تُزيد بنات حواء المصريات ثقة، وتمكنهن من الدفاع عن أنفسهن، دون أن يحملن سلاحاً، أو يضطررن لطلب الحماية من أحد المارة وهن في طريقهن للمنزل أو للعمل، هي رقصة الزومبا، التي اتسعت دائرة انتشارها في أوساط نسائية مؤخرا، لمواجهة التحرش الجنسي.

وشهد ميدان التحرير (وسط القاهرة)، الشهر الماضي، حالات تحرش تعرّضت لها عدة سيدات، خلال الاحتفال بتنصيب عبد الفتاح السيسي، رئيسًا لمصر.

ووثّق مقطع فيديو مصور ما تعرضت له سيدة منهن، وهي واقعة أثارت حالة من السخط العام داخل المجتمع المصري، ومطالبات بإيجاد حلول عاجلة لمشكلة التحرش الجنسي.

الأمر الذي دفع فتيات عدة كفاطمة عاطف وصديقتها للبحث عن دروس لرقصة الزومبا، والتي كنّ يعتقدن في السابق أنها دروس للياقة فحسب، ليكتشفن أنها برنامج كامل يعود عليهن بفوائد بدنية ونفسية، تمكنهن من مواجهة شبح التحرش، والخروج للشوارع دون قلق أو خوف.

وعلى بعد خطوات من 4 فتيات اصطففن في رقصة تجمع أنواعا من الرقص اللاتيني، وقفت المدربة الأمريكية “إيميلين لافندر”، التي فضلت أن تأتي مصر منذ نحو 3 سنوات، قامت خلالها بتدريب مئات النساء، على رقصة الزومبا، وغيرها من برامج اللياقة البدنية.

تقول إيميلين البالغة من العمر 33 عاما، إنها تعمل في مبادرة “إجمدى (ازدادي قوة)” لمساعدة النساء في مواجهة التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة، لكن بالنسبة لإيميلين فإن مهمتها الرئيسية هي التدريب على برنامج اللياقة البدنية “الزومبا” وهي بحسب قولها برنامج يعتني باللياقة من خلال الرقص، وإنه يشبه “الأيروبكس″ بشكل رئيسي.

وعن فوائد ممارسة “الزومبا”، توضح إيميلين التي استطاعت خلال الـ3 سنوات أن تتعلم بضع كلمات باللغة العربية من بينها الثورة والتحرش والاتحادية (القصر الرئاسي)، وميدان التحرير أن “الزومبا تعمل بشكل أساسي على تقوية عضلة القلب، كما أنها تعود النساء على التعاون فيما بينهن، خاصة أنهن يشكلن فريقا دون التكلم أو التحدث مع المدربة، بل بالعكس الجميع يمارس الرياضة في شىء من المتابعة لحركات المدربة وكذلك من خلال استخدام مهارات التعاون فيما بينهن، كأن تتابع واحدة منهن زميلتها في حال أغفلت حركة بعينها”.

الموقف مشابه، لتجمع الفتيات وتعاونهن معا في الوقفات الاحتجاجية، حيث كانوا يدعون المارة لدروس الزومبا وسط تردديهم لهتافات مناهضة للتحرش، ورافضة للعنف ضد المرأة بشكل عام.

تقول فاطمة التي لا تمل المشاركة في الوقفات الاحتجاجية المناهضة للعنف ضد المرأة وكذلك تمارس رياضة “الزومبا”، لوكالة الأناضول، إنها سمعت من أكثر من صديقة عن الزومبا واكتشفت فيما بعد أنها فكرة جيدة، وقد تكون عاملاً في قدرتها على مواجهة التحرش، إلى جانب أنها رياضة، وبالفعل بدأت في البحث عن إيميلين والتدريب معها ومع غيرها من الفتيات.

تتابع فاطمة التي تعمل أستاذة جامعية في إحدى الجامعات المصرية: “كنت دائما أرغب أن أقف وأرفض ما يحدث ولم أكن أعلم كيف يمكنني عمل ذلك، لكن بعد أخذ الدرس الخاص بالزومبا عرفت كيف يمكنني أن أدافع عن حقي وأعبر عن رفضي ما يحدث، كما تعلمت ما الذي يجب علي فعله في حال تعرضي لأي مضايقات وما الذي يجب علي تجنبه حتى لا أعرض نفسي لمواقف معينة أو أواجه مشكلة أنا في الحقيقة في غني عنها”.

