس فقط الشوارع الرئيسية بل تستفحل بالعديد من الأحياء والمحاور الطرقية الدائرية والهامشية، حيث احتلت مساحاته مقاهي سطت وتمددت على شوارع من الجانبين مما جعل سكان هذه الأحياء الآهلة والشعبية يعبرون عن أسفهم الشديد لتباطؤ المسؤولين في الشروع في استعادة الملك العام وزجر أصحاب المقاهي وترصيف الطريق العام، ونصب أضواء المرور في النقط الرئيسية، وهو ما يعرقل في الكثير من الأحيان حركة المرور ويساهم في حدوث حوادث سير تكون أحياناً قاتلة، الأمر الذي يستدعي تعميم الإشارات الضوئية وعلامات التشوير في العديد من المواقع وتشذيب أغصان الأشجار التي تحجب الرؤية. فهذه دعوة لكل المسؤولين للعمل بإخلاص وتفانِ... فالمواطن البيضاوي يستحق العناية والعيش الكريم... فهل من مجيب؟