بعد مضي ثلاثة أعوام عن هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وسقوط نظام حكمه مازالت عديد الحقائق حول تفاصيل ما جرى في تونس مخفية ، رغم التحقيقات التي يباشرها القضاء العسكري ورغم عديد التصريحات الصادرة عن شخصيات كانت فاعلة أيام ثورة تونس ومنها رضا قريرة ، وزير الدفاع وقتها ،والجنرال رشيد عمار، قائد الجيوش الثلاثة الذي استقال قبل أشهر، وأيضا الجنرال المتقاعد أحمد شابير المدير العام السابق للمخابرات العسكرية ( 2009 – 2011 ) والذي شغل أيضا خطة مدير عام الأمن الوطني بوزارة الداخلية لمدة شهرين بعد الثورة لتتم إقالته وخروجه للتقاعد.شخصية أخرى قدمت مجموعة من الاضاءات و الحقائق التي جدت في الأسبوع الأخير الذي سبق هروب بن علي وتتويج " الثورة " التونسية ، وهو سمير ابن الجنرال علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي ، الذي تجمع عديد الأطراف على انه دفع ببن علي الى الهروب ، في حين تختلف في ما بينها حول أسباب هذا القرار ، وما إذا كانت محاولة انقلاب أو مجرد إحداث فراغ في الرئاسة وإبعاد رئيس الجمهورية تمهيدا لانتقال سلمي للسلطة .ومع ذلك بقيت نقاط ظل عديدة حول أحداث " الثورة" وحول حقيقة القناصة الذين قتلوا الشهداء وحول من أعطى التعليمات باستعمال الرصاص الحي لمواجهة المحتجين و أيضا حول وجود تمرد أمني تقف وراءه أطراف أجنبية .

غموض حول أوامر إطلاق النار

أكد الجنرال المتقاعد و المدير العام السابق للمخابرات العسكرية أحمد شابير أن الرئيس السابق بن علي لم يعط أوامر للقوات الأمنية و العسكرية بإطلاق النار على المحتجين في الشوارع ، وهي شهادة أدلى بها في برنامج " لمن يجرؤ فقط "على قناة التونسية مساء الأحد .من جهته أكد وزير الداخلية أيام الثورة رفيق الحاج قاسم عند التحقيق معه انه أعطى التعليمات لتفادي استعمال الذخيرة الحية ، وهو ما صرح به أيضا لطفي الزواوي مدير عام الأمن العمومي وقتها الذي صرح عند التحقيق معه انه أعطى التعليمات الى منظوريه بضبط النفس وعدم استعمال الذخيرة الحية ، وهو ما ذهب إليه كذلك عادل التويري مدير عام الأمن الوطني الذي قال انه دعا الى عدم إطلاق النار و تجنب سقوط الضحايا .فمن أمر بإطلاق النار على المتظاهرين في الشوارع ؟ وهل كان ذلك تصرفا فرديا من الأعوان للدفاع على أنفسهم من المحتجين الذين هاجموهم ؟ مثلما يسوق البعض .

لغز القناصة

الحقيقة لم تنجل حول وجود قناصة ، تونسيين أو أجانب ، تولوا قنص المحتجين من فوق أسطح البنايات والمنازل لتظل التصريحات متضاربة .المدير العام السابق للمخابرات العسكرية و للأمن الوطني أحمد شابير أكد عدم وجود قناصة بمعنى الكلمة لكنه أضاف أن بعض الأمنيين صعدوا فوق الأسطح ووجهوا أسلحتهم نحو المحتجين فقتلوا بعضهم .وفي المقابل ينفي شابير ما كان صرح به وزير الدفاع رضا قريرة من أن رشيد عمار و أحمد شابير أعلماه بالقبض على مجموعة من القناصة الأجانب مؤكدا أن الأمر اختلط على الوزير وقتها .من جهته كذب سمير السرياطي هذا القول مؤكدا وجود قناصة أجانب تم القبض عليهم قرب القاعدة العسكرية بقفصة قادمين من الرديف مستندا الى تقرير أعده شابير نفسه .وما يؤكد عدم وجود قناصة أجانب ساهموا في قتل عدد من الشهداء أن تحليل مضاريف الرصاص المستعمل أكد أن الأسلحة التي أطلق منها الرصاص تمتلكها الفرق الأمنية و العسكرية التونسية .

تمرد و انقلاب

عديد الشهادات و التصريحات أكدت وجود انقلاب خططت له جهات أجنبية اخترقت المنظومة الأمنية وجهاز اتصالها عبر بث إشاعات ودعوة الأمنيين الى الانسحاب من مواقع عملهم وتسليم أسلحتهم الى الجيش ، وهي رواية تمسك بها أحمد شابير متهما بها الجنرال السرياطي الذي أرعب بن علي وأقنعه بأن سلامته في خطر خاصة بعدما أعلمته المخابرات الفرنسية بوجود محاولة انقلاب .قيادة السرياطي لانقلاب ضد بن علي تهمة وجهتها أيضا ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس السابق في كتابها " حقيقتي " الصادر في فرنسا ، وهو ما ينفيه شابير الذي يرى أن السرياطي ساهم فقط في إبعاد الرئيس ودفعه الى الخروج من البلاد .وفي المقابل قال ابن السرياطي إن والده هو من اتصل بالضابط بالأمن الرئاسي سالم سيك  سالم ، بعد مغادرة طائرة بن علي وبعد الشروع في إيقافه بطلب من وزير الدفاع ، ليأمره بدعوة محمد الغنوشي وفؤاد المبزع و عبد الله القلال وفتحي عبد الناظر لسد الشغور الرئاسي وضمان الانتقال السلمي للسلطة .ويؤكد ابن السرياطي أن والده رفض عرضا تقدمت به العناصر العسكرية التي أوقفته بتسهيل هروبه الى الخارج لأنه كان مقتنعا بأن ما قام به كان عملا وطنيا .

حرب جنرالات

الروايات المتناقضة حول تفاصيل الثورة التونسية ،وفق التصريحات و التحقيقات الأمنية و العسكرية ،قللت من أهمية دور الحراك الشعبي في سقوط النظام السابق ودفع الرئيس الى الهروب وحاولت أن تبين أن الثورة التونسية كانت نتيجة مؤامرة خططت لها مخابرات أجنبية وقادتها أطراف أمنية تونسية حرضت الأمنيين على التمرد لتتحول الأمور الى حرب جنرالات يحاول فيها كل طرف اتهام الآخر والخروج في ثوب البطل الذي ناصر الثورة وحما البلاد من حمام دم ومن حرب أهلية .