وسكتت فاطمة برهة عندما تذكرت كيف غيرتها الزومبا ثم قالت: “الزومبا ساعدتني كثيراً وجعلتني أحب جسمي وأحب أن أكون سيدة واثقة بنفسي وفخورة من نفسي، لا أمشي وأنا خائفة، ساعدتني وأصبحت لا أشعر بضعف جسمي ولا أشعر أني ضعيفة على الإطلاق”.

تقاطعها إيميلين حيث قررت إعطاء الفتيات قسطاً من الراحة وسط التدريبات بقولها: “الزوبما تساعد في مثل هذه المواقف التي تتعرض خلالها الفتيات للتحرش الجنسي، لأن هذا يساعد في جلب بعض الثقة لهن والوعي بطبيعة أجسادهن، وكذلك التعاون والتنسيق مع غيرهن وهي كلها عناصر هامة في مواقف التعرض لتحرش جنسي، فالزومبا تجعل الفتاة تستطيع الدفاع عن مساحتها، وإدراك حقها في الوجود بها، دون تطفل أو مضايقات من أحد”.

وفعلياً تحولت الزومبا إلى رقصة يمكن للنساء الدفاع بها عن أنفسهن بعدما استمرت لقرابة 24 عاما كبرنامج يهدف بالأساس لإحداث لياقة بدنية وإبعاد للنساء من الاكتئاب، وذلك عقب اختراع الكولومبي البيرتو بيريز “بيتو”، لها، في شكل حركات رقص لاتينية تمثل مجموعة من أنواع الرقص اللاتيني كالسامبا والسالسا وغيرها.

وحول مدى تقبل المجتمع المصري لانتشار رقصة الزومبا تقول إيميلين: “أعتقد أن الفن والموسيقى والرقص لهم أهميتهم في الثقافة المصرية، لذلك فأنا واثقة أن للزومبا مكانها هنا، والنساء المصريات يحببنها ويشعرون بالمرح بسببها خاصة أن غالبية الفصول تضم نساء فقط، وهن يجدن الدروس أمان للمجيء والرقص معا وعمل صدقات .. وهو ما يجعل الرقصة منتشرة هنا”.

وتلفت إيميلين إلى المفارقة حول انتشار الزومبا في ظل سنوات ثلاثة منذ اندلاع الثورة المصرية في يناير/ كانون الثاني 2011 فتقول: “أعتقد أن الزومبا لها تأثير إيجابي على المصريين بشكل عام، وخلال تجربتي مع السيدات شعرت بأهمية تلك الرقصة في أوساط السيدات وسط ما يحدث من مظاهرات وحالة عدم استقرار”.

وتتابع: “مثلا عندما وقعت أحداث الاتحادية العام الماضي (بين مؤيدين ومعارضين للرئيس الأسبق محمد مرسي) وكان الناس يموتون وكان الأمر مؤثرا فكرت أن أقوم بإلغاء الدرس احتراما لما حدث من سقوط للضحايا لكن النساء طالبنني بعدم إلغاء الدرس وقلن إنه الشيء الذي يجعلهن يستعدن الشعور بالسعادة وتقلص الإحباط”.

توافقها الرأي فاطمة بقولها: “نتحرك بحرية ونستمتع في الوقت نفسه ونتخلص من كل ضغوطات الحياة اليومية”.

الدروس تبقى غالبا للنساء فقط، ورصدت مراسلة الأناضول عدم رغبة المتدربات لممارسة الرقصة مع نظرائهم من الرجال، مرجعين الأسباب للثقافة والعادات وعدم أخذ حريتهن بشكل كامل سواء في الملابس أو الحركات.

وهو عبرت عنه إيميلين بقولها: “كل ما أتمناه في المستقبل أن يكون هناك أحداث مشتركة حيث يحضر النساء والرجال لنفس المكان ليقوموا بأداء رقصة الزومبا إلى جانب رؤية الرقصة تنتشر في مناطق مختلفة في المناطق الأصغر (من القاهرة) والمناطق النائية”.

يذكر أن المبادرات المناهضة للتحرش، ومن بينها “اجمدي”، تضم مجموعات شبابية من الجنسين، غير أنها لم تتوصل لحل للمشكلة التي تنامت في الفترات الأخيرة، حتى وصلت لدرجة إصدار قانون يقضي بتغليظ عقوبة التحرش الجنسي خلال شهر يونيو/حزيران الماضي.

وتحتل مصر المركز الثاني عالميًا، بعد أفغانستان، من حيث أكثر الدول التي تعاني من التحرش، حيث إن 64% من المصريات يتعرضن للتحرش في الشوارع، سواء باللفظ أو بالفعل، وفقا لدراسة حديثة للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (حكومي).